تحدث المفكر والداعية الإسلامية الراحل الدكتور فتحي يكن في أحد كتبه المهمة عن الأمراض التي تصيب الحركات والأحزاب الإسلامية وأسماه ( الإيدز الحركي) وعدّد يكن في هذا الكتاب الكثير من الأمراض والمساويء التي تصيب
الحركات الاسلامية في هذا العصر، وقد كشفت التطورات والاحداث التي حصلت خلال السنوات الثلاثة الاخيرة الكثير من الامراض والمساويء التي تصيب هذه الحركات في ظل ازدياد التحديات المختلفة ونزول معظم هذه الحركات من السماء الى الارض ودخولها في معترك العمل السياسي والجهادي والاجتماعي المباشر.
ومن ابرز الامراض التي تواجهها هذه الحركات والمؤسسات والهيئات والاحزاب الاسلامية مرض الشخصانية ويتلخص بتمحور الحزب او الحركة حول شخص محدد وتحوله الى رمز اساسي لا يمكن تجاوز افكاره او طروحاته ولا يمكن استبداله بشخصية اخرى لقيادة الحركة او الحزب او الهيئة سواء بالانتخاب او الاختيار ويصوّر لاتباع الحزب او الحركة او للعاملين في المؤسسة انه لا يمكن استبدال هذا القيادي بشخصية اخرى لانه لا يستمر العمل بدونه او بدون اشرافه المباشر على العمل، ورغم ان بعض الاحزاب او الهيئات الاسلامية حاولت تطبيق نظرية الشورى او الديمقراطية او تداول السلطة فانها لم تخرج من مشكلة الشخصانية لان عملها بقي يتمحور حول افكار هذه الشخصيات سواءا كانت في موقع المؤسس او القيادة او الامانة العامة واحيانا كثيرة يتحول القيادي الى ما يشبه "القديس" او "البطل الوحيد" الذي لا يوجد من يدانيه وكل ذلك يخالف مباديء الاسلام واسسه منذ وفاة الرسول محمد(ص) وحتى اليوم . وطبعا لن ادخل في عرض بعض النماذج او الادلة على هذا المرض الذي يصيب معظم او كل الحركات والاحزاب والهيئات الاسلامية.
والمرض الثاني الذي يصيب هذه الحركات والاحزاب والهيئات الاسلامية غياب المحاسبة او المراقبة الداخلية او العلنية واختراع العديد من الانظمة والاسس التي تمنع حصول المراقبة والمحاسبة الا بحدود ضيقة وضمن اطر داخلية، اما على الصعيد الفكري والثقافي ،فقد شهدنا بعض المراجعات والانتقادات داخل الحركات والهيئات الاسلامية ولكنها كانت تتم اما بعد حصول تطورات ضخمة او بعد سقوط الالاف من الضحايا وبروز الاخطار الكبرى وتكون المراجعة غير مفيدة واحيانا تحصل بعد حصول الانقسامات والخلافات داخل الحزب او الحركة او الهيئة.
وبسبب هذين المرضين تتعرّض الحركات والهيئات والاحزب الاسلامية لخسائر كبرى ولا تقتصر الخسارة على الحركة او الحزب واعضائهم وكوادرهم بل تشمل كل الوطن او الامة او المجتمع.
كما حصلت بعض المراجعات والانتقادات داخل الحركات الاسلامية او من خارجها وقام العديد من المفكرين والقياديين والناشطين بنشر افكار واقتراحات للمحاسبة او النقد لكن لا ادري مدى استفادة هذه الحركات والاحزاب والهيئات من اخطاء الماضي، لان المراقب لادائها يلحظ ان معظمها يعود ويقع في الاخطاء نفسها كل عدة سنوات وتتحمل الامة والمجتمع النتائج السلبية بدون المحاسبة الصحيحة بعكس ما يجري في بعض الدول وخصوصا في الغرب حيث يتحمل المسؤولون مسؤولية ما يقومون به من اعمال ويتقدمون للمحاسبة اما عبر الانتخابات الحزبية او العامة او عبر نشر التحقيقات عنهم او حتى عبر المحاكمة القانونية.
واليوم وفي ظل التحديات التي تواجهها الاحزاب والحركات الهيئات الاسلامية نحن بحاجة للخروج من الشخصانية وتعزيز روح المحاسبة والنقد والمراجعة وبدون ذلك سنقع في المزيد من الخسائر والاضرار العامة والخاصة.
وهذا الكلام برسم جميع العاملين والناشطين في الساحة الاسلامية وبدون اي استثناء وعلى امل ان يلقى الاهتمام والتجاوب ونشهد مراجعات حقيقية لكل التجارب الاسلامية ومن داخلها اولا.