العيد في غزة فرصة للتكافل والتحاب

هربت كثير من العائلات الفلسطينية من ويلات القصف الاسرائيلي على مختلف المدن الفلسطينية، وكان أشده الذي أصاب المنطقة الشرقية من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، ولجأت تلك العائلات محتضنة ما تبقى من أبنائها لوسط المحافظة، فكانت صور التكافل والتحاب في أبهى حلة، والتي لم تنقطع عن المجتمع الفلسطيني.

بكل طيب نفس

عيد الأضحى هو فرصة للتضحية والبذل والعطاء كما يحدثنا محمد أبو طه 47 عاما، من سكان حي الشيخ ناصر وسط خان يونس، والذي نشط خلال الحرب الأخيرة مع اخرين في إيواء المنكوبين ممن هدمت بيوتهم، ونالت منهم آلة الحرب الاسرائيلية.

رغم عدم تلقي أبو طه راتبه منذ أشهر، إلا أنه يحرص بشكل كبير على تلبية النداء بشراء أضحية العيد، ويقول : " أنا بحاجة كبيرة لما معي من مال، إلا أنني أخرجته بكل طيب نفس"،  ليساهم في التخفيف عن الفقراء والمحتاجين واليتامى " فلا طعم للعيد دون التضحية.. نحن نطبق سنة نبينا، ونشعر أنها واجبة ".

وعلم "عربي21"، أن أبو طه يتزوج من اثنتين، ذهبت إحداهما لبيت أهلها لتترك المكان لعائلة هجرت قصرا من بيتها بفعل العدوان الاسرائيلي.

شعور لا يوصف

وبين في حديثه لـ "عربي21"،  أنه يقوم "بتقسيم الأضحية الى ثلاثة اقسام امتثالا لتعاليم الاسلام"، يدخر ثلث لبيته وينفق الباقي على أرحامه وفقراء مدينته كي "أدخل فرحة العيد عليهم".

وكان يأمل أبو طه الذي يعيل 10 أفراد، ويعمل موظفا في القسم الفني بوزارة التربية والتعليم بغزة، أن ينفق كل أضحيته لأنه "بقدر ما يخرج الإنسان بقدر ما يشعر أنه قدم .. الشعور لا يوصف"، داعيا ربه "أن يتقبلها ".

ويحدثنا بعد احمرار وجه خجلا، وبناء على طلبنا عن موقف طريف حصل معه اثناء تقسيم الأضحية، جاءت له احدى زوجاته تساله بعدما انتهى من توزيع الثلثين، هل أخرجت لبناتك؟ – له اثنتين من البنات المتزوجات- فيقول لها مبتسما "لقد نسيتهم"، لكنه استدرك الأمر واخرج لهم من الثلث الخاص ببيته.
وطالب الامة العربية والإسلامية "بضرورة العمل على انهاء الحاصر الاسرائيلي عن قطاع غزة"، والذي يدخل عامه الثامن. 

عمل يوم ترفيهي 

الاستاذ مازن النجار والذي يسكن مدينة بني سهيلا الواقعة بالمنطقة الشرقية من خان يونس وكان شاهدا على حجم الدمار الذي لحق بها، يرى أن " الاطمئنان على العائلات المنكوبة، ومؤازرتهم وتفقد أحوالهم ولو بالشيء اليسير "، يخفف بشكل كبير من ألم تلك العوائل، موضحا ان هناك مبادرة " لجمع اطفال العائلات وعمل يوم ترفيهي لهم ".

من جانبه يرى الشاب محمد مهدي الناشط الاجتماعي ان التكافل والتحاب " يتحقق من خلال الزيارات التي يقوم بها أهل القطاع لذويهم، وتوزيع الأضاحي للفقراء ومن هدمت بيوتهم"، مضيفا أن " زيارة أهالي الشهداء الجرحى والمرضي والجلوس معهم والتخفيف عنهم وتقديم الدعم النفسي لهم " يحقق ذات الهدف.

"هناك عقيدة تدعو المجتمع المسلم الى التكافل، نجدهم في أوقات الازمات يهبون لمساعدة بعضهم البعض"، بتلك الكلمات استهل حديثه لـ "عربي21"، أستاذ علم النفس د. درداح الشاعر والذي أوضح أن للتكافل أشكال مختلفة منها "المادي والمعنوي والاجتماعي والنفسي".

أبهى صور التكافل 

ودعا الشاعر إلى استثمار العيد " لزيارة تلك العائلات المنكوبة للتخفيف من معاناتهم، وتقديم العون لهم "، مطالبا بتكاتف جهود الجميع والذي كان " واضحا في الحرب الاخيرة"، من أجل " توفير الخدمات اللازمة لمن هدمت بيوتهم، وهذا من العوامل التي تتجلى فيها أبهى صور التكافل الاجتماعي".
  
وأضاف: " ايام العيد هي أفضل الأيام التي يمكن أن يظهر الإنسان فيها كرمه تجاه ابناء شعبه وحبة ومؤازرته لهم"، مؤكدا انه من باب "التضحية يقف بعضنا الى جنب بعض، ويساند بعضنا بعضا".

ويبقى أبو طه وغيره نموذجا مصغرا لمجتمع يغلب عليه التلاحم والتكافل خاصة عندما تنزل به الأزمات والمحن.