في مقال له بعنوان بمجلة "أتلانتيك منثلي"، وكان بعنوان "
مصر.. علبة كبريت تنتظر شرارة"، قال الكاتب الأمريكي المعروف إريك تريغر إنه "بعد ستة أشهر تقريبا من الانتفاضة- الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد
مرسي، لم يتم ردم الشق الرئيسي في السياسة المصرية المحلية (..) فالجنرالات الذين أطاحوا بمرسي منخرطين في كفاح وجودي مع
الإخوان المسلمين، ويعتقدون بوجوب تدمير الجماعة من خلال- مثلا- تصنيفها كمنظمة إرهابية، وإلا فالإخوان سيعودون إلى سلطة ويقومون بتدميرهم – أي الجنرالات".
وفي الوقت نفسه "استخدم الجهاديون المتمركزون في سيناء الإطاحة بمرسي كمبرر لتسريع وتيرة العنف، وقاموا وبشكل متزايد بضرب أهداف في غرب قناة السويس، وحتى أشد معارضي مرسي يتقاتلون فيما بينهم اليوم: فالتحالف المكون من مؤسسات الدولة العميقة والأحزاب اليسارية الذي تمرد على مرسي يترنح الآن، فيما يقوم الناشطون الذين دعموا الإطاحة به بالتظاهر ضد الحكومة المدعومة من الجيش والتي ردت باعتقال قادتهم".
ورغم تقدم مصر من الناحية العملية في تطبيق خريطة الطريق التي أعلنها العسكر، مثل الانتهاء من مسودة الدستور التي سيتم التصويت عليها منتصف كانون الثاني/يناير الحالي، وستليها انتخابات بعد فترة قصيرة؛ إلا أن البلد يبدو مثل "علبة كبريت قد تشتعل مع انطلاق أية شرارة، مما يعني تعطيل العملية السياسية، وتحويل اضطرابات مصر المستمرة إلى وضع من الفوضى الخطيرة". ويتساءل عن الشرارة التي يمكن أن تشعل الفوضى في مصر، ويقدم ثلاثة سيناريوهات:
الأول: عملية اغتيال لشخصية مهمة مثل عبد الفتاح
السيسي، الرجل الذي يقف وراء الانقلاب، ووزير الدفاع حيث أصبح في مرمى هدف الإخوان المسلمين "وبعد كل هذا، فهو قائد الانقلاب الذي أطاح بمرسي ودعا لاحقا المصريين للنزول إلى الشوارع وتفويضه باستخدام القمع الذي قتل أكثر من 1000 من مؤيدي مرسي".
ويقول الكاتب، الإخوان لم يتحرجوا من الدعوة لمحاكمته، وإعدامه بتهمة الخيانة، حيث يظهر في مظاهراتهم وملصقاتهم وقد أحكم حبل المشنقة حول عنقه. وأشار إلى رسائل تحالف دعم الشرعية على تويتر، مثل "الشعب يريد إعدام القاتل".
وفي الوقت الذي تمت فيه إدانه الحركة بالاغتيالات السياسية في عام 1948 واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، فالجماعة ليست الحركة الأفضل لجهة القدرة على القيام بعمليات من هذا النوع. فالجيش يواصل حملاته ضد جماعة أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في سيناء، وحاولت اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم، وهاجمت مواقع أمنية، وآخر عملياتها كانت الهجوم على محطة أمن المنصورة في محافظة الشرقية (أنصار بيت المقدس).
وفي حال تحقق سيناريو الاغتيال لوزير الدفاع، فسيرد الجيش بقمع أشد ضد الإخوان مع أن القمع بدأ فعلا، وهذا ما حدث بعد محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية- الإسكندرية عام 1954 حيث قام بحملة قمع واعتقالات وتعذيب وإعدامات للإخوان استمرت عقدين من الزمن. وقد يؤدي اغتيال السيسي الذي تشير التوقعات إلى إمكانية ترشحه للانتخابات إلى حالة من الفوضى والتنافس بين القوى الأمنية التي يقوم كل جهاز منها بترشيح وكيل عنه، مما سيسهم بإضعاف الدولة المصرية المفككة، ويزيد من مخاطر اندلاع عنف جديد.
السيناريو الثاني: يتحدث الكاتب عن عمليات احتجاج أو عنف أثناء الاستفتاء على الدستور. فمع أن تاريخ مصر لا يشير إلى نتيجة "لا" لدستور طرح للتصويت، فإن الإخوان المسلمين ومؤيديهم الرافضين للعملية السياسية في مرحلة ما بعد مرسي يخططون لتعويق الاستفتاء من خلال تنظيم احتجاجات أمام مراكز الإقتراع ومحاولة منع المقترعين من الوصول إليها.
ومع أنه يجب التعامل مع التقارير حول الإخوان المسلمين في الإعلام المصري بنوع من الحذر، فإن البيانات التي صدرت عنهم في الفترة الأخيرة وقارنت المشاركة في الاقتراع "بالمشاركة في حمام الدم"، تشير إلى إمكانية حدوث نشاطات قوية. وقيام القوى الأمنية المصرية بالتحضير لمواجهة إمكانية كهذه تطور غير مطمئن. ويضيف الكاتب أن قوى الأمن ترغب في المواجهة مع الذين سيحاولون تعويق الإقتراع. وقد يصمد الإسلاميون أمام قوات الحكومة لفترة كما حدث في كرداسة في الجيزة في أيلول/ سبتمبر الماضي. ويرى الكاتب أن حدثا من هذا النوع لن يعرقل العملية الانتقالية فقط، ولكنه سيكشف عن ضعف الحكومة، مما سيشجع الإخوان على مواصلة نشاطاتهم والتصعيد من عمليات الإحتجاج، وقد يشجع هذا جهاديي سيناء. "وبدلا من التقدم نحو الانتخابات فقد تجد مصر نفسها متجهة نحو صراع أهلي مستمر".
السيناريو الثالث الذي قد يشعل علبة الكبريت يتمثل في إمكانية حدوث عملية إرهابية كبيرة في قناة السويس. ويشير الكاتب هنا إلى الصواريخ التي أطلقت على سفينة نقل كانت تعبر القناة، وتحمل علم بنما، مما دعا الجيش إلى الرد بعملية عسكرية واسعة ضد الجهاديين في سيناء، كما قام بتعزيز القوات حول القناة. ومع ذلك اعترف الجيش بأن عملياته في صحراء سيناء صعبة أكثر مما كان يتوقع. وتعكس العمليات التي يقوم بها الجهاديون ضد منشآت عسكرية وأمنية عدوا مصمما ومسلحا بشكل جيد. فقد صور الإرهابيون أنفسهم وهم يطلقون صواريخ آر بي جي على القاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر.
ويقول الكاتب إن هجوما كبيرا على قناة السويس سيكون ذا آثار مدمرة. فهو لن يحرج الحكومة المدعومة من الجيش دوليا فقط، لكنه سيضر بالمصدر الرئيسي الذي يدر عوائد على الخزينة المصرية، وظل إلى حد ما مستقرا رغم الإضطرابات السياسية التي شهدتها مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
و يضيف "لا تستطيع الحكومة الحالية خسارة هذا المصدر رغم تعهد دول الخليج بدفع 12 مليار دولار بعد الإطاحة بمرسي، وقد تراجع الاحتياطي النقدي المصري في الأشهر الأخيرة حيث انخفض من 18.6 مليار دولار في تشرين الأول/ أكتوبر إلى 17.8 مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر. وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة عن خطط لزيادة الحد الأدنى من الأجور لموظفي الحكومة، والحفاظ على برامج دعم الغذاء. ومن هنا فأي تراجع في عوائد قناة السويس سيؤثر على قدرة الحكومة على مواجهة أعبائها، كما أن تراجع الاحتياطي النقدي قد يعيد حالات انقطاع الكهرباء وطوابير الغاز التي عانت منها حكومة مرسي في الأشهر الأخيرة من حكمه، مما يعني غضبا شعبيا وبداية لانتفاضة جديدة".
ويختم بالقول إن أيا من هذه السيناريوهات حظوظه قليلة للتحقق، لكن الوضع السياسي غير المستقر وتوسع العنف قد يجعل الأجواء مهيأة لاضطرابات أخرى.