نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا تقول فيه إن
العراق عاش لآلاف السنين كأكثر بلاد الشرق الأوسط تلونا دينيا وإثنيا، ومدنه مليئة بآثار البابليين القديمة ومساجد الإمبراطوريات الإسلامية المختلفة وقلاع الغزاة الأجانب وكنائس ومعابد المسيحيين واليهود الأوائل، ولكن يبدو أن هذا
التاريخ شارف على النهاية.
وجاء قي التقرير، الذي أعده ابيغيل هوسلهنير، أن التغيرات الديمغرافية في العراق حصلت من وقت لآخر، ولأسباب مختلفة، بما في ذلك العنف والسياسة، و"لكن صعود تنظيم الدولة قد يكون الأسوأ منذ قرون في تاريخ العراق".
ويرى هوسلهنير أن ما قامت به هذه المجموعة السنية المتطرفة "
داعش"، جعل منظمات حقوق الإنسان تصف أعمالها بالتطهير العرقي، مما جعل الخبراء يقولون بأن أثر ذلك سيتجاوز سلب المدن العراقية خاصية التنوع الثقافي، فقد يؤسس لصراع دائم، إذا تم فصل وعزل المجموعات الدينية والإثنية.
وتضيف الصحيفة أن المثقفين يخشون من أن أجيال السنة والشيعة القادمة لن تتعرف على بعضها، ويُهدم بذلك مفهوم الانتماء للعراق، فيقول الروائي العراقي المعروف أحمد السعداوي: "ستتغير الهوية وسيتم تشويهها ولن تكون مكتملة".
وتشير"واشنطن بوست" إلى قيام السعداوي، مؤخرا، باصطحاب صحافي في وسط بغداد في منطقة البتاوين، ليريه ماذا يعني فقدان التنوع في البلاد، ويسكن هذه المنطقة الآن فقراء السنة والشيعة، ولكنها كانت منطقة يقطنها اليهود في القرن الماضي، وقال السعداوي: "هذا هو شكل البيوت اليهودية القديمة".
ويفيد التقرير بأن معظم اليهود قد غادروا العراق بعد قيام إسرائيل عام 1948، ومعظم العراقيين اليوم نساء ورجالا لم يقابلوا يهوديا، ويربطون بين اليهود وإسرائيل "التي يتم تعليم العرب كراهيتها".
وتذكر الصحيفة أنه وبعد صعود "داعش"، هربت الأقليات الدينية كالمسيحيين واليزيديين، وقامت باللجوء إلى المناطق الكردية، وبعضهم يقول إنه يأمل في الخروج من البلاد نهائيا وعدم العودة.
وتنقل الصحيفة عن الكاتب العراقي حامد المالكي قوله إن الناس الذين بقوا في المناطق التي سيطرت عليها "داعش" سيكونون من "لون واحد" ويعني من السنة.
ويضيف المالكي للصحيفة، أن المجتمعات الشيعية أيضا ستكون متجانسة، وتصبح أكثر تطرفا بعد أن تستوعب الشيعة الذين فروا من مناطق أخرى، وقال: "ما أخشاه هو قيام جدار عنصري"، وهناك جدران قائمة في بغداد، فقد فر آلاف السنة من مناطق الأغلبية الشيعية، وفر آلاف الشيعة من مناطق الأغلبية السنية بين عامي 2006- 2007، بعد الغزو الأميركي للعراق.
ويلفت التقرير إلى أن القوات الأميركية وبعدها الحكومة العراقية، قد أقامت الجدران الخرسانية العالية؛ لحماية بعض المناطق، وغالبا ما يكون سكان تلك المناطق ممن يدعمون الميليشيات
الطائفية.
ويوضح هوسلهنير أنه وفي الأشهر الثلاثة الماضية امتدت عملية "البلقنة" هذه إلى خارج بغداد، فمنذ أن استولت "داعش" على الموصل، لم يبق فيها شيعة ولا مسيحيون ولا يزيديون. يقول بشار حمزة، وهو عامل مطعم شيعي فرّ من الموصل مع عائلته المكونة من خمسة أفراد: "بقي السنة وغادر الشيعة".
وقام متطرفو "داعش" في أواخر تموز/ يوليو بتفجير عدد من المزارات والأضرحة في الموصل، بما في ذلك ما يعتقد بأنه قبر النبي يونس، الذي يعتقد المسلمون والمسيحيون واليهود بأن الحوت ابتلعه، بحسب الصحيفة.
وفي الغرب هرب اليزيديون من جبال سنجار، حيث حافظوا على عقائدهم لقرون، وكثير منهم يفكر في مغادرة العراق.
كما أن الشيعة غادروا تل عفر، في شمال غربي العراق، والتي يوجد فيها قلعة، قامت "داعش" باحتلالها عندما استولت على تل عفر في حزيران/ يونيو، ومعظم سكان تل عفر من التركمان وكثير منهم شيعة.
ويورد التقرير قول الموظف الحكومي أحمد إبراهيم، والذي فرّ من تل عفر هو وعائلته في حزيران/ يونيو، "كانت منطقتا الخضارة والجزيرة منطقتين شيعيتين، ولكن الآن كل الناس وكل الدكاكين وكل الحياة انتهت".
وما يزال ابراهيم على اتصال بجيرانه السنة؛ ليطمئن على بيته فيخبرونه أن بيوت الشيعة نهبت وحرقت، وأن مزاراتهم يتم تدميرها. أما عن المنطقة التي كان يعيش فيها، فيقول ابراهيم إنهم يخبرونه بأنها تحولت إلى مدينة أشباح. وفي الوقت نفسه يطرد السنة من مناطق أخرى، وفق التقرير.
وتشير الصحيفة إلى أنه في المقابل فقرية العامرلي، وهي قرية زراعية ذات أغلبية شيعية في شمال العراق، لم يبق فيها سني. كما أن العرب غادروا مخمور ومدنا أخرى في مناطق الأغلبية الكردية، وخرجوا في معارك بين المقاتلين الأكراد و"داعش"، ويخشى الأكراد من تعاون العرب مع "داعش".
ويختم التقرير بقول مايكل نايتز، المتخصص بالشؤون العراقية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "من الصعب التقدم، فتدمير الثقة سيبقى له أثر طويل"، فحتى بعد انتهاء
الصراع الحالي لن يرغب الكثير ممن فرّوا في العودة.