على مدى سنوات طوال حيّرت العلاقة المفترضة بين تنظيم القاعدة والجمهورية الإيرانية الباحثين والخبراء والمراقبين نظرا للطبيعة الهوياتية الملتبسة لأطراف العلاقة، إلا أن تصاعد الخلاف داخل شبكة القاعدة المعولمة وتمرد بعض الفروع على المركز كشف الالتباس وحدد ماهيّة العلاقة التي تؤكد على هشاشة الإيديولوجيا وجبروت السياسة.
مرت العلاقات بين إيران والقاعدة بجملة من التحولات نظرا لوجود تباينات أيديولوجية، وكان الاحتلال الأمريكي للعراق أحد نقاط الخلاف الجوهرية، فقد تزامن التحول في السياسة الإيرانية مع حدوث فرز داخل تنظيم القاعدة حول الموقف من إيران، حيث برز اتجاهان مختلفان: الأول: تبناه القادة الكبار في تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أسامة
بن لادن وأيمن
الظواهري، وقام على أساس محاولة استمالة إيران للاستفادة من وجودها في العراق لمواجهة الاحتلال الأميركي، باعتباره عدواً مشتركاً للطرفين، وتحاشي مواجهتها التي يمكن أن تنتج تداعيات سلبية على التنظيم، والثاني: تبناه قادة "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وعلى
رأسهم أبو مصعب الزرقاوي، وقام على أن المشروع الإيراني في العراق لا يقل خطورة عن المشروع الأمريكي.
في سياق الخلاف داخل تنظيم القاعدة كشف تمرد الفرع العراقي عن صراع حاد حول تمثيل "القاعدة"، الأمر الذي دفع الفرع المتمرد إلى الإعلان عن طبيعة العلاقة مع إيران، فقد اتهم الناطق الرسمي لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أبو محمد العدناني في 11ايار/ مايو 2014 عبر رسالة صوتية بعنوان "عذرا أمير القاعدة"، قيادة القاعدة المركزية بالانحراف عن المنهج ونسج علاقات مشبوهة مع إيران، إذ أقر بأن "للقاعدة دين ثمين في عنق إيران"، كما أن تنظيم الدولة (داعش) "لم تضرب في إيران تلبية لطلب القاعدة .. للحفاظ على مصالحها - أي القاعدة – وخطوط إمدادها".
عقب الهجوم الأمريكي على افغانستان بعد ضربات 11 سبتمبر لجأ إلى إيران أكثر من (500) من أعضاء تنظيم القاعدة وعائلاتهم، ومن أبرز قيادات القاعدة الذين ثبت تواجدهم في إيران واحتجازهم في بيوت آمنة تحت إشراف "الحرس الثوري" الذي عمل على تصنيفهم ومحاولة توظيفهم واستثمارهم وفق الأهمية، والتوصل إلى تنسيق الأهداف المشتركة:
سيف العدل: محمد صلاح الدين زيدان، ويعرف في صفوف القاعد بكنية "المدني"، وكان المسؤول الأمني للقاعدة ثم أصبح القائد للعسكري للتنظيم بعد مقتل أبو حفص المصري، ارتبط بالقاعدة منذ تأسيسها، وسافر مع بن لادن إلى السودان عام 1992، ومنها إلى الصومال واليمن قبل أن يعود ثانية إلى أفغانستان بصحبة زعيم القاعدة عام 1996، وظل بها وتزوج من ابنة الجهادي مصطفى حامد أسماء، وقد نال العدل حريته صيف 2010 في صفقة تبادل أسرى بين حكومة طهران وتنظيم طالبان باكستان والقاعدة بصحبة سعد بن لادن مقابل الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني حشمت الله زادة الذي اختطف في شمال باكستان في شتاء 2009 على أيدي طالبان، وقد حدث خلط بينه وبين أبو المنذر محمد إبراهيم مكاوى أحد قادة "تنظيم الجهاد" لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية، وقد عاد مكاوي إلى مصر في 29 شباط/ فبراير 2012، ثم أفرج عنه.
سعد بن لادن: الإبن الثالث لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وكان يتواجد مع 24 شخصا من أفراد عائلة بن لادن في إيران، ومن بين هؤلاء زوجته السعودية أم حمزة خيرية صابر، وقد تمكنت إيمان من الهرب من مقر إقامتها الجبرية في طهران نهاية 2009، ولجأت إلى السفارة السعودية، ثم سمح لها في آخر الأمر أن تغادر إيران والذهاب إلى سوريا عام 2010، لتلتحق بوالدتها نجوى الغانم وهي سورية وكانت أولى زوجات بن لادن، لكن ليس قبل إخلاء سبيل حشمت الله عطر زاده، الذي كان قد خطف في باكستان وابنته فاطمة وهي زوجة سليمان أبو غيث، وأربعة من أولاده وهم: حمزة وعثمان ومحمد وسعد، وقد تمكن سعد من الهرب إلى باكستان عام 2009 إلا أنه لم يمكث طويلا فقد قتل بطائرة أمريكية بدون طيار أثتاء عبوره، وبحسب وثائق آبوت آباد اتهم أسامة بن لادن إيران بالوشاية للولايات المتحدة بابنه سعد وتسببت بقتله أثناء عبوره من إيران إلى أفغانستان،.
أبو حفص الموريتاني: محفوظ ولد الوالد وهو عضو مجلس شورى القاعدة، وأول مسؤول شرعي لتنظيم القاعدة، وكانت له تحفظات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أفرج عنه عام 2012 ورحّل إلى موريتانيا التي اعتقلته لمدة ثم أطلقت سراحه، ثم التحقت به زوجته الفلسطينية سيرين سيف الدين وأبناؤه بعد أن أفرجت عنهم إيران، وقد انتقد أبو حفص سلوك تنظيم القاعدة ومنهجها وعملياتها في لقاءات عديدة.
سليمان أبو غيث: سليمان جاسم بوغيث من مواليد 1965وهو كويتي أسقطت عنه الجنسية عقب هجمات 11 سبتمبر، وكان أول ناطق رسمي لتنظيم القاعدة، متزوج من ابنة بن لادن فاطمة، أفرجت عنه إيران بداية عام 2013 واعتقلته الولايات المتحدة في مطار عمان اثناء رحلته قادما من تركيا في شباط/ فبراير 2013، وقد أدانت هيئة محلفين اتحادية أميركية في نيويورك في 26 مارس/ آذار 2014 أبو غيث، بعد محاكمة استمرت ثلاثة أسابيع، ويواجه أبو غيث عقوبة السجن مدى الحياة بعدما أدانه محلفون بالتآمر لقتل أميركيين والتآمر لتقديم دعم مادي لإرهابيين، وهو أول حكم من نوعه في الولايات المتحدة يطال شخصية قيادية في التنظيم.
مصطفى حامد: ويعرف باسم أبو الوليد المصري، ويعتبر منظّر الأفغان العرب، وهو لا يزال محتجزا في إيران مع ابنه الأكبر واثنين من أزواج بناته، وعائلته المكونة من ثمانية من أولاده وخمسة من أحفاده، ويخضع أبو الوليد المصري منذ عام 2002 في إيران للإقامة الجبرية في أعقاب مغادرته أفغانستان حيث اعتقلته الأجهزة الإيرانية ووضعته رهن الإقامة الجبرية مع زوج ابنته محمد صلاح زيدان المكنى بسيف العدل، وهو من أبرز من كتبوا عن الجهاد الأفغاني وشارك فيه منذ عام 1979 قبل الغزو السوفييتي، تعرف على القائد الميداني مولوي جلال الدين حقاني، وظل يعمل معه، كما تعرف في بيشاور على مولوي محمد يونس خالص زعيم الحزب الإسلامي، وربطته صداقة مع الزعيم السياسي عبد الرسول سياف، وقد قابل أسامة بن لادن لأول مرة في بدايات عام 1988 وربطتهما صداقة قوية.
أبو الليث الليبي: علي عمار الرقيعي، من مواليد 1972، قيادي بارز في تنظيم القاعدة، وكان أحد قيادات "الجماعة الليبية المقاتلة"، التي أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة عام 2007، ذهب أبو الليث إلى السعودية حيث اعتقلته عام 1995، لكنه استطاع الفرار من سجنه في جدة، وانتقل إلى أفغانستان، وقد قتل بطائرة أمريكية بدون طيار شمال وزيرستان في باكستان عام 2008 برفقة عدد من مرافقيه، ومن أبرزهم نائبه عبدالغفار الدرناوي، الذي كان مسؤولا عن محطة الجماعة الليبية المقاتلة في إيران.
أبو الخير أحمد حسن: واسمه عبد الله محمد رجب عبد الرحمن، مسؤول لجنة العمل الخاص بتوفير جوازات سفر زورة لعناصر في تنظيم القاعدة، كان أحد قيادات تنظيم "الجهاد" المصري، ويعتبر الذراع اليمنى للظواهري، وهو ضمن عناصر تنظيم القاعدة المحتجزة في طهران. وكان مسؤولا عن محطة السودان عام 1993 قبل ان تنتقل قيادات التنظيم برفقة بن لادن الى افغانستان.
أبو بصير الوحيشي: ناصر عبد الكريم عبد الله الوحيشي، عمل سكرتيرا لأسامة بن لادن، وهو الأمير الحالي لـ "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، أُدرج اســمه في قائمة مجلس الأمن بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير2010 وهو يمني من محافظة شبوة بالجنوب، ألقي القبض عليه في إيران بع فراره إليها من أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر، ثم سلم إلى اليمن عام 2003، وهرب من السجن في صتعاء مع 23 آخرين في شباط/ فيراير 2006، ومنذ عام 2007، كان الوحيشي زعيما لتنظيم القاعدة في اليمن، الذي اندمج مع عناصر القاعدة في المملكة العربية السعودية ليشكل، بداية عام 2009، تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب".
محمد المصري: يعتقد بأنه العقل المدبر لتفجير السفارة الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998، وعضو في مجلس شورى تنظيم القاعدة ومن أكثر أعضاء التنظيم قدرة وتمرسا في تخطيط العمليات، وكان المسؤول السابق عن تدريب أفراد القاعدة، ويعتقد أنه لايزال يتواجد في إيران.
جعفر الأوزبكي: أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، يوصف بـ"الشخصية الأساسية في تنظيم القاعدة والموجود حاليا في إيران" ويعتقد بأنه يعمل بعلم السلطات الإيرانية، ويدير شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا لصالح "جبهة النصرة"، والشبكات التابعة للقاعدة في سوريا، وهو عضو في جماعة "اتحاد الجهاد الإسلامي"، وينشط أيضا تحت اسم "جعفر مويدينوف" ويوفر الدعم اللوجستي والتمويل للقاعدة.
ياسين السوري: عز الدين عبد العزيز خليل، يعتقد بأنه أحد أهم الشخصيات الفاعلة في القاعدة في إيران، ويقوم بدور بارز في نقل أصحاب الخبرات القتالية من باكستان إلى سوريا، كما يساهم في تنظيم شبكات نقل المجندين إلى سوريا عبر تركيا، وبعد إدراج السوري على القائمة السوداء عام 2011، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية مجموعة جديدة من الأسماء المرتبطة به عام 2012، ومن أهمها عادل راضي صقر الوهابي الحربي، وهو عضو أساسي من شبكة للقاعدة تعمل في إيران، ويقودها أحد مسهّلي أعمال القاعدة محسن الفاضلي الذي يعيش في إيران.
وفي هذا السياق قامت إيران بتسليم عدد من قيادات "الجماعة الإسلامية" لمصر وفي مقدمتهم مصطفى حمزة ورفاعي طه أبو ياسر عام 2001 عن طريق السودان وسورية، وكذلك عدد من قيادات تنظيم "الجهاد" وفي مقدمتهم ثروت صلاح الذي دخل ايران عام 2001 بجواز سفر ايراني مزور، ثم ذهب إلى تركيا، ويقال بأنه في ليبيا منذ 2012، ومحمد الإسلامبولي شقيق خالد الإسلامبولي، حيث ذهب إلى تركيا أما عائلته فعادت إلى مصر.
وكان أبو جهاد المصري محمد خليل الحكايمة الذي أسس ما يعرف بـتنظيم "القاعدة في أرض الكنانة"، متواجدا في إيران ثم ذهب إلى أفغانستان عام 2001، وقد قتل في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في مناطق القبائل الباكستانية عام 2008، وكذلك أبو عبد الرحمن أسامة حسن الذي أحتجز بعد دخوله إيران عام 2001، وقد أفرجت عنه نهاية عام 2010، ثم قتل في أفغانستان.
صالح عبدالله القرعاوي: يلقب بـ (نجم الخير) مؤسس "كتائب عبدالله عزام "، وهو تنظيم يعمل كأحد أذرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، وذلك بتوجيهات من أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق عام 2004، تزوج من ابنة القيادي الميداني في تنظيم القاعدة المصري محمد خليل الحكايمة خلال وجوده في إيران، وهو من أخطر المطلوبين على قائمة الـ 85 السعودية، تنقل القرعاوي بين السعودية والأردن والعراق وسوريا ولبنان وإيران وباكستان، واستهدفته طائرة أميركية من دون طيار، في وزيرستان على الحدود بين باكستان وأفغانستان 2012، ولحقته إصابة بليغة نجم عنها بتر ساقيه، ويده اليمنى، وفقد عينه اليسرى، وتهشم فكه، قبل أن تتسلمه السلطات السعودية في يونيو 2012.
ماجد محمد الماجد: عقب أصابة القرعاوي تولى قيادة التنظيم السعودي الآخر المطلوب على قائمة الـ 85 السعودية ماجد محمد الماجد في حزيران/ يونيو 2012، وقد بايع أبو محمد الجولاني أمير "جبهة النصرة في بلاد الشام" في آذار/ مارس 2013، وقد ألقت السلطات اللبنانية القبض عليه أثناء علاجه في أحد مشافي بيروت، وقد أعلن عن وفاته في 4 كانون ثاني/ يناير 2014، وكان قد تنقل في بلدان عديدة ومنها إيران.
تضررت العلاقة بين إيران والقاعدة عقب الثورة السورية، فهيمنة المنظور الهوياتي الطائفي في تصور طبيعة الصراع في سوريا قلب التحالفات الموضوعية، وبهذا فإن إيران وحلفائها أصبحوا في دائرة الاستهداف القاعدي، فبحسب شاشانك جوشي الباحث في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن بلندن "على الرغم من أن العلاقة بين ايران والقاعدة كانت دائما متوترة فإنها تدهورت بعد عام 2011 حين وقف الجانبان على طرفي نقيض في الحرب الأهلية السورية".