تعتمد
الصين على
نفط الخليج من أجل إرواء عطشها اليومي من النفط، وتستورد نسبة 60% من النفط الخام من دول الشرق الأوسط وهذه النسبة مرشحة للارتفاع إلى 75% بحلول عام 2015، بحسب ما قالته مؤسسة "جيمس تاون فاونديشن" الأميركية.
ونشرت المؤسسة تقريرا تناول فيه علاقة الصين مع دول الخليج ووصفها بـ"المعقدة"، مضيفا أن "محاولات تفكيك علاقات الصين، وروسيا، ودول الخليج والغرب مسألة بالغة التعقيد".
وفي الوقت الذي ابتعدت فيه الصين وروسيا عن التدخل في شؤون الدول الخليجية، يرى التقرير أن هناك نشاطات متزايدة يقوم بها كل طرف على حدا، "فكل واحد منهم له اهتماماته ومصالحه الخاصة، وفي بعض الأحيان تتلاقى النشاطات أو تكون مدفوعة بدافع الخوف، وتعبر عن انفصام في الشخصية".
وفي الوقت الذي تتناقص فيه حقول النفط في منطقة الخليج وتنضب، وتواجه زيادة في الطلب على الاستهلاك المحلي وتعيش أوضاعا إقليمية صعبة، يقول التقرير إنه "لم تصبح الصين فقط أكبر مستورد عالمي للنفط بل إنها وسعت من طرق تزويد الطاقة لتضم عمان والعراق والإمارات العربية المتحدة، وأنغولا وروسيا.. ومع ذلك تظل السعودية أكبر منتج ومصدر للبترول للسوق الصيني وفي عام 2013 زودت الصين بنسبة 19% من احتياجاتها اليومية التي تصل إلى 5.6 مليون برميل نفط".
وبحسب مؤسسة "أليستر سلون" الصحفية البريطانية في تقرير نشره موقع "مراقبة الشرق الأوسط" فمنظور تصدير دول مجلس التعاون الخليجي للصين يواجه تحد بسبب صفقة الطاقة الجديدة التي تم توقيعها بين بكين وموسكو "فروسيا التي قطعت علاقاتها مع السوق الأوروبي وتعتمد بشكل كبير على عوائد الغاز والنفط كي تستطيع الحكومة توفير الخدمات وقعت عقدا مدته 30 عاما مع الصين يبدأ من عام 2018".
وبحسب تحالف الطاقة الجديد فستزود
روسيا الصين 38 مليار متر مكعب من الغاز أو تما يقارب نسبة 11% من احتياجات الصين من الغاز الطبيعي، وسيتم نقله عبر أنابيب الغاز التي تصل قيمة إنشائها إلى حوالي 90 مليار دولار أمريكي.
ويرى التقرير أنه "في ضوء مشاكل روسيا مع أوروبا ستأخذ الصين ربع الصادرات العادية التي كانت ترسل لأوروبا ما سيعطي الروس ضمانا جديدا ضد أي سياسات عزلة يقوم بها زبونهم التقليدي من دول الاتحاد الأوروبي".
ورغم الصفقة مع روسيا، فستظل الصين مهمة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن الزبون لم يعد عطشا للغاز والطاقة كما في السابق، وفق التقرير.
وفي الوقت نفسه، يرى التقرير أن روسيا التي تعتبر من كبار مصدري الغاز والنفط في حالة تنافس مع دول الخليج.
ونقل التقرير عن المحلل ناصر التميمي، المقيم في لندن قوله: "تعتبر الصين أكبر مستهلك للطاقة أما روسيا فتعتبر أكبر مصدر لها".
وأضاف أن هناك "تنافسا بارزا بين روسيا وقطر، وربما إيران أيضا، في حالة رفع العقوبات عنها"، مضيفا أن "كلاهما يتنافسان حول تصدير الغاز المسال للأسواق الأوروبية والآسيوية".
ولكن التميمي يرى في الصفقة الصينية- الروسية طريقة ذكية لاستثمار التنافس المتزايد بين روسيا والسعودية على أسواق الطاقة العالمية، حيث تلعب الصين دور المستهلك الذي يلعب موردي النفط ضد بعضهم البعض.
في نفس السياق، تقوم الكويت والسعودية بالاستثمار الواسع في مصافي النفط الصينية، كما ضم اتفاق التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين عناصر لا علاقة لها بالطاقة.
وأضأف التميمي أن "الكيفية التي تقوم من خلالها توزيع خطوط تزويد الطاقة نقطة مهمة أخرى"، مشيرا إلى أن مضيق ملقة الذي تمر منه معظم صادرات النفط من الشرق الأوسط للصين يعتبر موضوعا مهما على طاولة النقاش.
وتابع بأنه "مع تزايد المخاوف على الأمن الإقليمي، تعاملت بكين مع عمليات نقل النفط القادم من دول الشرق الأوسط بحرا بنوع من الخوف، فليس الصين القوة البحرية والأسطول القوي القادر على حماية مضيق ملقة في حالة الطوارئ".
وكتبت صحيفة صينية عام 2004: "لا نبالغ بالقول إن من يسيطر على مضيق ملقة فسيقوم بخنق كل خطوط النفط للصين".
وعلّق التقرير على ذلك بالقول :"من هنا فالبنية التحتية التي يتم إنشاؤها في سيبيريا تعني تناقص كميات الطاقة العابرة لمضيق ملقة".
وتقدر نسبة النفط الخام القادم من الشرق الأوسط للصين بحوالي 60% ومن المتوقع أن ترتفع النسبة لـ 75% في عام 2015.
وقال الكاتب إنه بعيدا عن الاتفاق الصيني – الروسي فدول الخليج مستعدة لتصدير كميات من احتياطات الطاقة للصين.
وتم تسريع تنويع استراتيجيات الطاقة حيث يتم توفير احتياجات أوروبا من الزيت الصخري، وكذا في الولايات المتحدة، ولهذا فدول منظمة أوبك بحاجة لزبائن جدد.
ولكن في مجال التعاون الأمني، يرى البروفسور مارك كاتز من جامعة ميسون الأمريكية أن بكين تريد ببساطة استقرارا كافيا من أجل ضمان تصدير النفط من المنطقة دون أن يتعرض للتهديد.
وقال إن "فائد الصين للرياض تتمثل في كونها مصدر مهم للنفط ومزود لأسلحة لا تستطيع الرياض الحصول عليها من واشنطن".
ولأن الصين تفضل التزام أمريكا بأمن وثمن الأمن السعودي فالمصالح الأمريكية – الصينية في السعودية تتداخل ولا تفترق".
ويعتقد كاتز أن الصين ستحاول إرضاء رغبة المصالح المتنافسة في الشرق الأوسط بدلا من الاختيار بين إيران، إسرائيل أو دول مجلس التعاون الخليجي.
وكذلك ترغب المؤسسة العسكرية الروسية أن تجلس في المقعد الخلفي عندما يتعلق الأمر بأمن الخليج، مع أن روسيا ترغب بتسجيل هدف أو هدفين ضد أمريكا خاصة في ظل التوتر المتزايد في مناطق عدة من العالم.
واستفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، من العلاقات المتوترة من خلال التوغل في سوق الدفاع في المنطقة، والذي كان تقليديا يعتمد على السلاح الغربي، حيث وقعت صفقات مع مصر ولمدى معين مع السعودية.
ووقعت روسيا صفقات
أسلحة مع العراق، ولا تزال موسكو المزود الرئيسي للسلاح لرأس النظام السوري بشار الأسد.
وتستغل روسيا تراجع تأثير الولايات المتحدة وشعبيتها، مع أن روسيا لا تعتبر بديلا حيا.
وبحسب استطلاع مركز "بيو" للدراسات فقد وجد أن واحدا من كل خمسة أشخاص يحمل أفكارا إيجابية عن دور أمريكا في الشرق الأوسط، فيما يدعم نصف العرب الصين.
أما الموقف الشعبي من روسيا ففي العموم سلبي، خاصة بعد دعمها لنظام الأسد.
لكن سياسة الصين بعدم التدخل في شؤون الدول يجعلها حليفا أكثر مصداقية من الغرب. وبحسب كاتز "لا تريد الصين أن تدفع الكثير لحماية أمن الخليج، وتفضل استمرار الولايات المتحدة والغرب القيام بالمهمة، فيما يواصل الصينيون رحلتهم المجانية".
وفي الوقت نفسه "لا تريد الصين أن تتولى أمن الخليج وتأخذه من الولايات المتحدة، فقدرة روسيا على الانتفاع من المنطقة تعتمد على النظام الأمني المدعوم أمريكيا".
وعلى أي حال فروسيا والسعودية ستشكلان شراكة غريبة إن تمت لاختلافهما حول إيران وسوريا والتطرف الإسلامي، بحسب كاتز.
وفي تموز/ يوليو 2013 حذر مدير الاستخبارات السعودي الأمير بندر بن سلطان من إمكانية استهداف المتطرفين المسلمين في القوقاز الألعاب الأوليمبية الشتوية في سوخي.
ووجد مكتب الأمن الفدرالي- المخابرات الروسية أنه توصل لدليل قوي من أن الهجمات في كانون الثاني/ يناير نشأت من السعودية.
ويقول كاتز إن المصالح السعودية – الروسية متعارضة جدا كي تسمح بالتعاون.
وقد يتحول دور الصين وروسيا المتزايد إلى ورقة مساومة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي.
وقال شادي حامد من مركز "سابان" للشرق الأوسط: "تقوم السعودية وبشكل متزايد برفع منظور تنويع التحالفات من خلال التقارب مع الصين وروسيا، مع أن الباحث يشكك بالمدى الذي ستذهب إليه العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول اليوروأسيوية".