وجه سياسيون وكتاب
مصريون نقدا عنيفا لتصريحات بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني لقناة "الوطن" الكويتية، التي نشرتها جريدة "الوطن" الكويتية ووكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، الأحد، واعتبر فيها
البابا أن ترشح المشير عبد الفتاح
السيسي وزير الدفاع للرئاسة واجب وطني، وأن ثورة
25 يناير عمل خبيث.
فقد وجه القيادي بحركة الاشتراكيون الثوريون هيثم محمدين رسالة للبابا قال فيها: "أقر، وأعترف بأنني كنت أحد الأيادي الخبيثة التي دعت وشاركت في ثورة 25 يناير، وأنني مصمم على استكمالها حتى إسقاط النظام، وتحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
ووجه محمدين رسالة إلى فقراء الأقباط عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، أكد فيها أن خلاص فقراء الأقباط الوحيد يتحقق بالوحدة مع فقراء الشعب في الثورة لإزاحة كل صور الظلم والاضطهاد التي ترعاها الدولة قبل الجماعات. وقال: "لكم ثورة تحميكم، وللبابا عسكر سيغدر به".
تصريحات البابا
وكان البابا تواضروس الثاني قال في لقائه إن ترشح المشير عبدالفتاح السيسي للرئاسة بات واجبا وطنيا، معتبرا أن إدارة الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي "لم تكن تليق بمصر، برغم أنه كان يحكم باسم الدين"، مشيرا إلى أن البلاد كانت تغلي تحت حكم الإخوان -بحسب مزاعمه-.
وقال البابا أيضا عن السيسي: "المصريون يرونه منقذا، وبطل ثورة 30 يونيو، ويمتلك صفة الضبط والربط المهمة جدا لنمو المجتمع المصري".
واعتبر أن مظاهرات 30 حزيران/ يونيو "وَلَّدت حالة إجماع وتلاحم رائع للتخلص من حكم الإخوان" -كما قال-.
وهاجم الإخوان بالقول إنهم "قدموا صورة مشوهة كان لا بد من محوها سريعا، وأوصلت شعبنا كله بمسلميه ومسيحييه إلى إجماع على رفضه، والتخلص منه".
واعتبر أن "فترة حكم مرسي شابها العديد من الأزمات والسقطات والسلبيات مع جميع التيارات والأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني ومؤسسات الدولة".
وزعم أن إدارة مرسي لم تكن تليق بأي حال من الأحوال بمصر الحضارة والتاريخ، على الرغم من أنه كان يحكم باسم الدين. وأضاف أن الدين لو دخل السياسة، فإنه يتلوث.
وهاجم البابا تواضروس ثورات "
الربيع العربي" قائلا إنها "لم تكن ربيعا أو حتى خريفا، وإنما شتاء عربي مدبر حملته أيد خبيثة إلى منطقتنا العربية؛ لتفتيت دولها إلى مجرد دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة" -على حد تعبيره-.
وأكد أن مصر منذ ثورة 30 حزيران/ يونيو تسير على خريطة طريق للمستقبل، وفق خطوات منظمة بدأت بإقرار الدستور الجديد، ثم الانتخابات الرئاسية -بحسب رأيه.-
يُذكر أن البابا تواضروس لم يتوقف لحظة طيلة عام من حكم مرسي عن التحريض عليه في الداخل والخارج، واعتمدت المعارضة على الحشد الطائفي الذي مارسه في مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013 ضد حكم مرسي.
ولم يتوقف البابا لحظة طيلة عهد مرسي عن الزعم بأن المسيحيين في مصر يشعرون بالتهميش والتجاهل والإهمال والاستبعاد من جانب السلطات، وعبر بشكل دائم عن شعوره بالقلق من وجود مؤشرات على اتجاه بعض الأقباط إلى الهجرة؛ لأنهم يخشون النظام الجديد -على حد تعبيره-.
في الوقت نفسه، حرص البابا تواضروس على التواجد في المشهد الانقلابي لبيان السيسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وحرص على عدم توجيه أي انتقاد السلطات القائمة، بل كال الثناء للسيسي كلما ورد ذكره، وهاجم مرسي والإخوان حتى عندما قُتل سبعة من الأقباط في ليبيا قبل أسابيع.
عتاب وتنبيه للبابا تواضروس
تحت هذا العنوان، كتب جمال سلطان رئيس تحرير جريدة وموقع "المصريون" مقالا الاثنين هاجم فيه ما اعتبره الاندفاع المثير للبابا تواضروس في الشأن السياسي بدون تحفظ، بشكل يعرض البلاد كلها لخطر حقيقي، وليس فقط أبناء الكنيسة الأرثوكسية، عندما يضعهم في أتون محرقة سياسية لا ينقصها "البنزين" الطائفي.
وقال سلطان إنه بعد 3 يوليو والإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي ونظامه، انفلت العيار كثيرا من الرجل، وأصبح لا يخلو حوار صحفي له، ولا لقاء من الخوض المباشر وغير المتحفظ في الشأن السياسي، وبآراء صادمة ومثيرة وشديدة الاستفزاز لقوى سياسية فاعلة، سواء داخل مصر أم خارجها، وهو الأمر الذي يعرضه للنقد الشديد والهجوم الجارح والإهانة أحيانا؛ لأن معترك السياسة يختفي منه أو يخف إلى حد كبير مشاعر القداسة والاحترام والهيبة لرجال الدين، إضافة إلى تحويل الصراع السياسي إلى فضاء آخر بأبعاد، وخلفيات طائفية .
واعتبر سلطان أن العبارة الأخيرة للبابا "على الرغم من أنه كان يحكم باسم الدين"، تعطي إشارة إلى ما لا يمكن إخفاؤه من أن موقف البابا من مرسي كان يتصل بالتزامه بأحكام "الدين الإسلامي" حسب تصور الرمز المسيحي الكبير، وهو ما يعزز من الدعاية السياسية لأنصار مرسي بأن الكنيسة خاضت المواجهة على أساس ديني، وأن خصومتها لمحمد مرسي برغم محاولاته ترضيتها مرارا، كانت تستحضر خصومة طائفية بالأساس، وكراهية للإسلام.
وتابع سلطان: "يعزز من هذا المعنى ما يضيفه البابا في ذات الحوار عن يوم إطاحة مرسي بقوله: "لم يكن يوما عاديا للمصريين -مسلمين ومسيحيين- إذ ولد حالة إجماع وتلاحما رائعا للتخلص من حكم الإخوان. إن الراهبات كن يحملن العلم المصرى جنبا إلى جنب مع أخواتهن المحجبات في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ الشعوب".
وتساءل سلطان: "ما الذي أخرج راهبات للمشاركة في مظاهرة سياسية لإسقاط رئيس الجمهورية؟ وهل هذا معتاد في التجربة المصرية أو غيرها؟ وعندما تخرج الراهبات يحملن العلم المصري في مظاهرة تتحدى رئيس الجمهورية، وتدعو إلى إسقاطه فهذا يعني توجيها كنسيا؛ لأن آلاف الراهبات لا يجرؤن على مثل هذا السلوك السياسي العنيف (التظاهر) إلا بتوجيه من الكنيسة، وهو ما يؤكد أن الكنيسة شاركت في التخطيط والترتيب للإطاحة بحكم محمد مرسي، وأنها شاركت أجهزة أخرى ومؤسسات أخرى في الترتيب لهذه العملية التي وصفت دوليا بالانقلاب العسكري، ولا أظن أنه إيجابي للبابا تواضروس وكنيسته أن يعترف علنا بأنه شارك في تدبير انقلاب عسكري" .
وتوقف سلطان عند هجاء البابا وتشهيره بثورات "الربيع العربي"، وقوله في الحوار: "إن ثورات ما يطلق عليه الربيع العربي لم تكن ربيعا أو حتى خريفا، وإنما هي شتاء عربي مدبر حملته أيد خبيثة إلى منطقتنا العربية؛ لتفتيت دولها إلى مجرد دويلات صغيرة".
وعلق بالسلطان بالقول: "هذا كلام قميء وشديد الانحطاط، يمسك الواحد منا أعصابه، وهو يعقب عليه، فما الذي يقحم بابا الكنيسة الأرثوكسية في شتيمة ثورة يناير، والملايين الذين خرجوا فيها يحطمون نظام القمع والقهر والفساد؟ ولماذا يتورط في تصويرها بأنها مؤامرة خبيثة؟ وسأتجاوز عن كون هذا الكلام يمثل تطاولا على دستور البلاد الحالي الذي صوت عليه تواضروس نفسه، وحشد له الأقباط برغم أنه يبرز وطنية ثورة يناير؟ لكن السؤال: لماذا تحتقر دماء آلاف الشهداء الذي سقطوا منذ تفجر هذه الثورة المباركة وحتى الآن؟ ولماذا تحتقر دماء آلاف الليبيين والتونسيين والسوريين واليمنيين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحرية، في وجه أنظمة حكم فاسدة وإجرامية ودكتاتورية ومستبيحة للكرامة الإنسانية؟ وما الذي يغريك بالدفاع عن هذه الأنظمة؟ ولحساب من تهاجم ثورات الربيع التي أطاحت بها؟".
واختتم سلطان مقاله بالقول: "خطير جدا أن يتورط البابا في مثل هذا المعترك السياسي، وأن يكون طرفا في خصومة سياسية عنيفة، ولها وجه دموي، ولا يليق به أن يصب المزيد من الزيت على النار التي تحرق الوطن الآن، بينما يبحث العقلاء عمن يحاصرها ويهدئها ويطفئ لهيبها، وليس من يأتي بغشومية ليزيد لهيبها ويهيجها ويصب بنزينا لتوسيع نطاقها، إلا إذا كان ما يفعله البابا، ويروج له، ويندفع فيه الآن هو مرحلة جديدة لاستكمال الخطة التي شارك فيها منذ 3 يوليو بالتنسيق مع الأجهزة المعنية".
زيارة أمريكا وروسيا
إلى ذلك، نقلت جريدة "اليوم السابع" عن مصدر كنسي قوله إن هناك ترتيبات تجرى داخل المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لزيارة مرتقبة للبابا تواضروس للولايات المتحدة الأمريكية، خلال شهر أيار/ مايو المقبل، في زيارة تستغرق ثلاثة أسابيع لزيارة الكنائس والإيبارشيات المختلفة بالولايات المتحدة، وتفقد الكنائس المصرية هناك، مع عقد مؤتمر جماهيري له بحضور الجاليات القبطية المصرية بالولايات المتحدة.
وكانت الكنيسة أعلنت في بيان سابق لها أن الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس، ذهب لروسيا لترتيب زيارة البابا تواضروس لها، وأنه تم الاتفاق على أن تكون الزيارة في هذا العام.
كما أنه من المقرر أن يزور البابا متياس بطريرك إثيوبيا، البابا تواضروس عقب عيد القيامة المقبل في القاهرة، وتعد الزيارة الأولى لبطريرك إثيوبيا.
وكان البابا تواضروس اختير بالقرعة الهيكلية يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 من بين ثلاثة مرشحين، ليكون البابا الـ118 على رأس الكنيسة المصرية، خلفا للبابا شنودة الثالث، في مراسم كنسية بحضور رئيس الوزراء هشام قنديل، وممثل عن الرئيس الدكتور محمد مرسي، ووفد من جماعة الإخوان المسلمين، ووفد من الأزهر، إلى جانب سياسيين. وجرى بث تلفزيوني مباشر لتلك المراسم.