شبه العالم
المغربي الدكتور أحمد
الريسوني وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية بالعالم العربي، بالجماعة النيجيرية "بوكو حرام"، وذلك بسبب توسيعها لدائرة المحرمات وتكثيرها فوق ما حرم الله وقيده بنص.
وقال الريسوني في مقال جديد حصل "عربي 21" على نسخة منه، شارحا الفكرة: "إن بوكو حرام بهذا المعنى، هو ما تتبعه وزارات الأوقاف في معظم الدول العربية، ومنها المغرب، مع العلماء والخطباء والمرشدين الدينيين".
وأضاف نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في مقال له بعنوان "وزارة الأوقاف وسياسة بوكو حرام"، أن هذه الوزارات لها قوائم مفتوحة من المحظورات والممنوعات التي تحرِّم على العلماء والخطباء والوعاظ الرسميين التطرق إليها والتحدث فيها.
وزاد الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي، بالقول، "إن العلماء المنضوون في مؤسسات حكومية والمطوَّقون برواتب وعلاوات حكومية، أصبحوا ملزمين وملتزمين بالتحدث والتحرك في نطاق "دين الدولة"، وفق ما تحدده لهم وتجدده لهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية".
وواصل الريسوني حديثه باعتبار وزارات الأوقاف ذات محرمات خاصة، "والتي يتم تحيينها وتوسيعها حسب المناخ السياسي واحتياجاته. وهي محرمات ليست موجهة لعامة الناس، بل لخيرتهم وعلمائهم".
وذكر الفقيه المقاصيدي في هذا الصدد بكون الشريعة الإسلامية برمتها "إنما أتت بمحرمات محدودة ومعدودة، لا يجوز لأحد أن يضيف إليها ما ليس مضمَّنا فيها أو معدودا من جنسها. مستشهدا بقوله عز وجل: {قُلْ تَعَالَوا اتْلُ مَاحَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُواأَوْلَادَكُمْ مِنِ امْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]، وأشار أيضاً لقوله سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمُ إِلَيْه} [الأنعام: 119]
صاحب العديد من الإصدارات في علم مقاصد الشريعة، أكد بالمقال ذاته، أن "وزارة الأوقاف عندنا وعند عدد من أشقائنا، لها مذهبها السياسي والتشريعي، الذي يترجم السياسة العامة للدولة، وحدودَ استعمالها وطريقةَ استعمالها للدين وللمؤسسات الدينية المرسَّـمة".
وأردف شارحا أنه في نطاق هذه السياسة "تفرض الوزارة الوصية على علمائها وخطبائها ومؤسساتها مجموعة من الممنوعات والخطوط الحمراء، التي يتعين عليهم عدم الخوض فيها وعدمُ الاقتراب منها، تحت طائلة التوقيف والحرمان".
القيادي بحركة التوحيد والإصلاح المغربية ورئيسها السابق، شدد على أن هذه السياسة لن تؤدي في النهاية إلا إلى جعل العلماء والخطباء مجرد "قيمين دينيين": بعضهم مكلفون بفتح المساجد وإغلاقها حسب الأوقات المحددة، وبعضهم مكلفون بفتح أفواههم وإغلاقها حسب الحالات المحددة. كما أنها سياسة يتابع الشيخ الريسوني تؤدي - بقصد أو بدون قصد - إلى منع ظهور العلماء والمفكرين والمصلحين والمجتهدين تحت المظلة الرسمية، معتبرا ذلك خسارة عظمى للمجتمع والدولة معا.
الريسوني الذي يعد أستاذا زائرا بجامعة للدراسات الإسلامية بقطر، عدد محظورات وزارة الأوقاف العربية ومنها المغربية والتي يمنع خطباؤها من الحديث فيها في 17 محظورا وتتعلق بالفساد المالي والإداري الذي ينخر كافة مؤسسات الدولة، وبالاستبداد السياسي وتزييفِ إرادة الشعوب أو دوسِها علانية، وبانتهاك حقوق الإنسان وكرامتِه، على أيدي الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والسجنية، وباستشراء الرشوة والمحسوبية والاستغلال اللاشرعي للمال العام والملك العمومي.
كما يتم منع الخطباء وفق رأي الريسوني من تقديم النصح - ولِـمَ لا النقد - للمسؤولين وولاة الأمور بمختلف درجاتهم وتخصصاتهم، ومن الرد على الطاعنين في الإسلام ونبيه وشريعته، وعلى المنادين بحرية الشذوذ والزنى والدعارة، وغيرها من الفواحش.
محظورات وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية بالعالم العربي على الأئمة كما عددها الريسوني،ومنها المنكرات المعربِدة في الشوارع والشواطئ والفنادق والساحات العمومية، وبيانُ أحكام الشرع فيها، أو نقد القوانين والسياسات المخالفة للشرع عموما، أو حكم تنظيم الانتخابات والاستفتاءات في وقت صلاة الجمعة، وهو ما يحرم مئات الآلاف من أداء فريضة الجمعة، أو تبذير القناطير المقنطرة من أموال الدولة في احتفالات وولائم عبثية على مدار السنة.
الخطباء الحكوميون وفقا للريسوني مدير مركز المقاصد للبحوث والدراسات بالمغرب، ممنوعون كذلك من الحديث عن تعطيل الزكاة ومنع تنظيمها، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن مناصرة القضايا الإسلامية العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، ومن المناقشة العلمية لقرارات وزارة الأوقاف وسياستها المتعلقة بالشؤون الدينية، أو التحدث عن الإعلام العمومي وتقييم برامجه ومواده ونقد سلبياته ومفاسده، بميزان العلم والشرع، أو التناول والمعالجة للاستشراء المدمر للخمور ترويجا واستهلاكا، أو التناول العلمي للدعوات المتكررة إلى إباحة زراعة الحشيش، بغرض ما سمي بالاستعمالات الطبية له.أو الحديث عن منع وتجميد كافة جمعيات العلماء ومنعُها من عقد مؤتمراتها وممارسة أنشطتها العلمية.
ويضاف إلى هذا كله وغيرِه، وفق تعبير الريسوني "كونُ عدد من العلماء والخطباء –لشدة "ورعهم" وخوفهم على مواقعهم ومكاسبهم - يحتاطون لأنفسهم، فيُحَرِّمون عليها حتى ما لا تحرمه الوزارة عليهم، بل إن منهم من لم يجرؤوا - على سبيل المثال حتى على الدعاء لغزة وأهلها في محنتهم مع العدوان الوحشي لبني إسرائيل عليهم".
القيادي الإسلامي ختم مقاله بالتأكيد على أن كل ذلك لن يفلح في تكميم أفواه العلماء وأنهم "سيظهرون حتما خارج النطاق الرسمي، ضدا على سياسة "بوكو حرام"، وتلك خسارةٌ للدولة، لا خدمةٌ لها كما يظن قصار النظر".
وتلافيا لأي تلبيس حسب تعبير الريسوني أشار إلى أن ما تقدم لا يتعلق أبدا بتحزيب المساجد أو المؤسسات الدينية العمومية، أو استغلالها لأي طرف كان، معتبرا ذلك أمر "مرفوض قطعا ومطلقا، حتى لو قامت به الدولة نفسها ووزارة الأوقاف ذاتها".