بأقصى درجات الوضوح باتت الساحة العربية بأبعادها الفكرية والاجتماعية والسياسية في مساحة الأمة وميادينها، إذ لم يعد هناك مجال ليزعم أحد أنه غير قادر على الخروج من حيرته، أو تحديد وِجه الصواب فيما يجري، والذي ظل محّلَّ تجاذبات وافتراقات وضياع، لفّ مشرع نهضة العرب العامة مدى العقود الماضية!!
كل الأقنعة سقطت دفعة واحدة في الجولة المباركة الأخيرة، التي قادتها
المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها
حماس، وجسّدها الشعب الغزّي، الذي تشكلت ثقافته ومفردات خطابه، في ضوء هذه الخلفية الفكرية، المنبثقة من عقيدة الأمة، التي بثت روحها في الناس كوكبة من الدّعاة المجاهدين، والعلماء الربانيين، حيث تمّ ضبط البوصلة على هذا الاتجاه، وفق مسلّمات الإيمان والجهاد والثبات والتسليم!!
منطق العجزة والخونة والمتآمرين في تصريحاتهم، وتشخيصهم للواقع، يقوم على تعظم الخسائر ،والعزف على وتر الألم والدمار، والنفخ في كير التخذيل والتهوين من حجم الإنجاز، وتحميل المقاومة الشريفة المبهرة فاتورة المعركة!!!
هذا المنطق الخبيث يأتي في سياق الكذب والتضليل، ويتبنى رواية الصهاينة، وينوب عنهم في تعليل قتل هذا العدد من الأطفال والنساء والمدنيين، كي يلوي يد المقاومة، ويجبرها على الاستسلام تحت ضغط الدم والأشلاء، لإرادة المتصهينين قبل الصهاينة، في أول سابقة علنيّة تُظهر حِلفا إقليما، ينضوي فيه الجميع - عدا قطر وتونس وتركيا- تحت جناح إسرائيل، في مواجهة مشروع الأمة الناهض على أكتاف الإسلاميين، والذي يسمونه اليوم إسلاما سياسيا، والذي هو في حقيقتة جوهر الرسالة المحمدية، وعصبها، ومخ ساقها، لكن المتصهينين لا يخجلون!!
إنه منطق المرجفين، والعملاء وأجراء الغاصب علىى مدار التاريخ، الراتعين في حضن المستأجِر ، والذين يُزينون للناس مشاعر الخنوع، والذلة والمهانة والاستخذاء لإرادة غاصبهم، مقابل أكذوبة وخدعة يسمونها السّلامة، ورعاية مصالح الأمة، وحفظ أرواح الأبرياء، التي تُزهق بتواطؤهم ورضاهم، لكسر إرادة البسطاء، كي ينفَضُّوا عن المشروع المقاوم، في منطق يتلاقى تاريخيا مع منطق المنافقين السّلوليين، في كل جولات المواجهة النّبوية، مع اليهود ومشركي قريش!!
هذا الدّجل، وتلك الشعوذة التي يمارسها البعض لصرف الناس عن الحق، وتلبيسه عليهم، تأتي في سياق منهجية مخادعة مضلّلة، يلجأ إليها الدّجال في آخر الزمان، كما جاء في الخبر، فيقلبُ الحقائق، ويُزيّف الواقع، ويُهلك الناس من حيث يظنون أنه يُنجيهم، ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ. مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لَيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ...ألخ".
والدجال الذي نؤمن به كحقيقة من حقائق العقيدة الواقعة في آخر الزمان، فإننا نؤمن كذلك بأنه قد يكون حالة نفسية وفكرية، وواقعا اجتماعيا وسياسيا، يتلبّس به البعضُ، ويُروّجونه، لينحرفوا بالناس عن سواء السبيل، فما يصوّره الدجاجلة الصغار اليوم نارا ودمارا وجحيما، تتسبب به المقاومة، ويُشفقون على الأبرياء من آثاره، ويدعونهم ليتخلوا عنه إلى الأمن والسلامة التي يُزيّنونها في عقول الضحايا، ما هو إلا شكل من أشكل الإضلال والتحريف!!
والنص واضح في تحذير الناس من كذب هذه الفئة الخبيثة، لدرجة أنه يطلب منهم أن يغُمضوا عيونهم، ويطأطئوا رؤوسهم بتواضع، وينغمسوا في مشروع الأمة المقاوم، المحفوف بالتضحيات والبطولات والأشلاء مع المجاهدين، والذي يصوّره الدَّجاجلة اليوم على أنه نار تأجج ينبغي التخلي عنه، مع أن في الحقيقة ماء الحياة الكريمة، والعزة العزيزة، والتحرير المنشود، بينما النار والجحيم الحقيقي هو في ما يدعو إليه حلف الضرار، ومَجمَع المنافقين من الدجاجلة، وربائب الصهيونية، الممهدين الطريق لزمن الدجال الكبير، في موعد ستشهده البشرية يوما لا محالة!!
المبصرون للحق والمؤمنون به، يدركون هذا، ويعونه ويتهيّؤون له، ويختارونه بلا تردد، على سنّة أبيهم إبراهيم عليه السلام، ونبيّهم محمد صلى الله عليه وسلام، وإخوانهم المحصورين في شِعب أبي طالب، ومن قبلهم أصحاب الأخدود في زمن النمرود:
كان إبراهيم بيتَ الصنم***في لظى الحقِّ فراشا يرتمي
كُن كإبراهيم سُكر وهُياما***لتصير النار بردا وسلاما
اجعل الأصنام في الأرض هشيما***لا تغادر هيكلا منها قديما
الناس في
غزة كانوا جزءا من أمة عاشت 100عام، في بيت أصنام الساسة الدجاجلة المستأجَرين بالسُّخرة، لتأمين وجود إسرائيل، لكنهم أبصروا، وهم أتباع النبوات، وأحفاد الصالحين الخلصاء من الدعاة والمربين من أمثال: حسن البنا، وأحمد ياسين، ومحمد بديع، فأبطلوا سحر السحرة، وفضحوا المستور في ثياب الكهنة، وقرروا الخروج من بيت الأصنام، بل حملوا فؤوس تحطمها، وشرعوا في ذلك فعلا، فالتأمت الأصنام كلها، أصنام الحُكم وسدنتها ومرتزقتها، في وجوهمم في مشهد يخالط الخيال، لعلهم يعيدون الأمور إلى مربعها الأول، لكن هيهات هيهات، وآيات الكتاب في قلوبهم، وأبيات إقبال في أسماعهم:
(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء : 68-69 )
غزة وحماس والمقاومة أيقونة الزمن القادم، زمن العزة والكرامة، والفخر بالأسلام وانتصاره، وها هو وعي الأمة يعود لشعوبها ببركات الشرفاء، وجهادهم وتضحياتهم، وهاهي الجماهير المباركة في طوابير، تطأطئ روؤسها نزولا على الحق، وانصياعا له، وتغمض عيونها، وترتمي راضية في لهيب المقاومة والجهاد، الذي سيصير عنوان المرحلة، التي تكنس الدجاجلة وفقههم، إلى حيث موضعهم الطبيعي، بعد غفلة من الزمن جعلت مقاد الأمة في أيدهم، فأتوا لدينانا بكل هذه القذارة!!!