شهدت الأيام التي تبعت توقيع اتفاق جنيف فورة في الجهود الدبلوماسية، وارتفاعا في مستويات العنف، سواءً في
العراق أم سورية.
ويمنح الإتفاق بين الولايات المتحدة وإيران الرئيس الأمريكي باراك أوباما الفرصة كي يوقف عقودا من العداء بين البلدين، لكن الإتفاق وإن أغلق ملفا، فإنه سيفتح ملفات ونزاعات إقليمية أخرى، كما تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي علقت في تقرير لها نشرته اليوم الأربعاء على جولة محمد جواد ظريف التي زار خلالها الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين.
وتقول الصحيفة إن الزيارة هي الأولى في مرحلة ذوبان الجليد بين دول الخليج والحكومة الشيعية في
إيران منذ بداية الثورة في سورية ضد نظام بشار الأسد، وهي الثورة التي استقطبت دول المنطقة بناءً على الخطوط الطائفية.
ودعا ظريف دول الخليج للتعاون، كما عبر عن أمله في زيارة السعودية التي تقود حربا بالوكالة ضد إيران في سورية، وتعارض الإتفاق النووي أيضا. وكان ظريف قد تحدث إلى قناة "الجزيرة" الإنكليزية داعيا إلى التعاون "لاحتواء الانقسام الطائفي في المنطقة".
وقالت إن تركيا التي تعتبر من أهم حلفاء والمدافعين عن المعارضة السورية قد انضمت إلى إيران الحليف الأقوى للنظام السوري بالدعوة لوقف إطلاق النار. وفي نفس السياق زادت حوادث العنف التي كان منها قطع القاعدة رؤوس ثلاثة من أعضاء حزب الله الشيعي، فيما عادت فرق الموت العراقية بالظهور، مما يؤشر إلى عودة الأوضاع الخطيرة التي قسَّمت المنطقة بناءً على خطوط طائفية.
في الوقت نفسه تراجعت التهديدات بحدوث حرب بين إيران وإسرائيل التي كان من الممكن أن تُجرَّ الولايات المتحدة إليها بسبب موقف تل أبيب من المشروع النووي الإيراني.
ويرى محللون أن التقارب الأمريكي – الإيراني لن يحل مشاكل المنطقة بقدر ما سيفاقمها. وتوقع محمد عبيد، ومحلل مقرب من حزب الله يقيم في بيروت أنه "لن تكون هناك حروب كبيرة، بل صغيرة تزداد وتيرتها".
وفي الوقت الذي لا تعارض فيه الدول العربية اتفاقا يحد من المشروع النووي الإيراني وطموحات طهران، فهي تخشى من آثار الإتفاق والعلاقات بين طهران وواشنطن.
وتنقل الصحيفة عن مصطفى العاني، مدير مركز الخليج للأبحاث في دبي قوله "نحن قلقون من ناحية طبيعة التنازلات التي سيقدمها الأمريكيون، وهل سيقومون بتتويج إيران كقوة إقليمية عظمى". وأضاف أن فكرة تحول إيران إلى قوة مهيمنة في المنطقة يعتبر"خطا أحمر بالنسبة للدول العربية".
وترى الصحيفة أن مخاوف الدول عربية قديمة وتعود إلى سنوات ما قبل الثورة الإيرانية عام 1979، عندما استخدمت أمريكا شاه إيران كشرطي لمنطقة الخليج، بل وأبعد من هذه الفترة. ووجه الخوف من إيران نابع من كونها أقوى من جاراتها من ناحية القدرات العسكرية والسكانية، فعدد سكانها 80 مليون يتفوق على كل جاراتها الخليجيات، بل والدول العربية الأخرى باستثناء مصر.
وفي حالة تم حل الملف النووي فقد تعيد إيران موقعها الذي احتلته في أثناء الحرب الباردة كحليف قوي لواشنطن في المنطقة. وتخشى الدول الخليجية من استعادة إيران قوتها حال رفع عنها العقوبات، وتقوم بزيادة دعمها لشبكة واسعة من حلفائها في المنطقة بمن فيهم حزب الله في إيران، والجماعات الشيعية المتعددة في العراق والأخرى في اليمن وأفغانستان.
ويرى عبيد أن إيران لن تتخلى عن حلفائها في المنطقة كما تخلت عن مشاريعها النووية، فبحسب عبيد "لن تتخلى قطعا عن حزب الله، ولن تترك الأسد ولن تغادر العراق".
وفي السياق نفسه لن تتخلى السعودية عن محاولاتها لدفع التأثير الإيراني كما يقول العاني. وتشير الصحيفة إلى أن احتمالات زيادة العنف ظهرت في الأسابيع التي قادت لاتفاقية الشهر الماضي النووية، حيث بدأت الدول العربية تفهم منظور التقارب الأمريكي- الإيراني، وفهم أن واشنطن لن تقوم بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد.
فقد أعلنت السعودية عن قرار بدعم المعارضة السورية بدون أمريكا، وتم تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، ومن ثم قامت جماعات شيعية بإطلاق صواريخ تجاه الأراضي السعودية، مما أعطى مذاقا لما يمكن ان يحدث حالة اندلعت الخلافات بين المحورين السعودي والإيراني.
ويرى حسين إبيش من "أمريكان تاسك فورس فور بالاستاين" أنه "ستكون هناك حملة مكثفة للحصول على الغنائم وحروب بالوكالة وموجة من التفجيرات".
ومنذ الإتفاق النووي في جنيف، زادت المشاعر الطائفية تشددا، وتبدت من خلال إعدام 18 سنيا في العاصمة بغداد الأسبوع الماضي على نحو ذكّر بفرق الموت أثناء الحرب الطائفية عام 2005-2007. وهناك موجة من الإشتباكات الجديدة في مدينة طرابلس، شمالي لبنان بين سكان حي التبانة السنة، وجبل محسن العلويين، ويضاف إلى هذا كله
العنف الطائفي المستمر في سورية.