كتب

الحرب الإسرائيلية على لبنان والقرار 1701.. قراءة في كتاب (1من2)

تواجه "إسرائيل" اليوم تحديًا أمنيًا ذا معان كبيرة فحرب لبنان الثانية كشفت بصورة واضحة مشاركة إيران كعامل مركزي يقود الحرب ضد "إسرائيل".. الأناضول
تواجه "إسرائيل" اليوم تحديًا أمنيًا ذا معان كبيرة فحرب لبنان الثانية كشفت بصورة واضحة مشاركة إيران كعامل مركزي يقود الحرب ضد "إسرائيل".. الأناضول
الكتاب: "جيش واستراتيجيا في حرب لبنان الثانية"
الكاتب: مجموعة من الباحثين الإسرائيليين (جبرائيل سيبوني وأمير كوليك وغيورا آيلند وموشى كابلينسكي وداني حلوتس وإيال زيســــر)
الناشر: دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أكتوبر 2009
ترجمة: حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين


شهد مسار الحرب بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الإسلامية في لبنان تموجات وتطاحنات دائمة من العدوان طيلة مراحل الحرب الأولى عقب الإجتياح الإسرائيلي واحتلال العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، والحرب الثانية في تموز 2006، إلى واقع حرب اليوم التي أضحتْ أكثر تدميرًا، من حيث الخسائر في الأرواح والأضرار الجانبية وخطر تحولها إلى حرب إقليمية شاملة، هي ستكون كارثية ومكلفة جدًّا لجميع الأطراف.

إضافة إلى ذلك تريد "إسرائيل" إبعاد المقاومين من حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، من خلال تطبيق القرار الأممي 1701 الصادر في شهر أغسطس 2006، والمسِّ بشكل كبير بالقدرات العسكرية التي راكمها حزب الله لمدة عشرين سنة وعلى رأسها قدرات إطلاق الصواريخ .

لأجل دفع حزب الله بالانسحاب إلى شمال الليطاني ووقف النار على المستوطنات والمقرات  العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية في شمال فلسطين، يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح جنوب لبنان عسكريًا برِّيًا، واحتلال شريط حدودي هناك يضم أرضًا واسعةً. فإقامة منطقة عازلة داخل لبنان، ربما كان هذا ممكنًا عقب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، حين كانت المنطقة العازلة تُدَارُ من قبل جيش لبنان الجنوبي (قوات لحد الموالية لإسرائيل)، لكنَّ الوضع يختلف عما كان سابقاً في حرب لبنان، وربما يحتاج جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى ثماني فرق عسكرية في جنوبي لبنان لكي يقيم منطقة عازلة.

لكنَّ الاجتياح البرَي سيكون مكلفًا جدًّا لـ"إسرئيل"، لأنَّ حزب الله سيستخدم تكتيكات حرب العصابات، لإخراج جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسيواصل إطلاق الصواريخ باتجاه شمال ووسط فلسطين المحتلة . حرب كهذه من شأنها أيضًا أن تورط "إسرائيل" في وحل لبناني لأشهر طويلة، دون الوصول إلى حلٍّ.
الحرب في لبنان ليست نزهة بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي،إذْ تعاني "إسرائيل" من قلة في  الدبابات التي دُمِّرَ عددٌ كبيرٌ منها في حرب غزَّة، وكذا نقص في الذخيرة والجنود، وهناك تقارير عن نقص في قطع الغيار والتي لن تُعَوِضَ بشكلٍ سريعٍ مع توسع الحرب إلى لبنان.إضافة لكل ذلك،فإنَّ الحرب في لبنان ستكلِّفُ "إسرائيل" ما بين (20 ـ 100 مليار شيكل)، أي (ما بين 5 إلى 25 مليار دولارأمريكي). هذا متعلق فقط بمدة الحرب وإذا كان دخول برِّيٌ أم لا. الحرب مع حماس كلفت حتى الآن نحو 110 مليارات شيكل،(أي حوالي 30مليار دولار أمريكي). وهكذا، فإِنَّ الحرب في جبهة الشمال بسهولة يمكن أن تضاعف تكلفة الحرب.

إنَّ حرب لبنان الثانية وفرت لـ"إسرائيل" ولحزب الله نموذجًا صغيرًا لقدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ ضربة كهذه، وبعد ثلاث سنوات من الحرب تتضح بعملية بطيئة ودائمة صورة هذه الحرب.
يعتقد حزب الله أنَّ الحلَّ الوحيد لتفادي الحرب الإقليمية الشاملة، يتطلب من "إسرائيل" التوصل مع حركة حماس إلى اتفاقٍ لوقف الحرب في غزَّة، ذلك هو الشرط الرئيس الذي يضعه الحزب لوقف النار مع الكيان الصهيوني في الجبهة الشمالية. ولا يبدو في هذه اللحظة أنَّه يوجد أمام "إسرائيل" خيار آخر. أما الانسحاب وراء نهر الليطاني فهو مرتبط بإيجاد تسوية إقليمية لكل أزمات المنطقة.

هذا الكتاب الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في دولة " إسرائيل "هو عبارة عن ندوة خاصة عُقِدَتْ  في  12 تموز 2009 بمناسبة مرور ثلاث سنوات على حرب لبنان الثانية تموز 2006 ، وذلك كجزء من برنامج الابحاث العسكرية للمعهد الذي يهدف منظموه الى توسيع وتعميق النقاش العام حول مواضيع الجيش والاستراتيجية العسكرية داخل الكيان الصهيوني.

كل حرب هي حدث تاريخي ذو ميزات وظروف خاصة، ولذلك فإنَّ القدرة على استخلاص العبر المناسبة منها للمستقبل قد تكون ضعيفة، ومع ذلك فإنَّ الطابع الاساسي للتهديد الذي واجهته اسرائيل في صيف 2006 لم يتغير. وبالاضافة الى ذلك فإنه بنظر الكثيرين في العالم العربي أعطت الحرب شهادة صلاحية لنموذج المقاومة ـ المقاومة التي رسمها حزب الله والتي برزت في حرب لبنان الثانية. وجوهر هذا النموذج هو ضرب المؤخرة الداخلية الاسرائيلية بواسطة إطلاق واسع للصواريخ والتسبب بوقوع إصابات كثيرة قدر الإمكان بين قوات الجيش الإسرائيلي التي تحاول إيقافه. وقد تم نقل هذا النموذج إلى قطاع غزَّه بواسطة حماس،وأجزاء مركزية منه يتم تطبيقها من قبل الجيش السوري.

وهكذا فإنَّه بالاضافة إلى الظروف والعبر النوعية التي يمكن استخلاصها من الحرب، فإنَّ هذه المجموعة من الأبحاث تحاول وضع أساس صلب أكثر من القائم حتى اليوم لدراسة عِبَرِ تلك الحرب في مجالات الفعل المختلفة  وفق مقولة ليدل هارت ليس من أجل أن نكون واعين أكثر في المرَّة القادمة، وإنَّما من أجل أن نكون أكثر حكمةً دائمًا.

حرب لبنان الثانية عِبَر على المستوى الاستراتيجي

في بحث الدكتور جبرائيل سيبيوني: رئيس برنامج البحوث العسكرية في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يتناول حرب تموز 2006، فيقول : الحرب وضعت أمام الجمهور في إسرائيل صورة واضحة لتهديد حزب الله  الذي تغير بشكلٍ حادٍ. فقبل الحرب ركز الجيش الاسرائيلي عملياته في القتال ضد المقاومة الفلسطينية، وفي محاولة بناء مفهوم قتالي جديد مقابل تهديد عسكري كلاسيكي، ولكن الحرب كشفت تهديد النار متصاعدة المسار بكامل قوته.

كانت حرب لبنان الثانية بمثابة صرخة لدولة "إسرائيل" لتكتشف أنه رغما عنها أرسلت إيران أذرعا عميقة إلى داخل لبنان، وخلال ذلك كانت تعد الارضية لإرسال ذراع آخر إلى داخل غزة، وعلى ما يبدو أن العدو فقد الأمل من قدرته على احتلال الدولة أو أجزاء منها ووجه نشاطه نحو بناء قدرة إطلاق نار متصاعدة المسار بأحجام كبيرة، وذلك بإدخال معظم سكان "إسرائيل" إلى داخل مجال القتال .

ويستشهد الباحث جبرائيل سيبيوني بما جرى في الحرب العالمية الثانية التي دارت بقوة كبيرة في الجبهة العسكرية والجبهة المدنية (الداخلية)على حد سواء، حيث أنَّ فهم تشرشل للمستقبل المتوقع دفعهُ لإلقاء خطابه الشهير الذي حاول فيه إعداد مواطني بريطانيا للمستقبل الصعب الذي ينتظرهم، ومثل هذا الإعداد كان ينقص المستوطنين في داخل الكيان الصهيوني الذين اعتادوا على مدى سنوات على حروب كان مجالها الجبهة العسكرية لوحدها، وحاليا اكتملت دائرة التغيير وأُعِيدَتْ "إسرائيل" إلى طابع الحرب تلك وأصبحت الجبهة الداخلية هدفًا شرعيًا ورئيسيًا بنظر المقاومة اللبنانية.

هذا التغيير هو تغيير استراتيجي، عملي وتكتيكي، وأبعاده أوسع من مستوى عقيدة أعداء إسرائيل حتى في مجال بناء قوتهم. وبالإمكان التفكير حول حجم المعاني لو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قرَّر من ناحيته اتخاذ مثل هذا التغيير، وفي نهاية الأمر فإنَّ استخدام القوة من جانب المقاومة اللبنانية يبدو بسيطًا وواضحًا ويستند على الثروة الاستراتيجية الدائمة الخاصة بها وهي العمق والمساحة.

يكمن في هذا التغيير فهم عميق آخر وهو فهم حزب الله بأنَّ جيش الاحتلال الاسرائيلي لن يبقى في مناطق يدخل إليها، وفهم آخر بأن طول نفس حزب الله أكبر، بشكل لا يقدر، من طول نفس جيش الاحتلال الإسرائيلي.

يعتقد حزب الله أنَّ الحلَّ الوحيد لتفادي الحرب الإقليمية الشاملة، يتطلب من "إسرائيل" التوصل مع حركة حماس إلى اتفاقٍ لوقف الحرب في غزَّة، ذلك هو الشرط الرئيس الذي يضعه الحزب لوقف النار مع الكيان الصهيوني في الجبهة الشمالية. ولا يبدو في هذه اللحظة أنَّه يوجد أمام "إسرائيل" خيار آخر. أما الانسحاب وراء نهر الليطاني فهو مرتبط بإيجاد تسوية إقليمية لكل أزمات المنطقة.
خرجت "إسرائيل" في حرب لبنان الثانية بدون فهم مناسب للتهديد الذي شكله  حزب الله ومعانيه، وقادت أجهزة الإعلام وصحفيون وقادة سابقون في جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة جلد الذات، وتنافسوا فيما بينهم من يوجه انتقادات أكثر حدة لجيش الاحتلال، وأكثر ما فعلت كانت لجنة (فينوغراد)، حيث أنَّها حددت بأنَّ الجيش الإسرائيلي لم ينتصر في الحرب ولا حتى في النقاط، بدون أن تجري استيضاحا حقيقيا ومهنيا بشأن تغيير التهديد ومعانيه، وبدون أن تحدد مفاهيم الانتصار والحسم .

ويؤكد الباحث جبرائيل سيبيوني، أنَّ الحرب كشفتْ إخفاقات لا يستهان بها في جاهزية جيش الاحتلال الإسرائيلي للتنافس في مواجهة واسعة الحجم مقابل التهديد المكثف. هذه الإخفاقات نبعت ليس فقط من نقص الموارد المناسبة لبناء قوة عسكرية جديرة، وفعلا غابت هذه الموارد. نبعت الإخفاقات أيضا من فهم ومفهوم واضحين للتنافس مع تهديد مختلف،والجيش الإسرائيلي لم يكن الجهة الوحيدة التي فوجئت، فمستوطنوا "إسرائيل" اكتشفوا أنَّهم جزء من جبهة قتال فاعلة وحقيقية هي الجبهة الداخلية.

وتواجه "إسرائيل" اليوم تحديًا أمنيًا ذا معان كبيرة، فحرب لبنان الثانية كشفت بصورة واضحة مشاركة إيران كعامل مركزي يقود الحرب ضد "إسرائيل". فبرنامج إيران النووي هو الذراع الاستراتيجي لهذا النضال إلى جانب سعي إيران لإقامة مواقع قتالية وعملية إيرانية بواسطة حزب الله في الشمال وحماس في قطاع غزة وفي المستقبل أيضا في منطقة الضفة الغربية. ومثل هذه المواقع تشكل تهديدًا تقليديًا لا تقل قوته على مدى الزمن عن قوة التهديد النووي.

منذ الحرب درسوا في "إسرائيل" عبرًا لا يستهان بها، وواضح حاليًا للمستوطنين  في "إسرائيل" بأنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع إيقاف إطلاق النار بواسطة ضرب قدرات إطلاق النار الخاصة بالمقاومة ، فهذه كثيرة وموزعة. يستطيع جيش الاحتلال الإسرائيلي ضرب قدرات كثيرة وثقيلة الوزن، وخلال ذلك  يخرج مناطق مختلفة في "إسرائيل"من دائرة التهديد، ولكن ستبقى لحزب الله  قدرات إطلاق نار كافية ويستطيع استخدامها حتى ساعات القتال الأخيرة، وفي أعقاب هذا الإدراك يتطور مفهوم رد مركب من عدة لبنات لحماية الجبهة الداخلية.

وهذا يتطلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي تحقيق إنجازين رئيسيين:

ـ الأول: تقليص ضرر حرب مستقبلية، ومن أجل هذا يتدرب الجيش الإسرائيلي لاستخدام الأداتين الرئيسيتين الموجودتين في حوزته وهما دمج المناورة والنيران.

ـ الثاني: هو ضربة نارية مدمرة ومؤلمة تترك حزب الله مشغولاً سنوات طويلة في إعادة إعمار مكلفة ومستهلكة للموارد. وفي الوقت نفسه تترك في ذاكرته معرفة ثمن تحدي "إسرائيل". هكذا يمكن افتراض أنه سيتم تأجيل المواجهة القادمة إلى سنوات.

ينهي الباحث جبرائيل سيبيوني بحثه بالقول إنَّ حرب لبنان الثانية وفرت لـ"إسرائيل" ولحزب الله  نموذجًا صغيرًا لقدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ ضربة كهذه، وبعد ثلاث سنوات من الحرب تتضح بعملية بطيئة ودائمة صورة هذه الحرب. فرغم غياب الجاهزية ورغم شروط البدء والعيوب التي ظهرت بعملية جيش الاحتلال الإسرائيلي فإنَّه نجح في أن يوفر لدولة "إسرائيل" إنجازًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى. كما أنَّ مستوى أداء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحرب أحبط المستوطنين في "إسرائيل" ولكنه وفر إنجازا لا يستهان به، فإلى جانب ردع حزب الله تم كشف التهديد بمجمل أبعاده وأتيح لجيش الاحتلال الاسرائيلي المجال لتخطيط الرد العملي المستقبلي مقابل أي تهديد حقيقي.
التعليقات (0)