يبدو كشخصية غير قريبة من القلب، متعال، ومخدر بلا ذاكرة، وثري تورط في الكثير من المشاكل بسبب ماضي الممولين لحملته الانتخابية، وعثراته وزلات لسانه في الآونة الأخيرة.
وبوصفه سيناتور لمدة 20 عاما كان ينزع إلى تفسير الأمور بصورة مطولة مملة إلى حد يبدو فيه وكأنه يريد أن يستعرض معلوماته أكثر من رغبته في التواصل مع الآخرين، وقد أبلغه أحد مساعديه المقربين: "ليس عليك إن سألك أحدهم عن الوقت أن تشرح له كيف تصنع الساعة".
أحد المحاربين القدامى في فيتنام، حين كان يقوم بأعمال الدورية على ضفاف نهر الميكونغ، وخدم في قطاع البحرية الأميركية من عام 1966 إلى 1970 خلال حرب فيتنام.
وأصبح محط الأنظار في الولايات المتحدة عام 1971 عندما أدلى بشهادته عن فيتنام أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
صوره الجمهوريون أثناء حملته للانتخابات الرئاسية ضد جورج بوش الابن على أنه لين إزاء "الإرهابيين" وتجار المخدرات، وأنه "شخص انتهازي ينبغي التخلص منه، وعلى أية هم يفضلون وصف الديموقراطيين بالرجال المخنثين غير القادرين على حماية الأمن الأمريكي".
تزوج
كيري مرتين كلاهما من امرأة غنية، وزوجته الأولى هي جوليا ثورن من فيلادلفيا والتي كانت تعاني من اكتئاب، وله منها ولدان وثلاثة أحفاد، وبعد انفصالهما عانى كيري من الفقر لسنوات، ثم في عام 1995 تزوج ثانية من تيريزا هاينز الأرملة التي توفي زوجها عضو مجلس الشيوخ جون هاينز في تحطم طائرة، وترك لها إمبراطورية الأغذية الشهيرة.
ولد جون كيري عام 1943 بينما كان والده ريتشارد متطوعا في الفيلق الجوي في الجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية.
جده لأبيه هو فريدريك كيري من أصل نمساوي مجري ولد في بلدة صغيرة بالقرب من العاصمة النمساوية فيينا.
أما جدته فقد ولدت في العاصمة المجرية بودابست، وكلا جديه كانا من أصل يهودي، واعتنقا الكاثوليكية في عام 1901.
ولم يعرف جون كيري الهوية الحقيقية لجديه إلا في وقت لاحق، فقد ربى فريدريك وزوجته أطفالهم، ريتشارد والد جون كيري بحسب التعاليم الكاثوليكية.
تخرج في جامعة "ييل" بالعلوم السياسية عام 1966 وكلية بوسطن بالقانون عام 1976، وعمل مساعدا للمدعي العام لمقاطعة مديل سيكي بولاية ماساتشوستس من 1977 إلى 1979 ثم محاميا من 1979 إلى عام 1982.
خاض انتخابات مجلس النواب (الكونغرس) عام 1972 ولكنه لم يفز فيها، وانتخب فيما بعد حاكما لولاية ماساتشوستس عام 1983، وفي العام التالي انتخب في مجلس الشيوخ للمرة الأولى، وأعيد انتخابه عامي 1990 و1996 وعمل من خلال منصبه على إصلاح التعليم العام والاهتمام بقضايا الأطفال وتعزيز الاقتصاد، وتشجيع نمو اقتصاد التقنية المتقدمة وحماية البيئة وتقدم السياسة
الخارجية الأمريكية حول العالم.
يعد من مؤيدي التجارة الحرة وإقامة علاقات تجارية دائمة مع الصين، وقاد الحملة الموجهة ضد التعديل الذي ينادي بمراجعة أميركا لممارسات حقوق الإنسان في الصين.
تجربته في الحرب دفعته ليكون في التسعينيات من المساهمين في تطبيع العلاقات مع فيتنام. كذلك عرف بإدانته التعصب الأعمى ضد المسلمين باسم مكافحة "الإرهاب".
وكثيرا ما تحدث حول "الإسلام المعتدل" إلى حد شعر فيه محدثوه بأنهم أمام رجل تقي وداعية يبشر بالإسلام الجديد الذي تريد واشنطن تعليمه لنا من جديد.
نافس في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، مرشحا عن الحزب الديمقراطي، لكنه خسر الانتخابات أمام الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش.
ورغم أنه أيد في البداية حملة بوش الابن ضد العراق ومعظم أكاذيب بوش حول الأسلحة العراقية، إلا أنه جاهر بتشكيكه في دوافع إدارة الرئيس بوش الابن في الإصرار على خوض هذه الحرب، قائلا عباراته الشهيرة: "هناك نوعان من الأشياء التي يمكن رؤيتها من الفضاء. جبال الهيمالايا وعجز جورج بوش".
وتبنى كيري في تلك الفترة على نحو مقلق قانون محاسبة سوريا، ويقال إنه التقى الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من عشر مرات أحدها في مطعم شامي.
أختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما وزيرا للخارجية في شباط/ فبراير عام 2013 لخلافة هيلاري كلينتون، بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية.
وللوهلة الأولى تبدو الخارجية الأميركية تحت إدارته خاملة، ومخدرة بهيئته التي تشبه اللوردات البريطانيين، كما وصفه الكاتب هورد فاينمان في "نيوزويك" ذات يوم.
آراؤه تبدو أكثر وضوحا من خلال المايكروفون المغلق، حيث تورط أكثر من مرة بعد إطلاقه
تصريحات هامسة بعد أن نسي الميكروفون مفتوحا، وتعرض لهجوم إسرائيلي على خلفية تصريحاته التي ربط فيها بين الصراع العربي الفلسطيني وتنظيم الدولة المعروف إعلاميا باسم "داعش". واضطر أوباما للتدخل لصد الهجوم عن وزيره الذي لا يعرف أيهما يختبئ خلف الآخر هل هو كيري أم أوباما.
ويرى المفكر الفرنسي تييري ميسان أن جون كيري، الذي يعتبر رجل أعمال قبل أن يكون دبلوماسيا، لا يملك أي سياسة محددة سلفا، بل تكتيكا.
وكما جرت العادة، فليس من شأن واشنطن أن تفضل حلا على آخر، بل وضع كل الحلول على الطاولة ومن ثم ترجيح نتيجة تبدو ملائمة لها، مع متابعة باقي الحلول، على قاعدة "فيما لو ...".
فمثلا لتعذر التفاوض بين واشنطن وموسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، لذا فهي مجبرة على التفاوض مع إيران، الحليف العسكري الآخر لسورية.
وإذا لم يكن هناك إلحاح بالنسبة للولايات المتحدة لحل المسألة السورية، فإن هناك على العكس من ذلك ضرورة بالنسبة لها لضمان استمرار حياة المستوطنة اليهودية في فلسطين.
وإذا كان العراق غير قادر على خلع أشواكه بنفسه فإن الحل هو قصف "داعش" في سوريا ومد الأكراد بالأسلحة وهو على حدود حليف واشنطن، تركيا.
وهكذا تواصل اللعبة التدحرج حتى تصل إلى حالة من الفوضى تنسحب بعدها طواقم كيري من الساحة تاركة حلفاءها العرب ينظفون ما خلفته من شظايا وركام.
مآزق التحالف في سوريا والعراق أن لا نصر يمكن تحقيقه إلا بوضع الجنود في مواجهة مباشرة مع "العدو"، لكن جنود من؟! لا أحد يريد دفع ثمن باهظ من أجل إدارة سياسية مرتبكة لا تملك حلا سحريا وتلعب على الوقت، وكيري هو أفضل من يتقن هذه اللعبة المملة السوداوية.