كانت السنوات الثماني الماضية، والعام الماضي على نحو خاص، الأسوأ في تاريخ
إيران. كان أحمدي
نجاد رمزا حقيقيا لتلك السنوات، فعندما واجهت مصر سنوات المجاعة السبع، والتي جاءت في قوله تعالى: «سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف»، تمكن يوسف - عليه السلام - بفضل حكمته ورحمته ومهاراته الإدارية الربانية من تجاوز الكارثة.
وقد غصت سنوات حكم أحمدي نجاد الثماني بهذه الكوارث. خلال تلك السنوات، شهدنا زيادة واضحة في أسعار النفط والربيع العربي، لكن المحزن هو أن إنجازات أحمدي نجاد كانت وبالا على إيران والمنطقة. والسؤال الذي يثار هنا: ما هي العناصر الأكثر تأثيرا في إدارة أحمدي نجاد؟ الإجابة واضحة، فقد اعتقد أحمدي نجاد أنه ملهم وأنه يحمل على عاتقه مسؤولية تاريخية، وهي خلاص إيران والمنطقة والعالم. فقد زعم نائبه الأول محمد رضا رحيمي أن الله جل وعلا لو شاء أن يبعث رسولا آخر بعد نبي الإسلام، لكان أحمدي نجاد هو ذلك الرسول! ويشير التاريخ الإسلامي إلى أن الشيء ذاته قيل عن الغزالي، لكني أتشكك في قدرة أحمدي نجاد على قراءة صفحة واحدة في كتاب الغزالي بسهولة. ربما كان ذلك هو قدر إيران، رجل خاطئ في مكان خاطئ، تولى إدارة دولة كبيرة مثل إيران لثماني سنوات. فخلال حكمه كان من المحظور ومن الممنوع مطلقا انتقاد أحمدي نجاد لأنه يحظى بدعم كامل من المرشد الأعلى، فانتقاده يؤدي إلى الكثير من المشكلات ويجعل من منتقده شخصا معاديا للنظام. بيد أن الجميع الآن يعلمون أن أحمدي نجاد ليس نبيا. الحقيقة أنه كان على النقيض من ذلك؛ دمر الاقتصاد والسياسة، والأهم من ذلك كله أنه أفسد قيم وثقافة البلاد، وأهدر أوقات إيران الذهبية وأضر بالشعب الإيراني بكلماته التي خلت من الحكمة، وحبه للمغامرة.
لكن لحسن الطالع، أنهى الشعب الإيراني في الانتخابات الأخيرة حقبة أحمدي نجاد باختياره حسن
روحاني في الرابع عشر من حزيران/ يونيو 2013، والذي فاز في الجولة الأولى بنسبة 50.88 في المائة من الأصوات. وعد روحاني ببرنامج يقوم على «الحداثة والحكمة»، ووعد بإطلاق سراح السجناء السياسيين وضمان الحريات المدنية، واستعادة كرامة الأمة. كما وعد أيضا بإجراء إصلاحات وإنقاذ اقتصاد البلاد والعمل على رفع العقوبات الدولية بإنهاء المواجهة النووية. لكن هل سيتمكن روحاني في دولة يسير فيها الرئيس المنتخب في ظل المرشد الأعلى ومجلس صيانة الدستور، من تحقيق تغييرات مؤثرة؟
أظهرت إدارة حكومة أحمدي نجاد كيف كانت إدارته مخالفة للحكمة والحداثة. وعد روحاني بأن يأتي بالحل. لكن التساؤل الأبرز هو: هل يملك روحاني المفتاح الملائم لحل مشكلات معاداة الحكمة والحداثة؟
تمكن روحاني في الوقت الراهن من حل مشكلتين في غاية الأهمية هما العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيز المفاوضات المباشرة بين مجموعة «5+1» وإيران، اللتان تشكلان وجهين لعملة واحدة، وأعتقد أن حكومة روحاني ستضطلع بمهمتين أساسيتين في عام 2014، الأولى هي تعزيز العلاقات بين إيران والدول الأخرى في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية وتركيا، والمهمة الثانية مهمة داخلية، وهي قضية المسجونين السياسيين، الذين اعتقل غالبيتهم بعد انتخابات عام 2009. علاوة على ذلك ستحتاج الحكومة إلى حل أو إنهاء الإقامة الجبرية لموسوي وزهرة رهنورد وكروبي.
وقد قيل إن روحاني سيتمكن من حل المشكلة في الأشهر الأولى لحكومته، لكن الآن وبعد مضي أربعة أشهر لم ترد أخبار سارة بعد. وقد صرح بعض الأشخاص المقربين من المرشد الأعلى بأن موسوي وكروبي يجب أن يعدما. إضافة إلى ذلك، قال أحد تلاميذ مصباح يزدي إنه مستعد للقيام بتلك المهمة، وشنق موسوي وكروبي. ناهيك عن تصريح مسعود جزائري، أحد قادة الحرس الثوري، بأن الفتنة لها أربعة أركان، اثنان منها قيد الإقامة الجبرية والآخران لا يزالان طليقين. وكان يعني بالآخرين، هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.
وكان المرشد الأعلى قد صرح في لقائه بقادة الحرس الثوري يوم الأربعاء 17 سبتمبر (أيلول)، بأنه لا يعارض الدبلوماسية، معبرا عن اعتقاده بفكرة وصفها بـ«المرونة البطولية».
حسنا، كانت تلك بداية فصل جديد في تاريخ إيران عام 2013. وسيتمكن روحاني من إدارة المفاوضات مع الولايات المتحدة والمفاوضات المباشرة مع مجموعة «5+1»، لكن المشكلة في هذه المرحلة هي أن ما يطلق عليه «المرونة البطولية» أو «الحكمة البطولية» غائب عن القضيتين الأخريين، وهما الشؤون الداخلية والمفاوضات مع الإصلاحيين داخل إيران، وتجديد وجهات نظر إيران تجاه جيرانها، وتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.
يبدو واضحا أن هناك الكثير من العقبات التي تواجه حكومة روحاني. وبعبارة أخرى فإن المشكلة هي اعتماد مصادر القوة في إيران على المرشد الأعلى. وهذه لعبة مفارقات، والتي تعني أن الرئيس يتمتع بالحرية في اتخاذ القرارات، لكن المؤسسات التي تخضع لسيطرة المرشد الأعلى قد تواصل خلق المشكلات أمام الرئيس. فعندما اختير مهدي بازارغان، كأول رئيس للوزراء بعد الثورة، شكا ساخرا من أن الحكومة في إيران أشبه بالسكين، لكن من دون مقبض! والواضح أن استخدام سكين من دون مقبض سيتسبب فقط في إصابة يد الشخص ولا شيء آخر.
ويبدو واضحا الآن أن الشعب الإيراني وضع كل البيض في سلة روحاني. وفي هذه المرحلة الحالية سيكون من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه إيران خلال عام، لكن محمدي غولبايغمي، مدير مكتب المرشد الأعلى الذي يعرف روحاني منذ خمسين سنة، قال: كنا في مرحلة المراهقة نحضر الحلقات العلمية في قم، وسوف يحدث روحاني تطورا كبيرا.
(الشرق الاوسط 4 كانون الثاني/ يناير 2014)