حضرت القرية
الفلسطينية بوجوه سيداتها المسنات، وتفاصيل وجوههن المليئة بالقصص والحكايا، في
معرض الفنانة الفلسطينية الشابة روان سرحان.
سرحان اتكأت على
التراث الفلسطيني المليء بالحكايا عن "الحماة والكنة"، وأسمت معرضها "الست وكنتها".
معرض سرحان يحكي قصص من هم ما زالوا متمسكين بتراب الوطن، وزيتونه، ويخبزون طحين بلادهم، ويتلذذون بجبنتها الطازجة وزيتونها الأصيل، رغم التغريبة الفلسطينية التي هجرت عشرات الآلاف من أرض البرتقال الحزين، على حد قولها.
صور التقطتها المعمارية الفنانة سرحان، اختارت أن تصورها وتعرضها دون ألوان، فالأبيض والأسود بحسب سرحان يوصلان المحتوى الطبيعي الحقيقي لهذه القرى التي اختزلت وجوه ساكنيها كل معاني الأمل والعمل والفرح والجد، في لوحات وصفتها الفنانة سرحان في حديثها لـ"عربي 21" بأنها "مسالمة دافئة".
واحتضن الجاليري الفلسطيني الكائن في وسط لندن هذا المعرض للفنانة الشابة، ضمن برنامج جديد ( Re Act)، يستجيب ويدعم الفنانين الشباب ويقدم لهم فرصة عرض أعمالهم الفنية وإخراجها لأرض الواقع، ويشرف الجاليري على تطوير الأعمال من الفكرة وصولا للعرض وفق أرقى المعايير المعروفة في هذا الحقل الفني.
وفي حديثها لـ"عربي 21" على هامش افتتاح معرضها، قالت روان إنها تتبعت في صورها الحياة اليومية والنشاطات التي تقوم بها الحماة وكنتها في إحدى القرى الصغيرة في رام الله. فعلى الرغم من أن العلاقة بينهما لا يمكن التنبؤ بطبيعتها وشكلها، إلا أنه "حتما يجمعها في القرية الفلسطينية كثير من النشاطات التقليدية المشتركة".
الفن والتصوير لغة للتواصل الثقافي
وقالت روان إنها أتت من مدينة فلسطينية تجمع بين الحداثة والعراقة؛ فرام الله حيث عاشت فيها الحداثة، تحتضن قرى فلسطينية توقف فيها الوقت عند الزمن القديم، على حد قولها.
واختارت الفنانة قرية بيتين، حيث ما يزال سكانها يعملون في الأرض ويعيشون نمط الحياة التي عاشها أجدادهم، والنساء هناك هن من يحصدن ويرعين الغنم وينتجن الجبنة، فهن ربات الأسرة بامتياز بحسب تعبير روان، التي تهدف من هذا المعرض الى إيصال جانب من الحياة الفلسطينية للفلسطينيين الذين "ربما لا يعرفونه"، وكذلك للغربيين الذين يعتبرون الفن والرسم والتصوير لغة مشتركة في التعارف بين الحضارات.
وجوه فلسطينية
ركزت الصور على الوجوه الفلسطينية لسيدات فلسطينيات مسنات يعملن في القرية، وتقول السرحان إن هذا الوجه لهذه العجوز الفلسطينية لم يعد موجودا، فنمط الحياة اليوم "غربي".
وتهدف روان لإبراز ما أسمته الحياة المسالمة في وطن أو مكان يغيب عنه السلام، "فهؤلاء الناس يعيشون يوما بيوم، ولا يكترثون بما يجري خارج جغرافيتهم، فحصاد القمح وخبز فلسطين وجبنتها يغنيهم عما خارجها".
P21 فرصة ممتازة
واعتبرت الفنانة الفلسطينية الشابة الفرصة التي قدمها p21 ممتازة، وأنها أتاحت لها نقل تجربتها في محيط لم تجرب العرض فيه، وأشادت بمساعدة الجاليري لها في تنسيق الصور وطريقة عرضها، وفي اختيار الموسيقى والصوت المناسبين، مشيرة إلى أنها سلمتهم الصور في حين أن الجاليري أنجز من جهته كل تحضيرات العرض اللازمة.
فلسطين بالصورة والصوت
وشهد اليوم الأول من المعرض إقبالا من قبل مهتمين وفنانين أجانب جذبتهم فكرة المعرض وصوره، وحرصوا بحسب ما قالوه لـ"عربي 21" على التعرف على جانب من الحياة الفلسطينية بالصوت والصورة.
وقالت الفنانة الألمانية ريني فستا -التي أبدت إعجابها بالمعرض- إنها حضرت العديد من المعارض، لكن ما رأته اليوم هو أن "هذا المعرض يقدم النساء في بيوتهن، ويظهر للوهلة الأولى أنهن يعشن حياة صعبة"، لكن الحقيقة بحسب رأيها أنهن "سعيدات أكثر منا"، مشيرة إلى أنهم يمتلكون أصدقاء وعلاقة اجتماعية قوية وعائلات متماسكة.
وبينت فستا -وهي خبيرة في المعارض- أن هذا المعرض يقدم قصة حقيقية، وهو عالي الجودة، وتنظيمه جرى وفق المعايير الفنية العالمية.
أما كريستينا، التي حضرت للتعرف على الجوانب الحياتية للفلسطينيين، فقالت لـ"عربي 21" إنها سعيدة جدا بحضور هذا المعرض، ومشاهدة هذا النوع من الصور، معتبرة أنه يتيح الفرصة للناس من ثقافات مختلفة أن يتعرفوا على بعضهم البعض.
وتضيف كريتسنا أنها تعرفت على جزء من الطبيعة الحقيقية للحياة في فلسطين، بعد أن كانت تسمع في معظم الأوقات عن فلسطين.. لكنها هذه المرة شاهدت جزءا من هذه الحياة الحقيقية.
فرص للفنانين الشباب
من جهته، قال مدير المعرض، يحيى زلوم، إنهم يهدفون إلى توفير فرص للفنانين الشباب ليبرزوا أنفسهم ويتحدثوا عن فلسطين بطريقة جميلة جذابة.
وأشار إلى أن الجاليري يعطي للفنان فرصة لعرض أعماله في مكان وسط لندن، وبطريقة مهنية واحترافية.
وبين زلوم لـ"عربي 21" أن البرنامج الجديد الذي يعملون عليه يحرص على تعريف الفنانين الشباب بكيفية تجهيز أعمالهم للعرض، وتقديمها للناس بطريقة جميلة ومهنية، مشيرا إلى أن طاقم الجاليري الفلسطيني يعمل مع الفنان من بداية التفكير في العمل إلى عرضه والكتابة عنه في الكتالوج، الذي يقدم فيه نبذة عن العمل وعن الفنان.
وتتحدث الصور في المعرض عن علاقة الإنسان بأرضه، وتبرز ارتباط الفلسطيني بمدنه وقراه، وكفاحه من أجل العيش والاستمرار في الوجود والحفاظ على هويته وتراثه.