الكتاب: جيش واستراتيجيا في حرب لبنان
الثانية
الكاتب: مجموعة من الباحثين الإسرائيليين
(جبرائيل سيبوني وأمير كوليك وغيورا إيلند وموشي كابلينسكي وداني حلوتس وإيال
زيســــر)
الناشر: دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن
القومي الإسرائيلي، ترجمة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أكتوبر 2009.
قراءة إسرائيلية للقرار 1701
بالنسبة للكيان الصهيوني، يُعَدُّ القرار 1701 الذي صدر في 11 آب/ أغسطس 2006، وتبناه مجلس الأمن بالإجماع 1، وهو يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان و"إسرائيل"، بعد حرب استمرت 33 يوما بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما يدعو إلى إيجاد منطقة بين "الخط
الأزرق" (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوبي لبنان، تكون خالية
من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم
المتحدة المؤقتة (اليونيفيل)، يُعَدُّ هذا القرار كارثيّا.
يوجد لـ"إسرائيل" حدود سياسية مع
خمس دول عربية مختلفة، ولكن لا يوجد أي خط حدود صدرت بشأنه قرارات كثيرة إلى هذا الحد مثل الحدود الإسرائيلية –
اللبنانية. ووجود قوات متعددة الجنسيات على حدود إسرائيل ليس ظاهرة جديدة، وهي
قائمة منذ 1948 ولكن فقط في الحالة اللبنانية هي ليست نتيجة قناعات حكومات جيران، توجد لديها مسؤلية سياسية أو جهات ذات عنوان، وإنما هي نتيجة جهات شبه سياسية غير
حكومية، مع جدول أعمال خاص بهم لا يتطابق مع جدول أعمال الحكومات ذات السياده التي
تعمل هذه الجهات في مناطقها.
في هذا الفهم لخصوصية الحدود اللبانية مع الكيان الصهيوني، التي شهدت لحد
الآن ثلاث حروب (1982 ـ 2006 ـ 2023 ـ 2024)، يقول الدكتور عوديد عيران؛ رئيس معهد
أبحاث الأمن القومي، وعمل سفيرا في الأردن، ورئيسا لطاقم المفاوضات مع الجانب
الفلسطيني بشأن الاتفاقيات المرحلية والقضايا الجوهرية: هذا الوجود مثلما يحدث على
الحدود مع سوريا ومصر، قد يخلق الوهم بأنه بسبب هذا الوجود يسود الهدوء على الحدود
مع هذه الدول. وأرغب أن أركز على هذه النقطة، حيث أن الهدوء الذي يسود على طول هذه
الحدود، ينبع ليس من نجاعة القوات الدولية، وإنَّما من قرارات من جانب الحكومات في
هذه الدول. وفي حالة الأردن هناك هدوء سائد منذ عشرات السنين على طول الحدود مع
"إسرائيل"، ولذلك فإنَّه لا يوجد حضور لقوة دولية.
في الحرب الدائرة بين المقاومة اللبنانية، بقيادة حزب الله، وبين الكيان الصهيوني منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي حولت جبهة جنوب لبنان إلى جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة، التي تتعرض لحرب الإبادة الجماعية بدعم أمريكي وأوروبي مطلق، تعمل إسرائيل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، لا سيما تصفية حزب الله عسكريا، أو إضعافه على الأقل، وتجريده من سلاحه.
في لبنان مثلما يعرف الجميع هناك فجوة كبيرة
جدا بين المبنى الطائفي والمبنى السياسي. وأحد تأثيرات هذا الوضع، هو نشوء
الفجوة بين حكومة (هي حكومة شرعية)، وقدرتها على السيطرة على كل أجزاء الدولة. منذ عام 1978 تكرر إسرائيل المطالب نفسها من لبنان ومن المجموعة الدولية. منذ عملية الليطاني ومرة تلو الأخرى، عندما يتعلق
الأمر بقرارات مجلس الأمن، نحن نكرر هذه المطالب التي تستند على مفهومين رئيسيين:
الأول ـ السيطرة وسيادة الحكومة اللبنانية.
والثاني ـ وجود قوة متعددة الجنسيات على
الخط الأزرق (الحدود الدولية).
ومن المحتمل أن هذا الأمر ينبع من حقيقة
أنَّه لا يوجد بدائل بين أيدينا. ومع ذلك، فإنَّه يجب أن نسأل أنفسنا وبالأخص بشأن
المستقبل، ما إذا كان من مصلحة "إسرائيل" الاستمرار في الاستناد على
هذين المفهومين.
إذا تمعنا بصيغة القرار 425 الصادر عن مجلس
الأمن في أعقاب عملية الليطاني في عام 1978، وبصيغة قرار مجلس الأمن رقم 1559، فإننا
نجد بأن القرارين يستندان على نفس المفهومين الأساسيين: تطبيق سيادة الحكومة
اللبنانية على كل مناطق لبنان، ووجود قوة دولية قوية تساعد الحكومة اللبنانية في
تطبيق سيادتها على الأرض.
لقد شنت "إسرائيل" الحرب في تموز
2006، من أجل تحقيق الأهداف التالية:
(1) إعطاء تفويض للقوة
الدولية من أجل فتح النار.
(2) تجريد المنطقة بين الليطاني
وحتى الحدود.
(3) تفكيك حزب الله وإقامة هيئة
تشرف على تفكيكه.
(4) إقامة إطار تنسيق أمني -سياسي بين "إسرائيل"
ولبنان.
(5) مساعدة دولية في إعادة إعمار لبنان وفقا
للتقدم في تفكيك حزب الله (أي ربط المساعدة بالتفكيك).
(6) فرض قرار من الأمم المتحدة لحظر السلاح للمليشيات غير الحكومية في لبنان.
الطاقم الذي أعد هذه الوثيقة في وزارة
الخارجية الإسرائيلية، أوصى أيضا بأن تقوم
"إسرائيل" في تنفيذ النشاطات السياسية لتحقيق هذه الأهداف بواسطة عضوتي
مجلس الامن ـ فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
إذا درسنا معظم التقارير في تقرير لجنة
فينوغراد، فإنَّنا نجد بأنه كانت هناك مبادرة ومشاركة إسرائيلية في عملية اتخاذ
القرار 1701. في 9 آب/ أغسطس قبل يومين من اتخاذ القرار 1701، اجتمع مجلس الوزراء
الأمني المصغر، واتخذ قرارا يتحدث عن استمرار المساعي للوصول إلى تسوية سياسية
وشمل:
(1) إعادة الجنود الأسرى فورا ومن دون أي شروط.
(2) إيقاف فوري لعمليات المقاومة من لبنان
على "إسرائيل"، ومن ضمن ذلك
إيقاف إطلاق الصواريخ والقذائف الصاروخية.
(3) التطبيق الكامل للقرار 1559 (القرار
الذي دعا في 2 أيلول/سبتمبر 2004 إلى نزع
سلاح الميليشيات).
(4) نشر قوة دولية فاعلة في جنوب لبنان مع الجيش اللبناني
على طول الخط الأزرق.
(5) منع ترميم قدرات حزب الله وبشكل خاص عن
طريق نقل الأسلحة والوسائل القتالية من سوريا ومن إيران إلى لبنان.
في مقارنته بين قرار مجلس الأمن 1701، وقرار
المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر قبل يومين أو ثلاثة من اتخاذ قرار مجلس الأمن مع
هذا القرار، يقول الدكتور عوديد عيران ـوأنا لا أقول بأن القرار 1701 هو مثاليـ: يخيل بأنه يجب أن نساوي بين قرار المجلس الأمني قبل يومين من اتخاذ القرار، والقرار في مجلس الأمن. كما نعرف فإنَّ استعادة الجنود جاءت كبند عملي أول، ولكنَّ
الجنود لم يعادوا فورا، ولم يعادوا دون شروط، وإنَّما أُعِيدُوا بشروط. حدث وقف
فوري لكل العمليات العدائية من لبنان على إسرائيل، ومن ضمنها وقف إطلاق الصواريخ والقذائف
الصاروخية. لم يحدث تطبيق للقرار 1559. وكما هو معروف، حزب الله يرفض تفكيكه
كمنظمة ويرفض نزع سلاحه، والحكومة اللبنانية لا تظهر كل دلالة بأنها تنوي البدء
بإجراء يؤدي لتحقيق هذا الهدف ـ نشر قوة متعددة الجنسيات ناجعة_ وأنا لا أستطيع أن أقول لكم ما الذي فكر به من صاغ هذه الجملة بشأن كلمة ناجع. هذه المسألة سترافقنا
على مدى سنوات كثيرة، ما هو معنى وما أهمية القوة الموجودة اليوم في جنوب لبنان
وعلى حدود لبنان. مرة أخرى، لا نعرف ما إذا كانت النتيجة التي نراها بالفعل بشأن
الهدوء النسبي هي نتيجة نجاعة هذه القوة، أو نجاعة قرار اللاعبين اللبنانيين، إن كان
حزب الله أو حكومة لبنان أو أوساط أخرى لعدم تسخين القطاع الإسرائيلي اللبناني.
إسرائيل تريد تعديل القرار 1701
تريد " إسرائيل" منع إعادة ترميم
قدرات حزب الله، غير أنَّ هذا البند لم يتحقق. فالقرار 1701 لم يحدد الترتيب الذي
يمنع إعادة الترميم وتعزيز القوة. وأيضا البند الذي يتعلق بنقل أسلحة من سوريا إلى
حزب الله أيضا هو لم يطبق. وفعليا، فإنَّ نقل السلاح والوسائل القتالية من سوريا
وإيران إلى لبنان ازداد بعد الحرب، وهو مستمر حتى الآن حسب وجهة النظر الإسرائيلية.
وهذا يعني بأنه لو كانت هناك حاجة لإعطاء علامة لإنجازات إسرائيل الدبلوماسية، لكانت العلامة هي (نجح بصعوبة). في تقرير لجنة فينو غراد، جرت محاولة لعرض القرار
بشكل أكثر إيجابية، ولكن حتى في التقرير، جاءت هناك إشارات استفهام كثيرة. كما هو
معروف، فإنَّ الصيغة النهائية للقرار اتخذت في أعقاب المفاوضات التي جرت بالأخص بين
الولايات المتحدة الأمريكية وبين فرنسا، وعمليّا لم تكن هذه المفاوضات تحت سيطرة
"إسرائيل".
إضافة إلى ذلك، فإنَّه حتى إدارة الرئيس بوش
السابقة الموالية للكيان الصهيوني، لم تنجح
على سبيل المثال في منع ذكر مزارع شبعا. لقد اعترضت "إسرائيل" منذ
بداية الحرب على كل الصفقات التي طرحت من قبل أوساط دولية مختلفة، وتعلقت بتسليم
مزارع شبعا للبنان من أجل تعزيز قوة رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك فؤاد السنيورة،
ومن أجل الوصول إلى سيطرة عملية أكثر لحكومة لبنان على كل مناطق السيادة اللبنانية. "إسرائيل" رفضتْ ذلك، ومع ذلك، فإنَّه حقيقي أن مزارع شبعا ذكرت في
القرار 1701. هذا الأمر لا يمثل كارثة دبلوماسية كبيرة، ولا داعي للمبالغة بأهمية
الموضوع، ولكن بسبب أن هذه المسألة طرحت من قبل الأوساط الاسرائيلية خلال
المفاوضات مع الأمريكيين كمسألة ضرورية، فإنَّه من المهم الإشارة إليها.
من وجهة نظر الدكتور عوديد عيران: لبنان
وفلسطين، وأقصد الدولة الفلسطينية إذا ما قامت، فإنَّهما قد تكونان متشابهتان جدًّا
في المستقبل غير البعيد: دول مجزأة، حكومات لا تسيطر سيطرة كاملة على أراضيها، دول
مع جيران سياسيين وجيران عسكريين أكثر قوة مع جدول أعمال خاص بهم، دول يمكن أن
تنفذ منها عمليات ضد دولة "إسرائيل" بحجة أو بأخرى، أو بسبب قطعة أرض
كهذه أو غيرها. وعندما ستحاول "إسرائيل" الدفاع عن نفسها أمام أوساط
معادية تعمل من أراضي هاتين الدولتين، فإنَّها ستواجه المأزق نفسه والمشكلات نفسها
التي واجهتها في تموز ـ آب 2006.
ولهذا السبب، فإنَّه من الناحية السياسية ترى
"إسرائيل" أنَّه يجب البدء منذ اليوم بالاستعاداد والتخطيط وصياغة
القرار الذي سترغب "إسرائيل" باتخاذه، إذا واجهت الوضع نفسه أمام دولة
اسمها فلسطين. ومن المحتمل أنَّه في حالة فلسطين، ستكون المشاكل مشابهة، وربما تكون
هذه المشاكل ذات درجات خطورة وصعوبة أكبر بكثير.
في حالة لبنان، ركزت "إسرائيل"
عمليّا على ثلاثة مطالب:
أ ـ تطبيق سيادة حكومة لبنان على كل مناطق
الدولة وعلى الحدود.
ب ـ تفكيك بنية حزب الله العسكرية.
ج ـ مرافقة هذه الإجراءات من قبل قوة دولية
ذات صلاحية باستخدام النار، وفقا للفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن.
ويجب أن ندرك بأنَّه وفقا لميثاق الأمم
المتحدة، فإنَّ العمل وفقا للفصل السابع بكل ما يتعلق بعمليات من أجل السلام والأمن
الدوليين، يفرض معاني ملزمة. لهذا السبب، طالبت حكومة لبنان ألا تكون هناك نشاطات
دولية في منطقتها، وفقا للفصل السابع، وتم قبول طلبها. ويشير تقرير لجنة فينوغراد، إلى أنَّ هناك تفسيرا يقول بأنَّ قوة اليونيفيل الجديدة التي انتشرت بعد الحرب في
لبنان فعلا، تعمل وفقا لروح الفصل السابع، ولكنَّ حسب وجهة نظر
"إسرائيل"، فإنَّ هذا الأمر لم يذكر في قرار مجلس الأمن رقم 1701، ولذلك
فإن هذا التفسير غير نافذ وغير ملزم.
طلبت "إسرائيل" بأن توجد هذه
القوة الدولية أيضا على خط الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، قوة دولية
فعالة (ذات أسنان) تمنع عمليات المقاومة.
تطالب"إسرائيل" في حربها
العدوانية الجديدة على لبنان بتعديل القرار 1701، بما يتماشى وأهدافها الاستراتيجية،
لا سيما تصفية بنية المقاومة متمثلة بحزب الله، وتوقيع اتفاق إذعان مع الحكومة
اللبنانية يخدم بشكل رئيس المخطط الأمريكي ـ الصهيوني في إيجاد دولة لبنانية تابعة
لأمريكا و"إسرائيل"، تطبق القرارات الدولية، التي تضمن التفوق الإسرائيلي
في كللا إقليم الشرق الأوسط، بدءا من القرار 425 الذي صدر في أعقاب عملية
الليطاني في عام 1978، مرورا بالقرار لقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن في 2 أيلول/ سبتمبر 2004، الذي يؤكد ضمان انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، وتجريد حزب الله من سلاحه، وصولا إلى القرار 1701، بعد تعديله. هذه هي المسائل التي تواجهها اليوم "إسرائيل"، خصوصا مطالبتها بتعديل القرار
1701.
غير أنَّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه
برِّي، الذي استقبل مؤخرا المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان عاموس هوكشتاين،
الاثنين الماضي، أكَّد أنَّه لن يتم انتخاب
رئيس للبنان تحت النار، وعلى "التزام موقف لبنان الرسمي بالقرار 1701،
بمندرجاته كافة، من دون إدخال أي تعديل عليه".
وفي مؤتمر صحفي ببيروت عقب لقائه بري، أعرب
هوكشتاين عن ما قال؛ إنه التزام بحل النزاع في لبنان وفقا للقرار 1701، وأوضح
هوكشتاين أنَّه "بعد أشهر طويلة من النزاع، لم نتمكن من حله، وأشعر بالحزن حيال
أوجاع لبنان"، في إشارة إلى بداية القصف المتبادل بين جيش الاحتلال
الإسرائيلي، و"حزب الله" في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وحذر من أن "الوضع خرج عن السيطرة،
وربط مستقبل لبنان بالنزاعات ليس في مصلحة اللبنانيين"، زاعما أن "عدم
تطبيق القرار 1701هو سبب احتدام واستمرار هذا النزاع".
أما حزب الله، فهو يؤكِّد أنه يقاوم
الاحتلال الإسرائيلي لمناطق لبنانية.
بينت كل الحروب التي خاضتها "إسرائيل" ضد لبنان، أنها فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى، وأساسها استرداد القدرة الردعية للمؤسسة العسكرية، قد خلّف آثارا وتداعيات بالغة الأهمية والخطورة على طرفي القتال: جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة.
ومنذ عقود تحتل "إسرائيل" أراضي عربية في لبنان وسوريا وفلسطين، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل
حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
خاتمة:
في الحرب الدائرة بين المقاومة اللبنانية
بقيادة حزب الله والكيان الصهيوني منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي حولت جبهة
جنوب لبنان إلى جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة، والتي تتعرض لحرب الإبادة
الجماعية بدعم أمريكي وأوروبي مطلق، تعمل إسرائيل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية،
لا سيما تصفية حزب الله عسكريا أو إضعافه على الأقل، وتجريده من سلاحه، وهي تنفذ
بذلك مخطط الإمبريالية الأمريكية والأنظمة العربية المطلعة مع العدو الإسرائيلي، التي تستعدي بشكل واضح وصريخ كل فصائل محور المقاومة بقيادة إيران.
وبينت كل الحروب التي خاضتها
"إسرائيل" ضد لبنان، أنها فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى، وأساسها استرداد القدرة الردعية للمؤسسة العسكرية، قد خلّف آثارا وتداعيات بالغة
الأهمية والخطورة على طرفي القتال: جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة. فبالنسبة
إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، تبيّن وجود أفكار ومشاريع متعدّدة لتطوير هيكلياته
وبناه التنظيمية، وتبيّن -مجددا- أنَّ الفشل يعني نهاية "إسرائيل"، بحسب العديد من الكتاب والباحثين والمسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين.
كما وإن عدم استرداد قوة الردع سيتيح
استمرار المقاومة في النمو والاستقواء، في مقابل ضمور ثقة الجبهة الداخلية
الإسرائيلية بجيشها، الأمر الذي يعني انكماش المشروع الصهيوني برمته وضموره مع ما
يعني ذلك من تصاعد نسبة المهاجرين المغادرين لإسرائيل على نسبة المهاجرين
الوافدين، وذلك في بحر معادلة قاسية تتشكّل من فجوة نوعية تضيق تدريجيا لصالح
العرب، وفجوة كمية تتسع باستمرار لصالحهم.
وفي ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية بالذات، فإنها منيت بمجموعة من الإخفاقات في المستوى الإستراتيجي ومن أهمها:
1 ـ انهيار نظرية العمق الاستراتيجي التي حاولت إسرائيل
التسويق لها للإبقاء على احتلالها لأجزاء من الأراضي العربية، وخصوصا في فلسطين
ولبنان. وقد ثبت بعد الحرب بأن هذا العمق المطلوب لا يكون في تجاوز الشرعية
الدّولية وتكريس الاحتلال، بل في اتفاقات سياسية تعيد الحق إلى أصحابه.
2 ـ فشل استخباري أدى إلى ارتكاب القيادتين العسكرية
والسياسية أخطاء فادحة في تقويمهما قدرة المقاومة، واستعدادها لإدارة معركة واسعة
النطاق.
3 ـ فشل تكنولوجيا السلاح، ولا سيما في
القوات الجوّية، في حسم الحرب، وفي تحقيق عدد من الأهداف المحددة سلفا. كما فشلت
دبابة الميركافا في حسم الحرب البرية، الأمر الذي أدى إلى انهيار الجهد والمال
المبذولين لتطويرها على مدى أعوام طويلة، مع ما رافقه من إلغاء عقود شراء واستثمار
تساوي مئات الملايين من الدولارات.
4 ـ الفشل في إبقاء المعارك الطاحنة بعيدا عن الجبهة
الداخلية وعن العمق الاستراتيجي حيث الصناعات الحساسة، والفشل أيضا في إنهاء
الحرب في وقت قصير وبأقل الخسائر الممكنة.