في يوم إجازة رسمية لأحد أعياد
القوات المسلحة، اتفقنا أن نلتقي لنشم بعض الهواء النقي، ونستمتع بهذا اليوم الوطني، كل مع زوجته وأولاده.
صديقنا منذ الطفولة ضابط في الجيش، قرر استضافتنا في نادي ضباط القوات المسلحة، وبدأ الأطفال باللعب.
أكلنا من البوفيه المفتوح، وذقنا أطايب الطعام، وتمتعنا بفواكه وحلويات القوات المسلحة.
وأثناء ركوب الأطفال للخيل العربية في اسطبل القوات المسلحة، وقع ابن أحد أصدقائنا من فوق ظهر الحصان، وكسرت يده.
تبرع صديقنا الضابط بتوصيلنا للمستشفى، وركبنا سيارته التي تم تجميعها في مصانع القوات المسلحة، وانطلقنا.
ذهبنا إلى المستشفى، ولكن وجدنا حالتها مزرية، وحين عرف أحد الأطباء أن بيننا ضابطا في القوات المسلحة، نصحنا بأخذ الصبي إلى مستشفى القوات المسلحة المجاورة، ففيها تجهيزات كاملة، مع أسعار مخفضة.
انطلقنا من فورنا إلى هناك، ولكن ازدحام الطريق أعاقنا، ولكن بحمد الله كان السائق ذكيا، فقرر أن يسلك شارع القوات المسلحة الجديد، ولكن وجدنا الدبابات تغلق الطريق لسبب لا نعرفه، فنزل صديقنا الضابط، وتحدث مع القوات التي تغلق الطريق، ثم عاد مبتسما.
قال : "الحمد لله .. كل مشكلة لها حل .. هناك طريق آخر". وبالفعل، سلكنا طريق العقيد (فلان)، وحين وجدناه مزدحما، دخلنا في شارع الطيار (فلان)، ولكن وجدنا ازدحاما بسبب مباراة كرة قدم، فسلكنا محور المشير، ثم دخلنا عبر نفق الفريق، حتى وصلنا إلى ميدان اللواء (فلان)، وهناك وجدنا مستشفى القوات المسلحة جاهزا لاستقبالنا.
حين وصلنا سألت صديقي الضابط : "هذا المستشفى كان اسمه مستشفى مبارك ... أليس كذلك؟" فأجابني "هذا صحيح ... هناك لافتات كثيرة كان عليها اسم مبارك، وأصبح عليها اسم القوات المسلحة ... مش عايزين نستفز الناس"، فأشدنا بحكمة القيادة الرشيدة.
دخلنا المستشفى، فوجدنا مكتب استقبال الطوارئ مزدحما جدا، ونصحنا أحد الأطباء (بعد أن لاحظ هو الآخر أن معنا ضابطا في القوات المسلحة) أن نذهب إلى مستشفى القوات المسلحة الجديد بعد ثلاثة شوارع.
استغربت، وسألته: "حسب وصف حضرتك ... هناك مستشفى ثورة يناير، وليس مستشفى القوات المسلحة"...!
فأجاب: "هذا صحيح ... هناك لافتات كثيرة كان عليها اسم ثورة يناير، وأصبح عليها اسم القوات المسلحة ... الظاهر مش عايزين يستفزوا الناس"، فأشدنا بحكمة القيادة الرشيدة مرة أخرى ...!
المهم ... مشينا في شارع جمال عبد الناصر، ومنه دخلنا إلى شارع أنور السادات، ثم عرجنا على شارع المشير أبو غزالة، وبعدها إلى شارع عبد المنعم رياض، وبعد أن دخلنا في شارع المدرعات، وجدنا المستشفى أمامنا أخيرا في ميدان القوات الجوية (ميدان حسني مبارك سابقا).
بعد وصولنا لاحظت تغيرا كبيرا في المنطقة المقابلة للمستشفى، فقلت لأصدقائي: "هذا المكان كان حديقة عامة تعودنا اللعب فيها في طفولتنا ... أين ذهبت؟ أذكر أن اسمها كان "حديقة العلم والإيمان".
فأجابوا جميعا : "يااااه ... ما زلت تذكر...! لقد أقامت القوات المسلحة صرحا على هذه الحديقة، وها هو مول تجاري أمامك، وبجواره مسجد وناد ... هذا أنفع للناس، وللقوات المسلحة".
فأشدنا جميعا بحكمة القيادة الرشيدة مرة ثالثة ...!
دخلنا المستشفى وفوجئنا بأن المبلغ المطلوب لعمل بعض الأشعات وجبيرة بسيطة عدة آلاف من الجنيهات، وحين سألنا عن الخصم، قيل لنا إن ذلك بعد الخصم، وأنه لولا وجود صديقنا الضابط لما دخلنا المستشفى أصلا، (وهذا ما اكتشفناه أيضا بعد دخولنا نادي القوات المسلحة في الصباح).
المهم ... جمعنا المبلغ ودفعناه، وخرج الولد والجبس على يديه.
حين خرجنا من المستشفى، اكتشفنا أننا قد وضعنا السيارة في شارع جانبي ضيق، وأننا في لحظة استعجالنا لم ننتبه إلى ماسورة المجاري الطافحة، نظرت إلى لافتة معلقة مكتوب عليها كتابة غير واضحة، وساعد على ذلك عدم وجود أعمدة إنارة في المكان أصلا، وجدت اللافتة مكتوبا عليها "شارع الشعب"، فاطمأن قلبي لأن للشعب نصيبا في أسماء الشوارع.
وأشدنا من قلوبنا بحكمة القيادة الرشيدة للمرة ... الرابعة !
ونحن في طريقنا إلى المنزل، لاحظت شارعا كبيرا واسعا ممتلئا بالأشجار والنخيل الملوكي الفاخر مكتوبا عليه "شارع شهداء القوات المسلحة"، فقلت لأصدقائي: "هذا الشارع كان اسمه شارع الشهداء ... مش كده؟"، فأجاب صديقنا الضابط: "وهل يوجد شهداء من غير القوات المسلحة؟" فانتبهنا جميعا لهذه الملاحظة العميقة التي أضافها لنا أحد جنودنا البواسل، وقلت بدوري: "الظاهر مش عايزين يستفزوا الناس" !
وقفنا في الطابور قليلا أمام بنزينة القوات المسلحة، لكي يملأ صديقنا سيارته بالوقود، وحين قال له أحد الأصدقاء لماذا لا نذهب إلى البنزينة الأخرى بعد هذه بقليل؟ ضحك صديقنا الضابط، وقال : "أنا أُفَضِّلُ هذه البنزينة".
وحينها سأل أحد أصدقائنا – وهو مشاكس منذ الصغر – لماذا تبدو
مصر وكأنها دولة عسكرية؟
فأجابه صديقنا الضابط وأفحمه، قائلا: "أنت بالذات لا يحق لك أن تقول ذلك، لأنك تسكن في شارع اللواء إسماعيل المدني" !
فأثنينا جميعا على قوة حجة جندي من خير أجناد الأرض، وقدرته على إقناع المخالفين بسهولة ورِقَّة، ولا عجب في ذلك، فالله يؤيدهم من فوق سبع سماوات.
كنت أظن اليوم قد انتهى بشكل غير سعيد بسبب إصابة الطفل، ولكن يشاء الله أن يعوضنا خيرا، فقبيل أذان المغرب دخلنا جميعا سوبر ماركت ملحقا بإحدى دور القوات المسلحة، واشترينا بعض الأجبان والمكرونات، والمنتجات الغذائية التي تنتجها مزارع القوات المسلحة، وفوجئت بزوجة صديقنا الضابط قد حصلت على جائزة طقم استانلس من مصانع القوات المسلحة، ثم حصلت هي أيضا على إقامة لمدة يومين بالإفطار في أي فندق من فنادق القوات المسلحة في أي محافظة من محافظات مصر.
أخيرا ... وبعد أن وصلت إلى شقتي التي أجرتها في مجمع القوات المسلحة السكني، سمعت أذان العشاء، فعرفت أنها رسالة من الله، فنزلت من فوري، وصليت صلاة العشاء في مسجد القوات المسلحة، وشكرت الله سبحانه وتعالى، ودعوته قائلا: "اللهم أدم علينا نعمة
الديمقراطية، وأطل عمر دولتنا المدنية".
موقع إلكتروني : www.arahman.net
بريد إلكتروني :
[email protected]