اعترف أحد قادة حركة "
تمرد" التي قادت حملة جمع التواقيع للإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، بتلقي الحركة أوامر من العسكر قائلا "كنا ساذجين، ولم نتحل بالمسؤولية".
وفي مقال أعدته شيرا فرينكل وماجد عاطف لموقع "بازفيد" تحت عنوان "كيف عبدت حركة الشباب الطريق لرئاسة
السيسي؟".
وقال محب دوس، أحد الخمسة الذين أسسوا حركة تمرد إن الحركة بدأت تنحرف عن خطها وترتبط بالجيش ووزارة الداخلية منذ بداية إنشائها، وكشفت تصريحات دوس عن حجم
الفساد الذي أصاب ثلاثة من مؤسسي الحركة.
وجاء في المقال أن دوس شعر بالدهشة في يوم 3 تموز/ يوليو 2013 عندما نطق مذيع باسمه وهو يقرأ بيانا مختلفا عن البيان الذي أعد بهدوء، وعبر عن أمل الحركة بعملية انتقال سلمية للسلطة وتقود للاستقرار في البلاد.
ويدعو
الجيش للتدخل وحماية الشعب من عدوان الجماعات الإرهابية. وكذلك دعم خلع الرئيس المنتخب بالقوة ونفى الاتهامات من أن ما يجرى هو
انقلاب.
وقال دوس لـ"بازفيد": "لقد قمنا بكتابة مسودة البيان، وكان عن السلام والتقدم للأمام على طريق الديمقراطية" و "ما تمت قراءته كان بيانا ربما أعده الجيش"، وقدم باسم حركة تمرد.
حركة صغيرة
ويشير التقرير إلى التظاهرات التي اندلعت في مصر ولمدة خمسة أيام، حيث فاقت المشاركة توقعات الحركة التي كانت مجهولة حتى ذلك الوقت، وفجأة تحول مؤسسوها إلى نجوم، وفي ليلة الانقلاب ركزت كل محطات التلفزة المصرية الإنتباه عليهم وطلبت منهم التعليق حول الخطوات القادمة.
ويقول دوس إن البيان الذي أذيع عبر التلفاز "بدا وكأنه من إعداد الجيش، وهدد الإخوان المسلمين وقال لهم إنه سيستخدم القوة حالة استدعت الضرورة". ويواصل "لقد صدمت، وعندها فهمت أن الحركة خرجت من أيدينا بالكامل".
وكانت -كما يقول- نهاية عملية بدأت قبل ذلك بأسابيع، حيث بدأت أجهزة الأمن والجيش بممارسة الضغط والتأثير على مسار الحركة حيث استثمرت سمعة الجماعة كحركة ذات قاعدة شعبية ثورية قادرة على تحقيق خطط الجيش من أجل مصر.
ويقول دوس إن الجيش عمل ما عمل باسم الحركة "لأننا سمحنا له بذلك" والذي اعترف أنه غض الطرف عما كان يجري خلف الأضواء لحركة تمرد. فقد "سمح قادة تمرد لأنفسهم بأن يقادوا من الآخرين، وتلقوا أوامر منهم".
دور وزارة الداخلية
وفي الوقت الذي ربطت فيه حركة تمرد في الماضي بوزارة الداخلية، واعترف أعضاؤها في أحاديثهم الخاصة أنهم تلقوا مكالمات هاتفية من الجيش، إلا أن أحدا من أعضائها لم يقل إنهم كانوا يخضعون لإدارة مباشرة من الجيش والمخابرات. وتؤكد هذه الاتهامات شكوك الكثير من المصريين أن الحركة لم تكن لتحقق النجاح الذي حققته بدون تلقيها مساعدة من المسؤولين المصريين الكبار.
وعندما قام قادة الجيش في 3 تموز/ يوليو باعتقال مرسي ونقله لموقع سري فإنهم فعلوا ما فعلوا باسم المتظاهرين الذين خرجوا للشوارع بعد أن وزعت تمرد عريضة حملت الكثير من الشكاوى ضد حكومة مرسي.
ويتساءل دوس "كيف تحولنا من شيء صغير، خمسة رجال يريدون تغيير مصر إلى حركة جلبت عشرات الملايين للشوارع تطالب بالتخلص من الإخوان المسلمين؟ الجواب أننا لم نفعل، وأفهم أننا لم نكن نحن الذي قمنا به، لقد استخدمنا كواجهة لشيء أكبر مما كنا نريده". ويقول دوس الذي لم تعد له علاقة بالحركة أو الحياة السياسية في مصر "لقد كنا ساذجين ولم نتحل بالمسؤولية".
خطة السيسي
وقال دوس إن الخطة المبيتة كانت ايصال وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي للسلطة، وأنه خلال الأسابيع الستة المقبلة ستذهب مصر لصناديق الاقتراع مرة أخرى، ومن المتوقع أن يفوز السيسي بالانتخابات.
ويضيف هنا "كنا نتسم بالبراءة عندما بدأنا حركة تمرد"، وكان معظم أفراد الحركة من الناشطين السابقين في حركة "كفاية"، "عرفنا بعضنا البعض وكنا نؤمن بالثورة وأردنا استمرارها"، حيث كان يتحدث للكاتبين في مقهى ريش الشهير بالقاهرة، فقد كان دوس ووليد المصري ومحمد عبد العزيز ومحمد بدر قادة في حركة كفاية، فيما كان حسن شاهين مؤيدا للجماعة. ويقول إن المجموعة عرفت بعضها البعض بشكل جيد، وكان "مثيرا للفرحة الإعلان عن حركة تمرد".
ولكن دوس يتذكر كيف بدأت وجوه غير معروفة تظهر في مكتب حركة تمرد في الأسابيع التي قادت الاحتجاجات 30 حزيران/ يونيو وبدأت تؤثر على بدر وعبد العزيز وشاهين. وبدأ الثلاثة بحضور اجتماعات في وزارة الداخلية ثم بلقاء السيسي الذي كان قائدا للجيش. وعندما كانوا يعودون من اللقاءات كانت الأفكار والمواقف التي يتحدثون عنها قد تغيرت.
ويقول موقع "باز فيد" إنه حاول الاتصال مع الثلاثة عبر البريد الإلكتروني، وترك رسائل هاتفية لهم فيها الاتهامات التي وجهها إليهم دوس وغيره من أعضاء تمرد، لكنهم لم يردوا على المكالمات.
وكان تقرير نشرته وكالة أنباء "رويترز" العام الماضي أشار فيه إلى مساعدة مسؤولين بوزارة الداخلية الحركة على جمع التوقيعات لدعم حملة تمرد والانضمام للتظاهرات. ونقلت عن مسؤول أمني قوله "طبعا انضممنا إليهم ودعمناهم، فنحن مصريون مثلهم، وكل واحد رأى أن ظاهرة مرسي لا تصلح لمصر، وكل واحد من موقعه عمل على إزاحة هذا الرجل والجماعة".
ونقل موقع "بازفيد" عن أحد مسؤولي وزارة الداخلية قوله إن حركة تمرد كانت تتلقى دعما من مكتبه وأن الأبواب كانت مفتوحة لها للتأكد من تلقيها الدعم اللوجيستي والتكتيكي ولإنجاح تظاهرتها.
قناني مياه وأعلام
وفي موعد التظاهرات يوم 30 حزيران/ يونيو كانت قناني الماء جاهزة للتوزيع على المشاركين في التظاهرات، إضافة للأعلام المصرية لكي توزع على الجماهير، وقام رجال الشرطة المبتسمين بالتقاط الصور مع الأطفال، وهو مشهد لم يكن يتخيله أحد قبل عام عندما أطاحت الجماهير بحسني مبارك.
وفوق ميدان التحرير كانت الطائرات العسكرية تحلق في السماء وترسم أعلاما، وكانت هذه الحركات إشارة واضحة من أن الجيش والشرطة هم من يقفون وراء حركة تمرد.
ويتذكر دوس في الأول من تموز/ يوليو حيث كان الجيش يحضر لتوجيه نداء أخير لمرسي للتنحي عن السلطة "زادت شكوكي عندما بدأنا النقاش حول من سيذهب ويجلس مع السيسي ويتفاوض معه".
مضيفا "لقد اتفقنا سابقا عن تشكيل تحالف يضم ممثلين عن الطلاب وعن المرأة وعن الأقليات الدينية وممثلين آخرين، وصعقت عندما ذهب ثلاثتهم، بدر وعبد العزيز وشاهين للجلوس مع السيسي".
وبدأ بدر الذي كان المتحدث باسم الحركة بإصدار تصريحات تناقض ما اتفقت عليه الحركة سابقا، وبدت تصريحاته داعمة بشكل واضح للجيش.
ففي الأول من تموز/ يوليو أثار بدر استغراب الجميع بتصريحاته النارية الداعمة للسيسي والقوات المسلحة "نحيي الجيش، نحييهم" و "لقد أظهروا وقوفهم إلى جانب الشعب".
وكان دوس قد قال أولا إنه لم يعرف ماذا يحدث لحركته ولكنه صحح نفسه، وقال إنه كان يعرف أن الحركة ليست مستقلة وليست حركة ذات قاعدة شعبية كما ادعت. وصرح لموقع "ديلي بيست" في تموز/ يوليو 2013 أن حركته على اتصال دائم مع الجيش.
ويعترف دوس بسذاجته حول ما استطاعت الحركة تحقيقه من حملة توقيعات واسعة، وحصولهم على دعم من إعلام الدولة وعلى ما يبدو دعم مالي لا محدود. وحتى اليوم يظهر في صوته حس أنه لا يصدق ما حدث "اكتشفت أنهم يتلقون أوامر وتستخدمهم مؤسسات الدولة" يقول دوس، و "أصبح الأمر أكثر وضوحا مع اقتراب موعد 3 تموز/ يوليو".
خيانة الثورة
ولم يعد شاهين وبدر وعبد العزيز من المترددين على مقاهي وسط القاهرة، فقد أصبحت المنطقة التي دعمت الثلاثي معادية لهم بعد أن ظهرت قصص عن تلقيهم هدايا على شكل سيارات وشقق من الجهات التي دعمتهم، وهي قصص لم يتم التحقق منها، لكن الشائعات كانت كافية لاعتداء الجماهير الغاضبة على شاهين عندما كان يجلس في مقهى لا يبعد سوى ميل واحد عن ميدان التحرير في تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
ونقل التقرير عن سارة شاهين، عضو سابق في حركة تمرد، قولها "هناك شعور أنهم خانوا مزاج الثورة"، مضيفة "فجأة بدؤوا يرتدون ملابس جديدة وأصبحت محفظاتهم مليئة بالنقود التي يعرف الجميع من أين جاءت".
ويقول دوس إنه عرض مثل ما عرض عليهم، ففي ليلة 3 تموز/ يوليو فتح الباب أمامه للقاء أحد كبار مسؤولي المخابرات، إلى جانب وليد المصري المؤسس الخامس لتمرد. ويقول دوس "علمت أنهم يعرضون علي ورفضت"، مضيفا "حتى تلك اللحظة لم أكن متأكدا من أنني سأقول نعم أو لا، وإن كنت سأقبل العرض المالي، ولكنني لم أقبل".
ومثل دوس رفض المصري العرض المقدم له، ولم يكن بالإمكان الاتصال به حيث كان من المفترض أن يبدأ الخدمة العسكرية. وفي الوقت الحالي يحاول دوس إنشاء حركة سياسية عريضة لكنه تعرض للنبذ من المجموعة التي عمل معها على إنشاء تمرد.
ويعلق قائلا "بدا واضحا منذ البداية أننا كنا متفقين على عدة أشياء، وكنا نريد خطة طريق وانتخابات، واتفقنا على عدم ترشيح أي منا نفسه لمنصب، وأننا سننتخب أسماء ووجوها جديدة من الثورة"، ويضيف "أكدنا على أهمية عدم انتفاع أي منا ماليا أو الترشح لمنصب والانتفاع مما نقوم بعمله".
تجاوزات مالية
وينقل التقرير عن هشام جبران، صاحب الشقة التي بدأت منها تمرد قوله "بدت الجماعة سعيدة حتى قررت الدولة وضع يدها على تمرد".
ويمضي جبران بالقول إن الثلاثي بدر وشاهين وعبد العزيز شعروا بالبهجة من الاهتمام الإعلامي بهم، وبدا أن لديهم مال كثير. ولم تكن هناك أية مستندات، لكن جبران وغيره ممن عملوا مع حركة تمرد قال إن الثلاثي جاء للمكتب ومعهم أجهزة كمبيوتر حديثة وهي على ما يبدو هدايا لهم.
ويقول دوس "كانت كل الأموال تأتي ثم تختفي، ولم يكن أحد يعرف أين ذهبت".
ويتذكر إسلام همام الذي كان يدير مكتب إعلام التواصل الاجتماعي التابع لتمرد، جدالا حول صكوك مالية قيمتها 100 ألف دولار أمريكي وصلت إلى الحركة من "ثري مصري في الخارج".
ويقول همام "لقد تأكد وصول الصكوك المالية لكن المال اختفى ولم يسمع أحد عنه".
ويضيف أن ناشطا كان مسؤولا عن مالية الحركة كلف من قبل بدر. وعندما استعلم همام عن السبب من إعفاء مسؤول المالية كانت الإجابة من بدر "نثق ببعضنا البعض، والصكوك تصل إلينا مباشرة ولا حاجة لأن يكون لدينا مسؤول مالية طالما وثقنا ببعضنا البعض".
ويقول همام وجبران إنه لم تكن هناك شفافية فيما يتعلق بتمويل حركة تمرد، إضافة لحرص كل من بدر وشاهين وعبد العزيز للقاء المانحين والسيطرة على أموال الحركة. وبحسب جبران "اختفت الأموال ولم نسمع عنها أو نفهم ماذا حدث لها".
وبناء على شهادة ناشطة انضمت للحركة في بداية حزيران/ يونيو، اكتشفت أن انضمامها ما هو إلا جمع بين المال والسلطة وهما الأمران الذان أفسدا مؤسسي تمرد.
وتقول "فجأة اكتشفوا أن العالم قد فتح أمامهم، وأصبحت لديهم الوسائل والمال التي وفرها لهم أشخاص لديهم الكثير من القوة"، وأضافت "طالما التزموا بما طلبت منهم الدولة قوله، فقد حصلوا على ما يريدون".
وقبل أقل من عام كانت ياسمين طنطاوي عضوا في حركة تمرد، ولكنها اليوم تعلق ملصقا يحمل صورة السيسي، وتعلق أعلاما مصرية على ملابسها. وتقول "من المهم أن تدعم الجانب الصحيح اليوم"، و"الرسالة لكل المصريين أن عليهم دعم الجيش من خلال السيسي".
وتتذكر كيف بكت عندما أعلن السيسي في 3 تموز/ يوليو عن إطاحة الجيش بمرسي "أتذكر كيف اختلفت مع ابن عمي في الإسكندرية الذي كتب على موقعه على الفيسبوك من أن انقلابا حدث في مصر، كنت أصرخ وغاضبة من هذا الحديث". و"قلت له ستأكل كلماتك لأن الجيش سيساعدنا على عقد الانتخابات ومن ثم التنحي جانبا".
وتقول إنها لا تجد مشكلة في ترشح السيسي نفسه للانتخابات مضيفة أن ابن عمها يتشفى بها عندما يسألها إن كانت سعيدة بسيطرة العسكر على الحكم. "يقول لي هل أنت سعيدة مع أصدقائك في تمرد بسبب ما فعلتموه، هل أنت سعيدة لمساعدتك السيسي؟ في الحقيقة ليس لدي جواب عن هذا". وهو نفس ما يعاني منه دوس الذي يقول "لم يكن هذا ما أردنا تحقيقه"، و"أعرف أننا في البداية لم يكن هذا ما توقعنا أن تحققه الحركة".