نشهد في أيامنا الحالية حالة من الهمجية والوحشية وقطع الرؤوس، وإظهار الكراهية تجاه الإنسانية بأسرها باسم الإسلام.
في المقابل، سطع في السماء نجم جديد بريء يوحي بالأمل، اسمه
ملالا يوسفزاي، وهي الفائزة بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع آخر.
ملالا مسلمة، وتحرص بوضوح على التأكيد على أفكارها وأسلوب حياتها الإسلامي. وخلال المقابلة التي أجرتها معها شبكة «سي إن إن»، شددت ملالا على إيمانها العميق بالإسلام.
على الجانب الآخر، نجد أن
غلام الله مفتي مسلم هو الآخر، علاوة على ادعائه أنه مفتي. وبالاعتماد على مصادر إسلامية، يصدر غلام الله أحكامه حول ما إذا كان أمر ما حلالا أم حراما، وما إلى ذلك.
عاشت ملالا وغلام الله بمنطقة سوات في شمال باكستان، ومع ذلك نجد أنهما شخصان ينتميان لعالمين شديدي الاختلاف لا تقل المسافة بينهما عن المسافة بين الحكمة والجهل. اليوم، أصبحت ملالا رمزا لتعليم الفتيات، في الوقت الذي تقف «طالبان» و«القاعدة» و«داعش» والجماعات المسلحة الأخرى كرموز للجهل.
وقد روت ملالا قصتها مع غلام الله مفتي في كتابها «أنا ملالا»، وهي قصة فريدة وغريبة بكل المقاييس، تدفعك للبكاء والضحك في آن واحد.
البكاء لأنك ستفاجأ بزعم غلام الله مفتي أنه ممثل الإسلام، ويعمد إلى التمييز بين المسلمين الصالحين والآخرين الفاسدين، معتقدا أنه من الصالحين بينما ملالا ووالدها (مؤسس مدرسة للفتيات) وجميع الفتيات اللائي يذهبن للمدارس من الفاسدين في نظره. بمعنى آخر فهو يقول إن التعليم حرام! وهنا نورد حوارا فريدا بين والد ملالا وغلام الله:
«أنا أمثل العلماء وتبليغيان وطالبان. أنا أمثل المسلمين الصالحين، ونحن جميعا نرى أن المدرسة التي تديرها للفتيات حرام، وإساءة في حق الخالق. ينبغي عليك إغلاقها. إن الفتاة كيان مقدس للغاية، لذا ينبغي إبقاؤها داخل البردة، وهي كيان خاص للغاية لذا لم يذكر اسم سيدة واحدة بالقرآن، لأن الله لا يريد أن تذكر أسماؤهن».. هكذا تحدث غلام الله مفتي إلى والد ملالا.
في المقابل، شرح والد ملالا أن اسم مريم ذكر كثيرا في القرآن. وذكر لمن رافقوا غلام الله أنه «عندما يمر هذا الرجل الكريم في الشارع، أتطلع نحوه وألقي عليه تحية السلام عليكم، لكنه لا يرد، وإنما يكتفي بإيماءة من رأسه».
وهنا رد غلام الله: «أنت تدير مدرسة حراما، لذلك لا أرد عليك السلام». (من كتاب «أنا ملالا»، ص 74ـ79).
وللقصة فصل آخر، حيث بدأوا في تهديد ملالا ووالدها. وذات يوم، صعد رجل مسلح إلى حافلة المدرسة يبحث عن ملالا، وصرخ متسائلا: «أين ملالا؟». وعندما وجدها، أطلق على رأسها النار. هذه ليست قصة عادية، وإنما تكشف لبّ الأزمة والكارثة التي نواجهها كمسلمين وبشر. إن المسلح الذي أطلق النار على رأس ملالا يمثل الوجه الآخر لغلام الله. ومن الجلي أن معرفتهما بالإسلام والفقه القرآني ساذجة للغاية. وقد استشهد والد ملالا، زين العابدين، بذكاء بالحكمة الأردية الشهيرة: «نصف طبيب خطر على حياتك، ونصف رجل دين خطر على إيمانك».
مثلا، تبعا لكنوزنا الإسلامية المحفوظة في القرآن والأحاديث، فإن على المسلم السعي وراء العلم، وهو ما يتضح من «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، و«اطلبوا العلم ولو في الصين» و«الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق»، و«لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج»، و«طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
والملاحظ أن القرآن يشدد على المعرفة والعلم والحكمة أكثر من أي كتاب مقدس آخر. كما أن القرآن يؤكد أن النبي لا ينبغي أن يفرض إرادته رغما عن الناس، لأنه ليس «بمسيطر» ولا «بوكيل» ولا «بجبار».
وبذلك يتضح أن بعضا من رجال الدين غريبي الأطوار هم في الواقع أسوأ من الجماعات المسلحة، ذلك أنهم يؤمنون أنهم ممثلو الله، وأنهم مسلمون صالحون، وأنهم مسيطرون ووكلاء وجبارون! ويظنون أنهم يملكون معايير تحديد المسلم وغير المسلم.
مثلا، تبعا لمعايير «داعش»، ونهجها غريب الأطوار، فإن الشيعة والأكراد غير مسلمين، وهو أمر عجيب، خاصة أن غالبية الأكراد من السنة، ومع ذلك تتعسف «داعش» في حقهم إلى هذا الحد.
الأزمة والكارثة داخل العالم الإسلامي نقص التعليم، ليس للفتيات فحسب، وإنما أيضا غياب المستوى المناسب من التعليم داخل الكثير من المدارس الإسلامية.
ففي كثير من المدارس الإسلامية، تعتمد المناهج وأساليب التدريس على القدرة على الحفظ، وليس الفهم.
لذا ليس هناك فهم شامل للمعاني والنصوص، لأن الهم مركز على الفهم فقط.
وإذا أردنا كمسلمين التغلب على الأزمة الناشئة عن «داعش» ومن هم على شاكلتها، ينبغي أن نفكر في إصلاح أسلوب فهمنا للنصوص، فمن الحماقة أن نحارب أمثال «داعش» على الأرض بينما نربي أمثالهم داخل مدارسنا الدينية الذين ينشأون متشددين، معتبرين التعليم حراما! ينبغي أن نصلح هذه المنهجية داخل مدارسنا الدينية. وقبل كل شيء ينبغي أن نروض الوحوش من المتطرفين عن طريق الحب!
(الشرق الأوسط)