تأكيدا
للخبر الحصري الذي نشرته صحيفة "عربي21" قبل أيام، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن الدور
المصري والإماراتي في الأزمة الليبية، وقيام الدولتين بالمشاركة في
غارات جوية سرية على طرابلس.
وكانت "عربي 21" قد نشرت
تقريرا حصريا يؤكد ضلوع الطائرات المصرية بقصف طرابلس الأسبوع الماضي، نقلا عن ضابط ليبي، طلب عدم الكشف عن هويته.
وفي نفس السياق، قالت "نيويورك تايمز"، إن مصر والإمارات تشاركتا معا خلال الأسبوع الماضي مرتين للقيام بغارات جوية ضد تحالف من الميليشيات التي تتنازع من أجل السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.
ونقلت الصحيفة هذه الأقوال عن أربعة مسؤولين أمريكيين بارزين، يعتبرون هذا التطور تصعيدا بين الداعمين والمعارضين للإسلام السياسي.
من جهتهم، قال مسؤولون أمريكيون إن ما قامت به كل من مصر والإمارات كان مفاجئا لهم، خاصة أن البلدين يعتبران حليفين عسكريين للولايات المتحدة، ولكنهما تصرفا بدون إعلام واشنطن أو طلب موافقة من الإدارة، ما تركها تراقب ما يجري دون تدخل.
وجاءت تصريحات المسؤولين الأمريكيين هذه، في وقت نفى فيه المسؤولون المصريون وبشدة أي مشاركة في قصف جوي للعاصمة الليبية طرابلس، وذلك في حديث مع الدبلوماسيين الأمريكيين.
وترى الصحيفة أن الغارات تعتبر مجازفة كبيرة في إطار الحرب التي اندلعت فيما بعد الربيع العربي بين قوى الإسلام السياسي والقوى المعارضة له، حيث شكلت كل من مصر والسعودية والإمارات العربية كتلة معارضة للتأثير على الدول المجاورة في المنطقة؛ لوقف تقدم ما تراه تهديد قوى الإسلام السياسي التي تضم "الإخوان المسلمين" المدعومة من الدول الصديقة لها، قطر وتركيا.
وتعتبر الصحيفة أن
ليبيا تمثل الساحة الأكثر سخونة التي برزت أخيرا في هذا الصراع.
وقال مسؤولون إن الدبلوماسيين الأمريكيين عبروا عن غضبهم من الغارات لاعتقادهم بأنها لن تؤدي إلا لتأجيج النزاع في ليبيا، في وقت تحاول فيه الأمم المتحدة والقوى الغربية التوصل لحل سلمي.
وقال مسؤول بارز: "لا نرى في هذا عملا بناء".
وبين مسؤول أن حكومة قطر زودت الإسلاميين داخل ليبيا بأسلحة، مما يظهر شكلا من الحرب بالوكالة، حيث تقوم دول المنطقة بتحقيق أجندتها عبر لاعبين محليين وأحيانا من خلال التدخل المباشر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجمات تركت أثرا سلبيا، فقد نجحت الجماعات الإسلامية بالسيطرة على مطار طرابلس بعد تعرضها لجولة ثانية من الغارات.
وأضاف المسؤولون الأمريكيون أن مصر وفرت قواعد لشن الغارات، حيث قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وغيره من المسؤولين المصريين بإصدار تصريحات شديدة ولكنها محسوبة، نفوا فيها أي تورط مباشر لهم في ليبيا.
ولفت المسؤولون إلى أن
الإمارات العربية التي يعتقد أن لديها أحسن القوات الجوية في المنطقة بسبب التدريب والدعم الأمريكي، قامت بتوفير الطيارين والمقاتلات الحربية وتزويد الطائرات بالوقود الضرروي كي تضرب طرابلس من خلال القواعد العسكرية المصرية.
من ناحيتها، لم تعلق الإمارات علنا على الغارات، بيد أن صحيفة حكومية إماراتية نشرت بيانا من أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أشار فيه إلى أن الحديث عن الدور الإماراتي ما هو إلا "هروب" من الحديث عن الانتخابات الأخيرة التي تعبر عن رغبة في الاستقرار ورفض المواطنين للإسلاميين، حسب قوله.
وقال قرقاش، إن الاتهامات الموجهة للإمارات جاءت من جماعة "تتلبس بعباءة الدين كي تحقق أهدافها السياسية" التي "اكتشف الناس كذبها وفشلها"، على حد زعمه.
ونوهت الصحيفة إلى أن أول غارة حدثت في الصباح قبل أسبوع، حيث ضربت مواقع تابعة للجماعات المؤيدة للإسلاميين، وفجرت مخازن صغيرة للأسلحة، ما أدى لمقتل ستة أشخاص.
أما السلسلة الثانية من الغارات، فضربت جنوب العاصمة يوم السبت واستهدفت منصات لإطلاق الصواريخ وعربات عسكرية ومخزنا تسيطر عليه الميليشيات الإسلامية.
وبحسب الصحيفة، فقد جاء هجوم السبت كمحاولة على ما يبدو لمنع سقوط المطار بيد فصائل إسلامية جاء معظمها من مدينة مصراتة مع قبائل مؤيدة للإسلاميين.
وكان المطار تحت سيطرة ميليشيات الزنتان المتحالفة ضد الإسلاميين، ولكن الفصائل الإسلامية استطاعت السيطرة عليه بعد شهر من الحصار.
وفي البداية لم تعرف الجهة التي قامت بالغارات، حيث قال عدد من المسؤولين الأمريكيين إن كل الإشارات تذهب في اتجاه الإمارات، لكنهم قالوا إنه لا أدلة قاطعة متوفرة.
وفي الوقت الذي حاولت فيه قوات معادية للإسلاميين تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر الإعلان عن مسؤوليتها، لكن تصريحاتها كانت متناقضة والعمليات تظل خارج قدراتها العسكرية.
وبحسب مسؤول سابق في نظام القذافي يقدم الاستشارة للإماراتيين، وتحدث بدون ذكر اسمه، فإن الغارات هي من عمل الولايات المتحدة، خاصة أن الدول الغربية حاولت منع التهديد الذي يمثله الإسلاميون.
لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا يوم الاثنين إن السلسلة الثانية من الغارات قدمت دليلا لهم توصلوا من خلاله إلى أن الإمارات هي المسؤولة عنها، حيث وفرت سفنا لتزويد المقاتلات بالوقود في حال اقتضت الضرورة.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن توافق كل من الإمارات ومصر على ضرب الإسلاميين في ليبيا ليس جديدا. ففي الأشهر القليلة الماضية قام فريق من القوات الخاصة عمل من داخل الحدود المصرية، ولكنه مكون من قوات إماراتية بتدمير معسكر للإسلاميين سرا في شرق ليبيا.
واعتبر المسؤولون الأمريكيون أن نجاح تلك الغارة ربما شجع مصر والإمارات وقادتهما للاعتقاد بنجاح الغارات بدون أن يتم التعرف عليهما.
من جهتها، نقلت "بي بي سي" عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن طائرات إماراتية خرجت من قواعد مصرية هي من قام بالهجوم على ليبيا.