كتب: محمد أبو الفضل.. العلاقة بين
حزب الله اللبنانى ومصر، مرت بفترات صعود طفيف وهبوط كثيف خلال السنوات الماضية، وتأثرت بطبيعة النظام الحاكم فى
مصر، فخلال عصر مبارك، كانت باردة معظم الوقت، ودخلت مرحلة توتر لافت فى أواخر أيامه، عندما حرض حسن نصرالله الجيش المصرى بالتحرك ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
التوتر ازداد بعد اكتشاف ما يعرف بـ«خلية حزب الله» قبل ثورة يناير، واشتعل الموقف عقب هروب العناصر اللبنانية فى هذه الخلية، فى الأيام الأولى للثورة، واتهام الحزب بالمشاركة فى الهجوم على عدد من السجون، وتهريب قيادات إسلامية، وفى ظل صعود الإخوان تحسنت العلاقة، وبدت فى طريقها إلى تطورات إيحابية، لكن جاءت ثورة يونيو، فتوقف الصعود تلقائيا، وعادت العلاقة إلى مربع الهدوء الحذر، الذى يتأثر دوما بالأجواء الإقليمية، ودور حزب الله فى معادلاتها القلقة، وحجم تدخلاته فى شئون بعض الدول العربية.
المقدمة السابقة ضرورية، لفهم ما يمكن أن تستقر عليه العلاقة بين حزب الله ومصر الفترة المقبلة، والتى يبدو أن الحزب عازم أو لديه النية لترطيبها، وقد التقيت خلال الأسبوع الماضى شخصيتين إعلاميتين (رجل وامرأة) من الجنوب اللبنانى (كل على حدة)، ولدى كل منهما طموح أن تفتح مصر ذراعيها لحزب الله، ولا أعلم هل وجودهما فى توقيت متقارب بالقاهرة صدفة أم متعمد؟ وهل تقف خلفهما جهات سياسية أم هى محاولات مدفوعة بمصالح اقتصادية وتطلعات ثقافية بريئة؟
الغريب أن كليهما جاء وفى جعبته مشروع، أحدهما إعلامى (استثمارى)، والآخر ثقافى، على أن تكون مصر منطلقا، ونخبتها عنصرا رئيسيا فيهما، لتذويب الفجوة السابقة، وفتح صفحة بيضاء فى المستقبل القريب، وحصيلة المناقشات مع كل من الشخصيتين، يمكن تلخيصها فى ثلاثة رهانات أساسية:
الأول: أن المشير عبد الفتاح السيسى المرشح الأوفر حظا فى الانتخابات الرئاسية المقبلة لديه توجهات قومية عروبية بارزة، وهو ما يتماشى مع أجندة حزب الله فى جوانب كثيرة، بما يفرض التعاون والتنسيق، لجمع شمل الأمة العربية، واستعادة هيبتها فى المنطقة، بدلا من التشتت والتشرذم، الذى أصابها فى مقتل، وجعل شبح التقسيم يخيم على عدد من دولها، وضربت إحدى الشخصيتين مثالا بالوضع فى سوريا، فمصر والحزب يقفان (من وجهة نظره) فى خندق واحد تقريبا، الأمر الذى يمكن الاستفادة منه فى الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وتقليم أظافر بعض القوى الدولية التى لديها ترتيبات سوف تضر فى النهاية بمصلحة مصر وحزب الله معا.
الثانى: طبيعة الخلاف بين مصر والولايات المتحدة، وأحد أسبابه رغبة الأخيرة فى منع حفاظ مصر على استقلالها الوطنى، وقطع الطريق على أى توجهات لدى القيادة المصرية المقبلة تسعى لإيجاد مساحة بعيدة عن التصورات والتصرفات الأمريكية، وهو ما يحاول حزب الله القيام به منذ فترة، مما عرضه لضغوط واسعة من جانب واشنطن وحلفائها فى المنطقة، وعلى حد قول الشخصية الأخرى اللبنانية التى التقيتها، التنسيق بين مصر وحزب الله يمكن أن يجبر أمريكا على تغيير سياساتها، وقال: هناك فرصة جيدة لأن يأتى الضغط بنتائج مثمرة، واستشهد بحالها المتعثر فى سوريا، وورطتها فى أوكرانيا، والأزمة المرشحة للتصاعد فى منطقة الخليج.
أما الرهان الثالث، فيتعلق بإسرائيل، ولدى الشخصيتان قناعة راسخة أن مصر وحزب الله التقيا دوما فى الماضى، سرا وعلانية، ضد الدولة المغتصبة لأراض عربية عدة، واستشهدا بموقف مصر، من الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والذى كان معتدلا، بالقياس للظروف الإقليمية والضغوط التى تعرض لها نظام مبارك آنذاك، وثمنا موقف الشعب المصرى الذى وقف خلف المقاومة الباسلة لحزب الله، ولم يخف كل من الضيفين يقين الحزب بأن المؤسسة العسكرية المصرية تدرك خطر إسرائيل الحقيقى على الدول العربية، وهى قاعدة مهمة تساعد على التقارب بين مصر وحزب الله، ومهما تكن الخلافات والمخاوف، فهى لن تقارن بالتهديدات التى تمثلها إسرائيل على مصر.
بعد ذلك أنقل لكم المحاذير التى طرحتها على كلاهما، والتى يمكن أن تكون كفيلة بفرملة أى غزل مع مصر يبديه حزب الله، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء من الإعلاميين والمثقفين، وأهمها، موقف الحزب داخل الساحة اللبنانية، حيث يسعى للهيمنة وفرض إرادته بالقوة المسلحة، ويعمل على تقزيم القوى السنية والمسيحية التى تحتفظ القاهرة بعلاقات تاريخية جيدة معهما، كما أن مصر، لا تحبذ التعامل مع قوى تخرج عن نطاق الشرعية الرسمية، والحزب قام بخروقات واسعة، أضرت بهيبة الدولة، وبدا لكثيرين أنه يتبنى أجندة
إيرانية، أكثر من دفاعه عن المصالح الوطنية اللبنانية.
هذه النقطة تحيلنا، إلى عدم استبعاد أن تكون رسائل جس النبض القادمة من الجنوب اللبنانى محملة بحسابات إيرانية، تهدف إلى الالتفاف على النخبة المصرية، مغلفة بحجج قومية ومصالح مشتركة، فى حين يمكن أن تحمل فى طياتها محاولات من قبل طهران لاختراق الفضاء الثقافى والإعلامى، وهو ما يصعب حدوثه بطريقة مباشرة، بغرض تحسين صورتها، التى تلوثت بتردد معلومات حول محاولات متكررة تقوم بها إيران للعبث بالأمن المصرى، أضف إلى ذلك، ما ينطوى عليه التقارب مع حزب الله، ومعه طهران من تأثيرات سلبية على العلاقة الجيدة بين مصر وغالبية دول الخليج، وظهور الحزب فى هذا التوقيت، سيفهم على أنه يريد دق إسفين بين الجانبين. لذلك كانت كلمتى النهائية فى الحوارين، هناك مسافة طويلة تفصلنا عن الوصول لصفحة ناصعة البياض بين مصر وحزب الله، لأن مطلوب منه خطوات كبيرة لن يستطيع القيام بها حاليا.
عن صحيفة الأهرام المصرية