هاجم أحمد
الريسوني، العالم المقاصدي ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، دعوى "
داعش" بتنصيب خليفة للمسلمين، معلنا رفضه لخلافة تأتي بالسيف وتخاطب الشعوب بالسيف، معتبرا إياها نذير شؤم وشرا لهذه الأمة، مشددا على أن
الخلافة حلم بني على حديث لا يصح.
واعتبر أحمد الريسوني أن الخلافة "حلم" بني على حديث عمدة الحالمين بالخلافة وعودتها، هو الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره، وهو عن حذيفة الذي يقول "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها... ثم تكون خلافة على منهاج نبوة" إلى نهاية الحديث.
وأضاف الريسوني في مقال نشره مساء الثلاثاء، أن "هذا الحديث، لا يخلو من هشاشة في ثبوته وصحته، وأقصى ما يقوله فيه أهل الاختصاص هو أنه "حَسَنُ الإسناد"، ومثل هذا لا يبنى عليه شيء من الأحكام الغليظة والأمور الجسيمة، وقصارى ما يصلح له هو التبشير وبث الأمل، أما إذا جد الجد وعظمت الأمور، فلا بد من أدلة صحيحة متينة، وإلا فلا".
وعارض العالم المقاصدي الحديث السابق بحديث آخر في الموضوع، و"هو في مثل درجة هذا أو أعلى منه، وأعني به حديثَ سفينةَ الذي قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي اللهُ مُلكه من يشاء).
فهذا الحديث لم يذكر خلافة ثانية تأتي وتكون على منهاج النبوة بعد الخلافة الأولى".
وشدد الريسوني على أن كلا الحديثين ليس فيه أمر ولا نهي، أي ليس فيه تكليف بشيء، فمن ادعى أنه بإعلانه الخلافة وتبعاتها الخطيرة قد قام بما أوجب الله عليه، فليخبرنا أين كلفه الله بهذا؟ ومن أين له هذا الوجوب؟ وإلا فهو دعي، ومن الذين يفعلون ما لا يُؤمرون.
من جهته اعتبر محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ"أبو حفص"، أحد مشايخ السلفية السابقين، والقيادي الحالي في حزب النهضة والفضيلة، إن "مفهوم الخلافة يحتاج إعادة نظر، وهو واجب على الحركة الإسلامية أن تباشر النقاش حوله".
وتابع أبوحفص، في تصريح لـ"عربي21"، من"الضروري على الإسلاميين اليوم أن يفتحوا نقاش مفهوم الخلافة، خاصة مع أن هذا المبدأ التي تقرر عبر التاريخ، لا يؤيده دليل صريح من القرآن أو السنة، كما أن هذا المبدأ كان مشروعا ناضل من أجله الإسلاميون وقاتل من أجله الجهاديون".
وقال أبو حفص، علينا أن نطرح بشكل دقيق وواضح سؤال ماذا يريد الإسلام؟ هل يهدف للوصول إلى السلطة والحكم؟ أم أن وظيفة الدين هي تحقيق المجتمع المسلم، المتشبث بقيم العدل والكرامة؟ هل الخلافة واجب على المسلمين العمل على إرسائها، والتزام قواعدها؟ أم أن الأمر متروك للاجتهاد البشري؟".
هذا الأسئلة تولى أحمد الريسوني الإجابة عنها، قائلا إن "الشرع الذي فرض علينا أحكاما ومبادئ ومقاصد، لم يفرض علينا أبدا أن نقيم شيئا نسميه الخلافة، أو الخلافة الإسلامية، أو دولة الخلافة، ولا فرض علينا أن نقيم شكلا معينا ولا نمطا محددا لهذه الخلافة أو لهذه الدولة، ولا أمرنا - ولو بجملة واحدة- أن نسمي الحاكم خليفة، وأن نسمي نظام حكمنا خلافة".
وتابع الريسوني: "إن "خلافة" تأتينا بالسيف وتخاطبنا بالسيف، لن تكون - فيما لو كانت- إلا نذير شؤم ومصدر شر لهذه الأمة".
وقال الريسوني: "لو اختفى لفظ "الخلافة والخليفة" من حياة المسلمين إلى الأبد، ما نقص ذلك من دينهم مثقالَ ذرة ولا أصغر منها، ولكن إذا اختفى العدل، واختفت الشورى، وشرعية الحكم ليوم واحد، فتلك طامة كبرى".
وشدد الريسوني على أن "العدل" و"الشورى" و"شرعية الحكم" أركان وفرائض وعزائم قطعية، معلومة مواضعها ومكانتها وأدلتها في الدين، فإذا تحققت هذه المعاني والمقاصد في ظل شيء اسمه الخلافة فنعمت الخلافة، وهي التي نريد.
وتابع الفقيه المقاصدي
المغربي إذا انتهكت وضيعت في ظل "الخلافة" فبئست الخلافة، وهي ما لا نريد. وإذا تحققت دون اسم الخلافة، وتحت أي اسم آخر، فقد حصل المقصود كاملا غير منقوص.
وهاجم الريسوني الدول التي تتخذ "السيف" شعارا لها في إشارة إلى السعودية، "نحن نعاني من ويلات حكام أتونا بالسيف، ويحكموننا بالسيف، وبعضهم ما زال يتخذ السيف شعارا لدولته ورايته، فكفانا سيفا وتسلطا".
ومضى العالم المقاصدي يقول "نعم للسيف ضد المحتلين، لكنه حين يتجه السيف إلى نحور المسلمين، ويتجه إلى السيطرة والتحكم، ويصبح بديلا عن الشرعية والشورى، ووسيلة لإعلان الخلافة، فهو باطل ومرفوض هو وخلافته".
وأفاد الريسوني أن "خلافة "داعش"، يراد فرضها في خضم الفتنة والحرب، وفي جو الخوف والرعب، وتحت التسلط والإكراه، طلاق المكره لا يقع. فبيعة المكره والخائف لغو، فليس تحت سيطرتها حتى واحد من ألف من المسلمين ومن بلاد المسلمين، ثم هل كل من تحت سيطرتهم مسَلِّم لهم وراغب فيهم ومحب لسلطانهم؟ قطعا لا.
وسجل أن "خليفة المسلمين المزعوم، فلا ندري من بايعه ومن اختاره؟ وما قيمتهم ومكانتهم في الأمة الإسلامية؟ والذي نعلمه ولا نشك فيه هو أن صاحبنا بايعه حفنة من أصحابه وأعوانه، وهذا قد يخوله أن يكون أميرا عليهم في شؤونهم الخاصة، وأما أن يصبح بذلك خليفة للمسلمين، فدونه ما بين السماء والأرض.