التطورات المتسارعة من
الموصل (شمال العراق) إلى مدينة
عرسال (شرقي لبنان) إلى
بنغازي وطرابلس(ليبيا) تكشف لنا خطورة ما تتعرض له المنطقة العربية والإسلامية من تحديات خطيرة وكبيرة، وبموازة ذلك نتابع ما جرى ويجري في قطاع غزة وفي فلسطين من مواجهات بين المقاومة والعدو الصهيوني حيث برز الموقف الإسلامي والوطني الموحد وسرعة التفاعل بين مختلف أطراف الحركات الإسلامية، أما الموقف الإسلامي من بقية التطورات السياسية والميدانية فيبدو شبه غائب أو غير واضح ، بالإضافة إلى الاختلافات في الرؤية بين القوى والحركات الإسلامية في هذه الدول.
فنحن اليوم أمام زلزال كبير في كل المنطقة ولم تعد الدول والكيانات السياسية القائمة قادرة على مواجهة التحديات المستجدة ولم تعد الحدود المرسومة منذ اتفاقية سايكس – بيكو صامدة أمام المتغيرات القائمة والتي تقودها تيارات إسلامية متشددة والتي لا تتوافق مع المشاريع الإسلامية الحركية الموجودة منذ أكثر من ثمانين عاما كالإخوان المسلمين وحزب التحرير وفدائيان إسلام وحزب الدعوة الإسلامية وغيرهم.
والأحداث التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية اليوم تشبه إلى حد بعيد ( وإن كان في سياقات مختلفة) التطورات التي حصلت قبل وبعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، لكن في تلك المرحلة شهدنا العديد من الدعوات الإصلاحية والاتجاهات الإسلامية التوحيدية بهدف مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، كما برزت شخصيات إصلاحية وحركية مهمة تولت الدعوة لإصلاح واقع الأمة أو البحث عن خيارات جديدة للمواجهة كالشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني والإمام حسن البنا والشيخ عبد القادر الجزائري وعمر المختار وأبن باديس والشيخ أبن عاشور والشيخ رشيد رضا والإمام السيد عبد الحسين شرف الدين والإمام محسن الأمين ولاحقا نواب صفوي والإمام الخميني والدكتور علي شريعتي والسيد محمد باقر الصدر والإمام أبو الحسن الندوي وأبو الأعلى المودودي والشيخ تقي الدين النبهاني وسيد قطب ومصطفى السباعي وصولا للدكتور فتحي يكن والشخ محمد الغزالي والإمام محسن الحكيم ومالك بن نبي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ فيصل المولوي وغيرهم الكثير الكثير من الشخصيات والعلماء والمفكرين.
إذن كنا أمام محاولات عديدة للمواجهة ورغم الاختلاف بالآراء والمواقف أحيانا بين الحركات والأحزاب الإسلامية أو بين الشخصيات الإسلامية من علماء ومفكرين، فإننا كنا نلحظ أن هناك صوتا إسلاميا شبه موحد وإننا أمام رؤى إسلامية واضحة تتجاوز الانقسامات المذهبية والقطرية والكيانات السياسية والقومية،ومع أن ظروف التواصل واللقاء بين هذه الشخصيات كانت صعبة وليست ميسرة كما هو الحال اليوم ، فقد كنا نلاحظ أن الموقف الإسلامي موحد من التطورات الأساسية والتحديات الداخلية والخارجية وكانت الشعوب العربية والإسلامية تتجاوب مع دعوات العلماء والمفكرين للتحرك وكانت المرجعيات الدينية تتجاوز الحساسيات المذهبية والقومية وتتخذ مواقف موحدة ضد التدخلات الخارجية ولدعم حراك الشعوب وتعقد المؤتمرات الإسلامية الموحدة، كما حصل في مؤتمر وادي الحجير في لبنان في عشرينات القرن الماضي حيث توحد علماء جبل عامل لدعم الثوار ضد الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان ولدعم حكم الأمير فيصل، وكما حصل من علماء العراق في النجف الأشرف الذين أطلقوا ثورة العشرين لدعم الدولة العثمانية ضد الاحتلال الإنكليزي وكما عقدت المؤتمرات في القدس ومكة والأستانة، وكما وقف معظم العلماء والحركات الإسلامية مع الثورة الإسلامية في إيران وثورة المجاهدين الأفغان.
أما اليوم فنحن لا نسمع عن وجود حركات إسلامية موحدة ولا عن شخصيات علمائية مميزة تطرح أفكارا جديدة لإصلاح الأمة ، بل تترك الساحة الإسلامية للمجموعات الإسلامية المتطرفة والتي تريد أن تعود بنا إلى عصر الجاهلية وليس إلى عصر الإسلام الحقيقي والذي حافظ على التنوع والتعددية في المنطقة ولم يهدم الكنائس والمعابد لأهل الكتاب من النصارى واليهود وحتى لغيرهم.
نحن إذن أمام تحديات كبرى تتطلب اجتهادات ومواقف إسلامية موحدة وشخصيات تكون قادرة على توحيد الأمة بدل تمزيقها وتشتتها، فهل هناك من يستجيب لهذه الدعوة أم أننا سنعود إلى عصور القبائل والطوائف والمذاهب والصراعات القومية والطائفية والتي شهدنا مثلها في عصر الصراعات بين الأمراء والخلفاء والمماليك والتي مهدت للاستعمار الغربي لبلادنا ، ولكن الاستعمار يأتي اليوم وهو مرحب به بل إن البعض يستجدي دول الغرب للمجيء لحمايتنا من التطرف والتشدد كما هو الحال في أكثر من بلد عربي وإسلامي وهذه هي المفارقة الكبرى.