مغاربة ينتقدون مؤسسة بحثية مدعومة بالمال الإماراتي

انتقد العديد من الباحثين والنشطاء المغاربة ارتهان مؤسسة تدعى "مؤمنون بلا حدود" (البحثية) للمال والتوجيه الإماراتي، مؤكدين على استهداف الواقفين وراءها لتجارب ما يعرف بحركات الإسلام السياسي وفكر التجديد، وكل ذلك بسياق خروجها للوجود في شهر أيار/ مايو من سنة 2013، والذي لا ينفصل عن موجة الارتداد عن الربيع العربي ومسار الانقلابات المختلفة على الشرعية واختيارات الشعوب، على حد قولهم.

ذات المهتمين تنبأوا بفشل هذه التجربة كسابقاتها بالنظر لارتباط الإنتاج فيها بالعملة الصعبة، "ولكونها ترسخ لبحث علمي خال من الأخلاق والقيم وكل همه قيم المال في سوق بحث عربي هش وفقير"، كما أنهم سجلوا أن هذه المؤسسة بكل تشعبها وإنتاجها الضخم في فترة وجيزة "هي أوهن من بيت العنكبوت، وبمجرد توقف شريان المال الإماراتي فهي ستصبح في خبر كان"، على حد قولهم.

 وتعليقا على عمل مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" قال المسؤول عن المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، محمد الهيلالي، لـ"عربي21"، إن مبادرات هذه المؤسسة تعد محاولة جديدة لمحاصرة فكر التجديد المعبر عن الشعوب و"المتبلور في بواحاتها"، وإن مشروعها يخضع لعلامات استفهام كثيرة حول سياق خروجها، وهي مرتبطة "بخريف الربيع العربي والارتدادات الحاصلة". 

الهيلالي طرح أكثر من سؤال كذلك حول العديد من المؤسسات الإماراتية التي تمول مشاريع هذه المؤسسة، والتي تحاول كذلك وعلى واجهات أخرى أن تجمع "فلول أنظمة الاستبداد التي أسقطت الشعوب العربية جزءا منها وهزت عروش البعض الآخر".

كما أن الهيلالي عدها مبادرة لا تنفك عن سابقاتها من قبيل ظاهرة الدعاة الجدد في مجال آخر، والتي اعتمدت الفضائيات كمنبر لها.

ووفقا لأحد الباحثين المقربين من "مؤمنون بلا حدود" في المغرب والذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن "الأمر وببساطة يعكس رغبة إماراتية في سحق الحركات الإسلامية التي لها طموحات سياسية من مدخل علمي، وتتحدث عن التنوير والتجديد لكي تقول إن الحركات الإسلامية متخلفة، لكن الإمارات ليست بريئة مما تتهم به الجماعات الإسلامية"، بحسب الباحث.

وحول التفاف كثيرين حول "مؤمنون بلاحدود"، قال الباحث المطلع: "إن المسألة بسيطة جدا فكل له مصلحته وهدفه ورؤيته، خصوصا أن المؤسسة لا تمس ولو حرفا واحدا مما تكتب دون تعويض، فهناك باحثون كانت لهم فرصة لنشر كتبهم ومقالاتهم، وهناك باحثون وجدوها فرصة للاغتناء والترويح، وهناك المكتشف وغيرهم".

لكن الخطورة تكمن وفق الباحث في أن هذا المشروع ينشر بطريقة غير مباشرة فضاء "ينتج باحثا لا قيم له و لا أخلاق". 

ذات الباحث قال إن المهم هو أن هذه المؤسسة ترعاها دولة الإمارات والمغرب يعرف ذلك جيدا، وتابع بأنه إن كان هناك من نقد، فهو نقد ينبغي ان يتوجه للتمويل والقيم التي يصنعها المال، معتبرا أن  المشكلة تكمن في كون الباحث العربي هش.. وبالتالي صدق من قال "مؤمنون بلا حدود ستظهر أحسن ما في الباحث وقد تظهر أسوأ ما فيه"، مبديا أسفه من كون الكفة تميل إلى الجهة الأخرى.

وشدد على أن هذه الفكرة قديمة مقسما على أن المؤسسة أوهن من بيت العنكبوت وأنه بانقطاع التمويل ستسقط المؤسسة.

من جهته، قال كاتب أعمدة الرأي في جريدة "التجديد" اليومية المغربية، بلال التليدي، إن المطلوب من بعض المراكز العربية التي نشأت أو أنشئت بهدف فكري أو سياسي معين، أن يكون لها الوضوح الكامل في بسط توجهها، وأهدافها، حتى يستطيع المتابع والقارئ والمتلقي أن يفهم تناقضاتها في عالم الفكر ومبرر توجهها السياسي أو توجه القائمين عليها الذي يظهر العدائية للحركة الإسلامية.
 
وأضاف أن تركيب المعادلة على أرض السياسة،  هي أن مهمة مراكز الأبحاث اليوم، التي أنشئت من الداخل أو برعاية خارجية سخية، لمواجهة البنية الفكرية للحركة الإسلامية بمسمى نقد الموروث الديني والتنوير والعقلنة، ينبغي أن تعدل بوصلتها بحيث لا تصيب شرارتها الحلفاء الذين يقومون بأدوار ما في نفس الاتجاه، حتى وإن كان هؤلاء الحلفاء يمثلون النقيض الفكري للتنوير والعقلنة. 

وتابع صاحب العديد من المؤلفات في قضايا الحركات الإسلامية والعلمانية في عمود رأي له حمل عنوان "أفكار في خدمة الاستبداد" بأن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" تقدم أطروحتي التنوير والتقليد بما يفيد ظاهريا الدفاع عن الأولى، مستدركا أنه وفي عالم السياسة كل شيء ممكن، ولا شيء يمنع التقاء الأطروحتين، "فكم مرة تلتقي في أرض السياسة الحداثة العقلانية مع الفكر الطرقي، مع أن الأولى هي النقيض الطبيعي للثاني، ما دام أن هناك خصما سياسيا عنيدا يصعب إضعاف حضوره وقوته في المشهد الفكري والسياسي العربي من غير إقامة هذه التحالفات، أو للدقة إيجاد الأرضية الفكرية التي تبرر اللقاء بين أفكار التنوير العقلاني وبين استعادة التقليد بإحالاته في الفقه السلطاني الاستبدادي"، على حد قوله. 

يشار إلى أن المؤسسة المذكورة عقدت مؤخرا مؤتمرها الثاني نهاية الأسبوع الماضي، بمدينة مراكش، وسط المغرب، وعمدت إلى تجميع باحثين من دول عربية مختلفة، كما أن هذه المؤسسة قامت وفي أقل من سنة من انطلاقها بطبع عشرات الكتب وإنتاج ستة أفلام وثائقية، وأعداد من مجلتها الخاصة، فضلا عن تنظيمها لما يزيد على ثلاثين محاضرة وندوة، وهي الأعمال التي علق عليها أحد نشطاء "فيسبوك" بكونها أعمالا لم تقم بها حتى وزارة الثقافة المغربية، ومؤسسات أخرى للدولة تنشط في نفس المجال. 

ويذكر أن "مؤمنون بلا حدود" تواجه حملات مناهضة لنشاطها بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتساءل ناشطون عن الكلفة المادية لكل تلك الأعمال الضخمة، وعن الجهة التي تدفع الفاتورة، وحول تأثير كل ذلك على البحث العلمي الذي ترفعه المؤسسة شعارا لها.