قبل مؤتمر "جنيف 2" الخاص بالوصول إلى حل للأزمة السورية وأثناءه، لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت "
الحل السياسي للأزمة"، لكن ما أن فشل المؤتمر في الوصول إلى أي اتفاق، خفتت كل الأصوات، وترك العالم "
الأزمة" ما خلف بيئة مناسبة لتنظيم "داعش"، لينشغل بعدها بمواجهة هذا التنظيم.
وبينما كان العالم مشغولا بمقاومة التنظيم، كانت معاناة السوريين مع نظام بشار الأسد تتزايد، وأفق البحث عن حلول يبدو مسدودا، إلى أن شهد هذا الأسبوع تحركات مصرية روسية، بدأت بزيارة الرئيس الأسبق للائتلاف السوري معاذ الخطيب، إلى العاصمة الروسية
موسكو، لتلقي هذه الزيارة حجرا في المياه الراكدة، منذ فشل مؤتمر "جنيف 2 " قبل عشرة أشهر وتحديدا في كانون ثاني/ يناير من العام الجاري.
وبدأت هذه الزيارة في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وقال الخطيب في تدوينه عبر موقع "تويتر" إنها جاءت بناء على دعوة تلقاها من الحكومة الروسية، وشاركه في الزيارة مجموعة من شخصيات المعارضة.
ويعود الجدل مجددا حول الخطيب، والذي ما أن يتحرك، حتى يصدر انتقاد لتحركاته من الائتلاف السوري، حدث ذلك حتى وهو يرأس مؤسسة الائتلاف، وزاد بطبيعة الحال بعد أن خرج منها مستقيلا ومحتجا على سياستها.
وخرج عن رئيس الائتلاف هادي البحرة، أكثر من تصريح انتقد فيه الزيارة، نافيا علمه بها، كما انتقدها أحمد طعمة، رئيس الحكومة المؤقتة المنتخب، لاسيما أن الوفد الذي صاحب الخطيب خلال الزيارة، ضمّ عددا من وزراء حكومته وهم نزار الحراكي، وحسام حافظ، ومحمد نور مخلوف.
وفي محاولة لقراءة دلالة الزيارة وخلفيات الوفد الذي سافر مع الخطيب، قال عضو بارز في الائتلاف السوري قبل يومين، إن "هناك مساع لإنشاء كيان جديد للمعارضة، يكون بديلا للائتلاف، وأن العالم بدأ يتعامل مع هذا الكيان حتى قبل الإعلان عنه رسميا، بدليل زيارة الخطيب لموسكو".
ولفت المصدر إلى أن الائتلاف السوري، عجز عن مسايرة الواقع بحلول متجددة، غير أن هذا الكيان الجديد يحمل أفكارا للحل، بدأت تلقى قبولا لدى المجتمع الدولي، وهو ما كشفت عنه زيارة الخطيب لموسكو، دون الكشف عن تفاصيل تلك الأفكار.
وحملت رسالة نشرها معاذ الخطيب عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" الثلاثاء، بعضا من التفاصيل التي رفض المصدر الكشف عنها، واختار للرسالة عنوان "هل ستشرق الشمس من موسكو" لتعكس تفاؤله بنتائج هذه الزيارة.
وقال الخطيب في الرسالة، إنهم أبلغوا الروس بأن المسار السياسي لحل الأزمة، يجب أن يسير بالتوازي مع موضوع مقاومة الإرهاب الذي تُدندن عليه الدول.
وتابع: "قلنا لهم بصراحة وبكل موضوعية: قد يكون قسمٌ من الشعب السوري مع بشار الأسد، وقسم ضده (ولكنه المسؤول الأول عما جرى)، وبالتالي فإنه لا يمكن بأية طريقة قبول أن يكون جزءاً من مستقبل سورية السياسي، وصحيح أن هذا لا يتم خلال يوم وليلة، ويحتاج إلى ترتيبات ما، ولكنه أمر أساسي بالنسبة لمصلحة سورية، وطلبْنا منهم أن يسعَوا بالتفاهم مع الأمريكان ويتوافقوا على صيغة - وليسموها (جنيف 3) - إن شاءوا – لفتح نوافذ حل سياسي تفاوضي".
وأضاف: "لم يعترض الروس على كل ما قلناه، وأخبرونا أنهم يفكرون في عقد مؤتمر يضم بعض الشخصيات من المعارضة السورية".
وفي اليوم ذاته الذي نشر فيه الخطيب رسالته، لم ينف ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، ما جاء بها، وقال بوغدانوف في مؤتمر صحفي عقده في موسكو: "جرى التركيز في المباحثات مع الخطيب على ضرورة تحويل الأزمة السورية إلى المسار السياسي، وفي هذا الموضوع قدم الخطيب نقطتين أساسيتين ليس لدينا اعتراض عليهما وهما، محاربة الإرهاب والدولة الإسلامية، والثانية مفاوضات سياسية تفضي لحوار واتفاق بين الحكومة السورية الشرعية والمعارضة".
وبعد يوم واحد من هذه التحركات الروسية، شهدت
القاهرة تحركات دبلوماسية مكثفة الأربعاء، كان محورها - أيضا - الحل السياسي للأزمة السورية.
والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد ظهر الأربعاء، بمقر وزارة الخارجية، ستيفان دي ميستورا، مبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة لسوريا.
وقال بيان صادر عن المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن الوزير شكري، "عرض خلال المقابلة، الرؤية المصرية للتطورات الجارية علي الساحة السورية والتشديد علي الأهمية القصوى، لإيجاد حل سياسي للازمة باعتباره السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن، بما يضمن وحدة الأراضي السورية، وسلامتها الإقليمية، وتحقيق التطلعات السياسية المشروعة للشعب السوري الشقيق".
وأشار البيان، إلى أن وزير الخارجية، شجع المبعوث الأممي على مواصلة جهوده والاستمرار في التواصل مع مصر، والسعي لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية التي تؤثر بالسلب على الوضع في المنطقة بأكملها.
ولم تكن الأزمة السورية ببعيدة عن لقاء جمع شكري، الأربعاء، مع نهاد المشنوق وزير الداخلية والبلديات اللبناني.
وقال بيان صادر عن المتحدث باسم الخارجية المصرية، إن اللقاء تطرق للأزمة السورية، وانعكاساتها علي الساحة اللبنانية، وشدد الوزيران على حتمية الوصول لحل سياسي للأزمة.
وفي محاولة للربط بين تحركات القاهرة وموسكو، رجح عبد الحميد الزوباني مدير المكتب الإعلامي للائتلاف السوري، في القاهرة، بأن تكون زيارة ستيفان دي ميستورا إلى القاهرة، مرتبطة بمشروع مبادرة مصرية لحل الأزمة في
سوريا.
ولم يستبعد الزوباني في تصريحات صحفية نشرت اليوم، أن تكون هذه المبادرة مرتبطة بسعي موسكو لطرح حل للأزمة، بعد مباحثات رئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق معاذ الخطيب، مع المسؤولين الروس قبل ثلاثة أيام.