بلا شك يعتبر انتصار حزب "بهراتيا جاناتا"
اليميني المتطرف "انتصارا تاريخيا" وتحولا خطيرا في السياسة
الهندية لم تشهده منذ 30 عاما، وهزيمة منكرة لحزب المؤتمر الهندي الذي تربعت على عرشه عائلة غاندي وسيطرت على السياسة الهندية منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1947. ومع ذلك ففوز نارندرا
مودي، رئيس حكومة ولاية كوجرات لم يكن ليتم بدون تحالف مصالح رجال الأعمال واللوبي الهندوسي المؤثر في أوروبا والولايات المتحدة ومصالح الأحزاب اليمينية الهندية التي كانت لها مصلحة في تقديم رجل ظل معروف عنه أنه خارج "السلطة"، أو منبوذ كمنقذ للهند. ولهذا اختارت صحيفة "الغارديان" البريطانية في كاريكاتيرها تصوير مودي وهو يرفع علامة النصر، في الرمال المتحركة ويواجهه جبل إعصار ترابيا، وخلفه من فوق كتبت كلمة "كوجرات" بالأحمر مع أنها جاء في طرف خريطة الهند.
فمودي ظل رجلا مثيرا للجدل، ومتهما بمذابح المسلمين التي جرت في الولاية التي كان يديرها عندما اندلعت أحداث العنف الهندوسي ضد المسلمين في عام 2002، وظل ممنوعا من دخول الولايات المتحدة وبريطانيا حتى يوم أمس عندما أعلن عن فوزه، حيث سارعت كل من واشنطن ولندن بتهنئته على الفور، وأن التأشيرة جاهزة له لزيارة واشنطن. وقد تغير الموقف الأمريكي من الرجل في الصيف الماضي عندما تبين لصناع السياسة الأمريكية -أو هكذا نجح اللوبي الهندي في واشنطن بإقناعها- أن مودي سيكون رجل المرحلة. وعليه فرئيس وزراء الهند القادم مثير للجدل وملوث مع أنه لم يحاكم بشأن المذابح، إلا أن التقارير التي أعدت قالت إنه سكت عنها وتجاوز عن إحدى وزيرات حكومته التي حملت السيف، وكانت تشجع المتطرفين الهندوس على قتل المسلمين.
نجح مودي ليس لأنه الرجل الأفضل للهند، وليس لأنه يعد ببرنامج اقتصادي، وإعادة عجلته لتنافس من جديد الصين، ويعد الهنود البسطاء بأنه سيبني لهم القطارات السريعة "الرصاصة" ويخفف أزمة الفقر؛ بل نجح لأن اليمين المتطرف رأى فيه العجلة التي يمكنها تحقيق أهدافه. ومن هنا اخترعت الحملة الإعلامية قصة مثيرة لرجل رحل من بائع شاي في محطات القطارات وابن عائلة فقيرة ليكون حاكم كوجرات، ومنها لدلهي مركز الحكم.
ويأتي مودي من مركز التطرف الهندي، فقد بدأ في سن العاشرة بالتردد على اجتماعات الحركة الإحيائية الهندوسية "راشتريا سوايام سيفاك سانغ" وبعد ذلك انضم لفرعها حزب بهاراتيا جاناتا، حيث شق طريقه بشكل مستقل وتخلص من كل المنافسين له، حتى عين رئيسا لوزراء حكومة كوجرات عام 2001، ومنها فاز بثلاث
انتخابات جاءت على ورقة النمو الاقتصادي الذي حققته الولاية في عهده.
وساعد مودي في إنجازاته المال الكوجراتي في الخارج، خاصة أن أهالي كوجرات معروفون بحنكتهم وذكائهم التجاري الحاد. وهناك أمر آخر ساعد في تعزيز صورته كرجل يغرد خارج السرب حتى في حزبه، وهي اتهامه بمذابح المسلمين والتي راح ضحيتها ألفا مسلم. ويقول جيسون بيرك في "الغارديان" إن اتهامات كهذه كانت كافية للقضاء على مستقبل أي سياسي، لكنها عززت صورته وموقعه كسياسي. وبحسب هارتوش سينغ محرر مجلة "كرفان" فقد زاد سجل مودي في عام 2002 من تأثيره بين الهندوس الذين كانوا يعتقدون "أن الثقافة الهندوسية لم تلق التعاطف والاهتمام الكافيين، وهنا رجل مستعد لتأكيد هذا وأنهم قادرون على حكم البلد".
بالإضافة لمواقفه اليمينية، فما ساعد في نجاحه هو التنظيم الحرفي والجيد لحملته الانتخابية والتحشيد الذي قامت به حركة "راشتريا سوايام سيفاك" في عموم الهند، والدعم المالي الكبير للحملة الذي يقول منافسوه إنه جاء من رجال الأعمال في داخل وخارج الهند. وهناك عامل مهم وهو تداعي حزب المؤتمر الهندي الذي يقود البلاد منذ 10 أعوام، وعانى من الكثير من فضائح الفساد، وغياب القيادة المجربة عنه.
ولهذا قدم مودي بديلا عن العائلة الحاكمة هذه، فهنا رجل لا ذرية له، يعيش مثل الزاهد، مخلص ولا أقرباء حوله ينتظرون المناصب، ولم يدرس في أحسن مدارس الهند، وكل ما يملكه من بذخ هي نظاراته، كما أنه ابن بلدة صغيرة لم يتذوق طعم الحياة والثقافة في العاصمة، ولا يشعر بالراحة عندما يتحدث بالإنجليزية ويفضل استخدام اللغة الكوجراتية مع المقربين إليه ويخاطب الجماهير باللغة الهندية، وفوق كل هذا فهو من طبقة "ينظر إليها باعتبارها مختلفة ومتخلفة. ويرى أشوق مالك وهو معلق سياسي أن هناك عاملين لعبا في فوز مودي، الإقبال الشديد على الانتخابات والشباب، وقد اجتمع العاملان ليؤكدا على فشل حزب المؤتمر للوفاء بوعوده. ولا يعرف إن كان مودي سيحقق هذا.
لكن البرفسورة جاياتي غوش، في العلوم السياسية بجامعة جواهر لال نهرو، في نيودلهي، ترى في الفوز نوعا من "البلطجة" وتعاون على تحقيقه المالُ والإعلام والرجل الفرد، وتقول "الانتخابات الهندية تعتبر حالة جيدة للفحص: إذا كانت الدعاية تجعل الناس يقبلون على شراب معين، فهل يمكن للحملة الانتخابية التي مولت بشكل كبير والحملة الإعلامية الضخمة دفعَهم لاختيار شخص معين؟" فقد قام الإعلام بتقديم رجل على أنه البطل القومي، وخلق حوله هالة ليبدأ الناس بتصديق الزعم عبر تكرار الصور والمبالغة فيها. ولا يعرف كم أُنفق على الحملة الانتخابية، ولكن تقديرات تضعها بحوالي 50.000 مليون روبية هندي (50 مليون دولار) أي تشبه حملة باراك أوباما الانتخابية. وهذا التقدير ممكن لأن الشركات التجارية الكبرى رمت بثقلها وراءه كي تستفيد منه. وقد أثمر استثمارها؛ فمن خلال الغالبية التي حققها مودي ستكون يده مطلقة بعمل ما يريد على المستوى القومي.
وترى غوش أن التفويض الكبير لمودي يمنح نوعا من الاستقرار لكنه يثير القلق حول مسار الديمقراطية. فمشكلة علاقة مودي مع اليمين الهندوسي المتطرف الذي يتلاعب بالخيوط من الخلف كانت مشكلة ولكن المشكلة الأكبر هي "عبادة الشخصية" التي جاءت بفعل الانتخابات.
فحتى وقت قريب ظل مودي شخصية مثيرة للانقسام، حتى داخل حزبه، ودوره في مذابح كوجرات التي لم يعاقب عليها بعد، لكن عجزه عن جلب المتورطين وتحقيق العدالة واضح.
وتقول إن "السلام المجتمعي" الذي يدعي مودي أنه تحقق في كوجرات جاء بثمن غال، خاصة بالنسبة للأقليات التي أرهبت وأجبرت على الركوع. فقد أجبر المسلمون على العيش في غيتوهات ويجدون صعوبة في استئجار أو شراء مسكن لهم في مناطق يسكنها الهندوس. كما يصعب على أبناء الأقليات الحصول على قروض من البنوك، وينظر لاختلاط الرجال والنساء نظر ريبة.
وترى غوش أن مذاق ما سيأتي واضح في الحملة الانتخابية، ففي خطاب له في غرب البنغال، أعلن مودي إنه سيتم الترحيب بالمهاجرين الهندوس من بنغلاديش فيما سيتم ترحيل الآخرين. وفي أوتار براديش، هدد بلطجيته السكان بالقول إن أي شخص لا يصوت لمودي عليه العودة للباكستان التي هي بلدهم كما قالوا. بل وهدد مودي لجنة الانتخابات بأسوأ العواقب لأنها منعت مسيرة في فرانسي. ونجاح هذه الأساليب البلطجية مثير للمخاوف، خاصة في ظل ضعف المؤسسات الديمقراطية في الهند، وإمكانية رشوة أو تهديد من هم يشرفون على المؤسسات الدستورية.
ونجح إعلام الشركات الكبري في الترويج للشخص المعبود، ولم يقدم مودي الكثير من التفاصيل عن برنامجه الانتخابي، وإذا أخذنا تجربة مودي في كوجرات لمعرفة طريقته في الحكم فقد كانت تعتمد على "محسوبية
رأس المال" والتي تقوم على الترويج لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وتقديم الحوافز لها، والحفاظ على الأجور في معدلاتها الدنيا وقمع تحركات العمال وملاحقة المعارضة، وكان الثمن الإنساني لكل هذه التصرفات غاليا. وتقول غوش "ربحت الشركات الكبرى والغالبية الهندية الجولة، ولكن هل سيستطيعون تشكيل صورة الهند السياسة والاقتصادية والمجتمعية بهذه الطريقة".
"يقول مؤيدو مودي إنه تغير وإنه لن يكون قادرا على الحكم بطريقة مطلقة وبدون تحالفات والحفاظ على علمانية الهند، وكونها أكبر ديمقراطية في العالم. المسلمون بدورهم خائفون ويترقبون مع أن بعضهم صدق "رواية" تغير الرجل. ما نعرفه هي أن الأيام كفيلة بالكشف عن طبيعة وسياسات الرجل ومعها طبيعة الهند، للهندوس فقط أم للجميع؟"