"كنت مقيد الأيدي ومعصوب العينين عندما وضعوني بداية في غرفة صغيرة مظلمة لا تتجاوز المترين، بقيت فيها مدة 5 اشهر كاملة"، هذا ما تذكره الشاب عمر أحمد الذي يقطن في حي الأعظمية بالعاصمة بغداد من عملية اعتقاله لدى أجهزة الأمن
العراقية نتيجة وشاية من مخبر سري على الرغم من مرور 5 سنوات على الحادثة.
يروي عمر البالغ 30 عاما لـ"عربي 21": "في ليلة شتوية باردة قبل خمس سنوات داهمت قوة عسكرية كبيرة تابعة لجهاز مكافحة
الإرهاب منزلي بهدف اعتقالي بعد ما عاثت بمحتوياته تكسيرا وخرابا، ليأخذوني بعدها وأنا مقيد الأيدي ومعصوب العينين".
وتابع: "بدأت بعدها رحلة التحقيق معي، حيث وجهوا لي تهم جاهزة غير منطقية كتهمة الإرهاب، وتعرضت حينها لشتى أنواع التعذيب من الصعق بالكهرباء إلى الضرب المبرح".
ويروي عمر تفاصيل ما جرى له من تعذيب بدقة وكأن ذلك حدث قبل ساعة على الرغم من مرور خمس سنوات على الاعتقال: "لم يثبت
القضاء العراقي أي دليل يدينني بحسب المادة الرابعة التي تتعلق بالإرهاب، وقدموا أوراقي للقاضي الذي استدعاني وهنا كانت الطامة الكبرى، فالمخبر السري كان قد قدم معلومات كاذبة، فقد تبين لاحقا أني لست الشخص المطلوب وأنني بريء"، يضيف عمر.
ويستعيد عمر صوت القاضي عندما قال له "خمس سنوات عجاف قضيتها داخل السجن" كانت ظلما وافتراء بسبب شخص مجهول بالنسبة لي ومعلوم لدى الأجهزة الأمنية، كان يريد ربما تصفية حساب شخصي، وما عساني أن أفعل شيء سوى القول حسبي الله ونعم الوكيل".
لم يكن عمر أحمد وحده الذي واجه ظلم المخبر السري، فالكثير من المعتقلين الذين طالهم أذاه ولم تحسم قضاياهم حتى الساعة، إذ يقيمون في سجون ملت فيها الجدران وجوهم دون
محاكمة حتى، تاركين ورائهم أطفال وأمهات وزوجات ينتظرن الفرج.
ومن هؤلاء الزوجات إيناس 31 عاما، التي تسكن حي العامرية غرب بغداد مع بيت أهل زوجها منتظرة الإفراج عنه بفارغ من الصبر وأن يعود إليها سالما: "قبل 4 سنوات خرج زوجي علي محمد الحاصل على شهادة الهندسة في الكهرباء، لشراء بعض الحاجيات من السوق القريب ومن ثم اختفى أثره ولم يعد".
وتتابع: "بحثنا عنه دون أن نعلم سره اختفاءه هل خطف أم قتل أم هجرني بلا عودة؟"، وتضيف باكية: "في السنة الأولى لم أترك مستشفى ولا مركز شرطة ولا معتقل في بغداد ولا منظمة من منظمات حقوق الإنسان إلا وذهبت باحثة عن اسم زوجي فيها لعلي أجده من بين المفقودين أو المعتقلين لكن بلا جدوى.
وتضيف "قبل عدة أيام وصلتني رسالة من أحد زملائه المعتقلين المفرج عنه، يؤكد لي بأن زوجي مازال على قيد الحياة وموجود في أحد سجون الأمن العراقية يطلق عليه سجن الناصرية جنوب العراق، وهذا السجن يضم بداخله آلاف من الرجال العراقيين المعتقلين الأبرياء نتيجة وشاية المخبر السري والدعاوى الكيدية".
تقول إيناس: "على الفور ذهبنا للتأكد من صحة الرسالة وفعلا تبين أن زوجي مسجون وفق المادة الرابعة بتهمة الإرهاب لذا سارعت إلى تعيين أكثر من محامي للدفاع عنه الذين أبلغوني أن سبب اعتقال زوجي هو وشاية من مخبر سري".
وتصف إيناس مشاعرها بأنها "حزنت وفرحت لوصولها إلى هذه النتيجة بعد تعب ومعاناة وبحث مستمر لكنها تنتظر تحويل أوراقه إلى القضاء منذ 4 سنوات في انتظار الإفراج عنه والفرج".
بدوره، يذكر والد أحد المعتقلين الذي رفض الكشف عن اسمه، أن ابنه اعتقل قبل عامين من قضاء اللطيفية جنوب بغداد وسبب الاعتقال وشاية من أحد المخبرين السريين أيضا، ويقول: "دفعنا ملايين الدنانير لمحامين جشعين همهم الأول والأخير قبض الأموال"، مبينا أن "أحد المحامين أخبره أن هذه الأموال التي تدفعونها لنا تذهب رشاوى إلى بعض الأشخاص المسؤولين عن هذه المعتقلات".
كما تروي عائلة المعتقل حسن الراوي معاناتها التي تعيشها للإفراج عن ابنها المعتقل منذ أكثر من سنة في سجن التاجي شمال بغداد، إذ يقول شقيق حسن الأصغر: "نضطر إلى استئجار سيارة كل أسبوعين للذهاب إلى السجن لزيارة أخي التي تكفلنا أكثر مئة ألف دينار عراقي أي ما يعادل 100 دولارا أمريكي".
ويبين: "سبب اعتقال أخي كان أخبار كاذبة من أحد المخبرين السريين قدمها للأجهزة الأمنية، والتهمة هي قتل أحد الأشخاص الذي اختفى وبعد أيام من اعتقال حسن ظهر الشخص المقتول مجددا حيا وتبين أن الأخبار كيدية والدافع الأساسي وراءه هو الحقد الطائفي والتجارة بالمعتقلين الأبرياء مثال حسن".
يقول شقيق حسن: "مرت أكثر من سنة على اعتقال أخي ولم يصدر حكم قضائي بحقه على الرغم من توكيل محامي ودفع أموال طائلة، لكن عائلتي التي أصبحت اليوم في عوز شديد فهو المعيل الوحيد لنا، وإذا لم يفرج عنه القضاء قريبا فحن مضطرون إلى بيع منزلنا من أجل إطلاق سراحه".
وأدان القضاء العراقي قبل عام أكثر من 85 مخبرا سريا بتهمة الإخبار الكاذب بأحكام وصلت إلى السجن بعشر سنوات، فما فعله المخبرين السريين في العراق على مدى سنوات زاد من الاحتقان الطائفي بين العراقيين.
وتغص السجون العراقية بآلاف المعتقلين العراقيين من الشباب الأبرياء وذلك نتيجة التهم الكاذبة للمخبر السري الذي تكون دائما دوافعه إما شخصية أو
طائفية أو سياسية، فقد أصبحت وشاية المخبر السري جزءا من أزمة المتجمع العراقي ومهنة من لا مهنة له، فالأمر لا يكفله سوى قصاصة ورق صغيرة إلى أي جهاز أمني لإجبار ذويهم على دفع مئات الدولارات للمحامين والأشخاص الذين يتسترون خلف المخبر.