أطلقت هيئة الحقيقة والكرامة المكلّفة برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في
تونس زمن حكم الرئيس الراحل بورقيبة وخلفه المخلوع بن علي وتحديد مرتكبيها وإحالتهم إلى العدالة وتعويض الضحايا، خلال الساعات الأخيرة صيحة فزع بسبب ما اعتبرته محاولات للانقلاب على مسار
العدالة الانتقالية.
وانطلق أعضاء الهيئة، التي حُدّدت مهمتها بأربع سنوات قابلة للتمديد سنة واحدة، في إجراء اتصالات مُكثّفة بمختلف مكوّنات المجتمع المدني للتعبير عن قلقها من الدعوات الصريحة، من قبل عدد من الأحزاب المحسوبة على منظومة بن علي السابقة، للانقلاب على مسار العدالة الانتقالية والتهديد بحلّ هيئة الحقيقة والكرامة.
الحنين إلى الدولة الدكتاتورية
عضو الهيئة المحامي خالد الكريشي أوضح في تصريح لـ"عربي 21" أنّ المجلس الوطني التأسيسي صادق في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2013 على قانون شامل للعدالة الانتقالية والذي كان تتويجا لمشاورات وطنية واسعة. وقد نص هذا القانون على إحداث هيئة الحقيقة والكرامة، إضافة إلى آليات أخرى للعدالة الانتقالية.
وأضاف قائلا: "مسار العدالة الانتقالية محمي بالدستور من خلال الفصل 148، الفقرة التاسعة والذي يُلزم الدولة أيضا بحمايته فلا يجابه هذا القانون بالقضاء في ما يتعلّق بسقوط الجريمة بانقضاء الزمن أو بوجود عفو عام سابق. وقد انطلقنا في عملنا في إطار مهام هيئة الحقيقة والكرامة لتركيز الهياكل وفتح مكاتب في كل المحافظات والاتصال بمكوّنات المجتمع المدني، إلاّ أنّنا فوجئنا هذه الأيّام بان أغلب الأحزاب، الكبيرة منها والصغيرة، لم تلتزم في برامجها بهذا المسار كما لم تدع إلى الحفاظ عليه".
ونوه إلى أنّ الهيئة لاحظت "أنّ أحزابا محسوبة على
نظام بن علي السابق دعت في تصريحاتها وبياناتها وحواراتها الأخيرة صراحة إلى الانقلاب على العدالة الانتقالية، التي كفل القانون للدولة ضمان مسارها. كما هدّدوا بحلّ الهيئة وهذا يعتبر انقلابا على الدستور ومبادئ الثورة والحرية والكرامة".
وفاء لدماء الشهداء ومبادى الثورة
ولفت الكريشي إلى أنّه كان يفترض بهذه الأحزاب ان تفرح بالعدالة الانتقالية "لأنه كان يمكن أن تكون مكانها عدالة انتقامية، لكنها أساءت فهمها (العدالة الانتقالية) لذلك أنصحها بقراءة فصول القانون المتعلّق بها، وبأن تتقيّد بأسلوب العمل الديمقراطي والابتعاد عن الحنين إلى الدولة الدكتاتورية فنحن اليوم في دولة المؤسسات"، على حدّ تعبيره.
ودعا الكريشي جميع المترشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية إلى إعلان دعمهم المباشر لهيئة الحقيقة والكرامة. كما طالب جميع الأحزاب أن تلتزم بهذا المكسب تطبيقا لأحكام الدستور ووفاء لدماء الشهداء ومبادى الثورة.
وكان المركز الدولي للعدالة الانتقالية رحّب بمصادقة المجلس التأسيسي على هيئة الحقيقة والكرامة في 19 أياار/ مايو الماضي، والتي تضم 15 عضوا من نشطاء حقوق الإنسان، معتبرا ذلك خطوة مهمة للكشف عن الحقيقة في ما يتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت منذ حكم بورقيبة ثمّ بن علي وإلى تاريخ صدور قانون العدالة الانتقالية.
وكان القيادي في الحزب الجمهوري والعضو السابق بلجنة فرز ترشحات هيئة الحقيقة والكرامة رابح الخرايفي عبّر في تصريح إعلامي عن وجود مخاطر من عودة المسؤولين السابقين للمشهد السياسي على مصير العدالة الانتقالية رغم "ثقته في تركيبة الهيئة وقدرتها على تفكيك منظومة الاستبداد السابقة وفضح الانتهاكات الماضية بوقفة أعضاء الهيئة ومساندة المجتمع المدني ومحاسبة الجلادين".
وتعتبر تونس واحدة من بين أكثر من 40 بلدا أقامت لجانا لكشف الحقيقة بسبب إساءات كبيرة مسّت حقوق الإنسان.