وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية وكبير مستشاريها لشؤون
سوريا، إدغار فاسكيز، بشار الأسد بـ"مغناطيس الإرهاب". مضيفا أن "فظائعه تجذب المقاتلين الأجانب". يُذكر أن مصطلح "مغناطيس الإرهاب" قد استخدم سابقا من قبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
هنا رد بعض المنحازين لبشار الأسد وتحالفه بأن تدفق "الجهاديين" إلى سوريا أيضا يتم برعاية أمريكية، في إشارة تشكيك، سواءً ذهب بعضهم إلى أن ذلك يتم من أجل التخلص منهم -كما سبق للأمين العام لحزب الله أن حذرهم العام الماضي- أم في سياق من إثبات نظرية المؤامرة على النظام المقاوم والممانع!!
واللافت أن جمهرة من الذين يشككون منذ عامين ونيف بهذه الفئة من الناس، أعني الجهاديين، هم أنفسهم (بخاصة اليساريين والقوميين) منْ كانوا يشيدون ببطولتهم حين كانوا يواجهون الاحتلال الأمريكي للعراق، فيما كان نصر الله والكثير ممن يؤيدونه يختلقون الأعذار لمن جاؤوا على ظهر الدبابة الأمريكية، وكانوا يواجهون الجهاديين أيضا.
والحال أنه لا حكاية "مغناطيس الإرهاب"، ولا مقولات الطرف الآخر تبدو صحيحة، ذلك أن المصطلح المذكور يفترض وجود جحافل ممن يسمونهم الإرهابيين في أماكن شتى، وكانوا في حاجة إلى مغناطيس كي يجذبهم.
ليس الأمر كذلك، إذ أن أكثر من يقاتلون اليوم في سوريا، تماما كحال من ذهبوا قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وبعده لم يكونوا سلفيين جهاديين في الأصل (منهم منْ كان كذلك بالطبع)، وما دفعهم في هذا الاتجاه هو الظرف الموضوعي، أولا باحتلال واحدة من أهم حواضر الأمة بتلك الطريقة المذلة، وثانيا في الحالة السورية بما ارتكبه بشار الأسد من جرائم بحق شعبه، معطوفا على حالة من الحشد المذهبي التي تفاقمت بشكل مذهل إثر وقوف التحالف الإيراني إلى جانب إجرام النظام، بخاصة أن جزءا من ذلك الحشد كان مندلعا في الأصل في ظل السياسات الطائفية للمالكي وعصابته في العراق.
الظاهرة الجهادية، وإن حملت في بعض تجلياتها لون السلفية الجهادية، ليست ظاهرة فكرية وحسب، والعنف عموما ليس ظاهرة فكرية، وإنما هو ظاهرة تنبت في ظل ظروف موضوعية تمنحها الحاضنة والدفع، وحين لا تتوفر تلك الظروف، أو تختفي، فإن الظاهرة ما تلبث أن تختفي أيضا، أو تتراجع بشكل لافت، مع بقاء مجموعات صغيرة تعتنقها هنا وهناك.
حين اندلع الربيع العربي، وتمكنت الجماهير بطريقة سلمية من الإطاحة بنظامين مهمين في تونس ومصر، دخلت الظاهرة في طور التراجع، ولم يكن من أسامة بن لادن نفسه إلا أن قال في واحدة من رسائله لمريديه إن الربيع العربي تحول "تاريخي"، وإن عليهم أن ينخرطوا في الدعوة ولا ويشتبكوا مع أي من الحكومات (رجّح أنها إسلامية) التي تنتخب عقب ذلك الربيع. ولاحظنا في تلك الأثناء بعض المراجعات الفكرية لبعض المجموعات، وما يشبه صفقات مباشرة وغير المباشرة تقضي بوقف أي شكل من العنف في هذا البلد أو ذاك.
ورغم فاصل قتالي في ليبيا لم يؤد إلى منح الظاهرة مدد قوة جديد، إلا أن ما أحياها مرة أخرى بتلك القوة التي نتابعها الآن هي سوريا على وجه التحديد، ولو نجحت الثورة في الانتصار سلميا، لما رأينا شيئا مما نراه الآن، والدليل أن 6 شهور من عمر الثورة مضت بآلاف من الشهداء، من دون أن يؤدي ذلك إلى رد بالسلاح، ولا إلى ظهور مجموعات مسلحة؛ إن كانت جهادية أو عادية، لكن استمرار القمع وشراسته، وتأييد إيران للنظام، وبداية الانشقاقات في الجيش، كل ذلك هو ما منحها قوة الدفع، بل إن كثيرا من المنخرطين في المجموعات المسلحة اليوم، بما فيها الجهادية، لم يكونوا قبل ثورة سوريا يعتنقون أي فكر سلفي جهادي على الإطلاق، وهذا ما يدركه الذين يعايشون الثورة عن قرب، ويعرفون الناشطين فيها.
أما ما يقوله البعض حول جذب الجهاديين من أجل التخلص منهم، أو من أجل أي هدف آخر، فهو كلام سخيف أيضا، لأن هؤلاء يأتون من تلقاء أنفسهم، وليس ثمة من يأتي حاملا روحه على كفه من أجل إرضاء هذه الجهة أو تلك. صحيح أن تسهيلات توفرت من تركيا ودعما من أطراف أخرى، لكن ذلك كله لا يعدو أن يكون من العوامل التي تساهم في تطور الظاهرة ولا تنتجها، بدليل أن هناك من يذهب ولديه الاستعداد لاجتياز الصعاب من أجل الوصول، وكثير منهم تعرضوا للاعتقال، وهم الآن في سجون النظام، أو في سجون دول أخرى.
الخلاصة أن هذه أمة ترد على التحديات بطريقتها الخاصة، وما جرى في سوريا من فظاعات كان لا بد أن ينتج الظاهرة الجهادية، تماما كما كان الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن قصار النظر، وبعض الحاقدين على كل ما هو إسلامي لا يريدون أن يروا الحقيقة، بل يعملون على تزويرها بكل وسيلة ممكنة، من دون أن يعني كلامنا الآنف الذكر تأييدا لأشكال معروفة من ممارسات المحسوبين على الظاهرة، من تلك التي لا تستند إلى أسس شرعية وسياسية مقنعة (خلافات المحسوبين عليها دليل على ذلك)، وهي ممارسات يجري تعميمها من قبل البعض، وبالطبع في سياق من مساعي شيطنة الظاهرة بالكامل، إلى جانب تبرئة نظام مجرم وتقديم المبررات لمن يؤيدونه بالقول أو بالعمل.