كتب

كتاب جديد يوثق لتأسيس الحركة الإسلامية في اليمن ودفاعها عن الجمهورية

 إن الحركة الإسلامية في طورها التأسيسي ذاك قامت على عدد من الروافد فهي إخوانية الفكر والتنظيم، جماهيرية الدعوة والحركة، نهلت من روافد وطنية على امتداد الجغرافية اليمنية باتجاهاتها الأربع، وروافد عربية وإسلامية.
إن الحركة الإسلامية في طورها التأسيسي ذاك قامت على عدد من الروافد فهي إخوانية الفكر والتنظيم، جماهيرية الدعوة والحركة، نهلت من روافد وطنية على امتداد الجغرافية اليمنية باتجاهاتها الأربع، وروافد عربية وإسلامية.
الكتاب: الإسلاميون في اليمن والدفاع عن الجمهورية
الكاتب: سعيد ثابت
الناشر: مكتبة الأسرة العربية ـ إسطنبول ـ 2024


هذا الكتاب الثالث ضمن سلسلة أوراق من التاريخ السياسي اليمني المعاصر، وميدانه المساحة الجغرافية التي حكمتها الدولة الشطرية في شمال اليمن، بعد إسقاط النظام الإمامي الملكي خلال الفترة من 1962 حتى 1970، وهي فترة حافلة بالأحداث الجسام، من قيام الثورة اليمنية التي أطاحت بأسوأ نظام سياسي حكم البلاد عقودا ممتدة، واعتمد على مقولات دينية محرفة، وبنى حكمه على جدران العزلة وأركان الاستبداد ونشر دياجير الجهل والفقر والمرض. 

ومن الموافقات، أن قيام الثورة الجمهورية في 26 أيلول/ سبتمبر 1962، تزامن مع تشكّل نواة الحركة الإسلامية الوطنية في الوسط الطلابي في مصر، من خلال حركة الطليعة العربية الإسلامية، ثم تشكّل رافدان أساسيان للحركة الإسلامية؛ الأول: المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي في عدن، والثاني: المركز الإسلامي في تعز، وقبلهما واجهة حزب الله الذي أسسه الشهيد محمد محمود الزبيري في محافظة صنعاء وضواحيها، وأراده تجمعا مفتوحا لكل المؤمنين بضرورة إصلاح العهد الثوري الجمهوري، وتحقيق السلام والاستقلال في ربوع مناطق شمال البلاد، وهو تجمع ضم شبابا من الطلاب الذين كانوا في صفوف الطليعة العربية الإسلامية، إلى جانب شيوخ قبليين مستقلين وأفراد من حزب البعث.

من الموافقات، أن قيام الثورة الجمهورية في 26 أيلول/ سبتمبر 1962، تزامن مع تشكّل نواة الحركة الإسلامية الوطنية في الوسط الطلابي في مصر، من خلال حركة الطليعة العربية الإسلامية، ثم تشكّل رافدان أساسيان للحركة الإسلامية؛ الأول: المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي في عدن، والثاني: المركز الإسلامي في تعز، وقبلهما واجهة حزب الله الذي أسسه الشهيد محمد محمود الزبيري في محافظة صنعاء وضواحيها.
هذه المرحلة التأسيسية، يثار حولها الكثير من الأسئلة والاستفسارات، بسبب ما التبس على ذلك العهد من تداخلات واستقطابات وتنازعات، لكن يمكن بالإجمال القول؛ إن الحركة الإسلامية في طورها التأسيسي ذاك، قامت على عدد من الروافد؛ فهي إخوانية الفكر والتنظيم، جماهيرية الدعوة والحركة، نهلت من روافد وطنية على امتداد الجغرافية اليمنية باتجاهاتها الأربع، وروافد عربية وإسلامية. وراعت التنوع الفكري والمذهبي والقبلي والجغرافي عند تشكل أطرها وتكويناتها الأولى، وأخذت بمنهج التدرج في التشكّل والتكوين ثم التمدد والانتشار، وبنت استراتيجيتها منذ اللحظة الأولى على مبدأ المشاركة، لا المغالبة في تعاملها السياسي، وانتظمت في النشاط الاجتماعي والتربوي والتعليمي.

رأيت في هذا الكتاب، أن أبدأ بعرض المشهد العام عن قيام النظام الجمهوري في صنعاء، وما تعرضت له الثورة اليمنية من مؤامرات وعدوان لإجهاضها وإفشالها، كما حدث في ثورتي 1948 و1955، وتغذية الحرب الأهلية وقادها الملك/ الإمام المخلوع محمد يحيى حميد الدين وأفراد أسرته على مدى ثماني سنوات تقريبا، وهو مشهد يقرّب للقارئ الذي لم يعش تلك المرحلة التاريخية المحيط الإقليمي الذي عاش النظام الجديد وسطه، وهو محيط معاد إلى حدّ كبير، كان يرى في نجاح الثورة الجمهورية فألا سيئا لمصيره، ومهددا لاستقراره وبقائه!

نتيجة عدوانية المحيط الإقليمي، ترددت كثير من الدول وخاصة الغربية في الاعتراف بالنظام الجمهوري الجديد في صنعاء، بل إن بعض الأنظمة العربية التي كانت ترفع شعار التقدمية مثل نظام دمشق، كان رئيسها يبدي مخاوفه من الاعتراف، حتى لا تتوقف بعض الدول عن تقديم التمويل والقروض والمساعدات لبلده!

سنحاول في المدخل التمهيدي تفنيد مزاعم رفض الإخوان المسلمين في الوطن العربي للنظام الجمهوري في اليمن، ونورد موقف ممثلي حركة الإخوان المسلمين في الحكومة السورية، التي تشكلت قبل قيام الثورة اليمنية بأسبوع واحد. وتكمن أهمية موقف الإخوان السوريين من النظام الجمهوري اليمني الوليد، لما يحمله من دلالة تنظيمية أخرى، فمن المعروف أن التنظيم الإخواني السوري في تلك الفترة، كان يشرف وينسق عمل التنظيمات الإخوانية العربية من خلال المكتب التنفيذي للإخوان في البلاد العربية، في ظل اعتقال القيادة المركزية بمصر في تلك الفترة، مما يعني ذلك الموقف تأييد الإخوان المسلمين في كل الأقطار العربية لقيام نظام يمني جمهوري على أنقاض نظام إمامي طائفي قمعي وفاسد.

وهناك أيضا شاهد تاريخي آخر رواه المستشار حسن العشماوي، وأحد ضباط الاتصال بين الإخوان المسلمين وتنظيم الضباط الأحرار في مصر، أن الفضيل الورتلاني ظل يحمل في رأسه فكرة معاودة إسقاط نظام الحكم الإمامي الكهنوتي في اليمن بعد فشل ثورة 1948 الدستورية، وبعد السماح بدخول مصر بعد نجاح ثورة تموز/ يوليو 1952، نسج صلات طيبة بالرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وأن الفضيل الورتلاني طالما حدّث وألحّ على عبد الناصر بفكرة إسقاط نظام الحكم الإمامي الكهنوتي في اليمن، لكن عبد الناصر كان يرفضها لأسباب كثيرة في تلك الفترة.

الكتاب يشتمل على ستة فصول وخاتمة إلى جانب المقدمة والمدخل التمهيدي، سنفرد الفصل الأول لبحث علاقة حزب الله الذي أسسه الشهيد محمد محمود الزبيري بالإخوان المسلمين؛ لأهمية هذه الجزئية التي لا تزال تثير كثيرا من الجدل والسجال، وأيضا تسبّب التباسا عند بعض الباحثين، الذين قد يقعون في فخ التبسيط أو التعميم، ونتطرق إلى الظروف التي تأسس حزب الله في سياقها، وارتباط الحزب بظرف سياسي طارئ في البدء، جاء استجابة لمقررات مؤتمر عمران الشهير، ونقف أمام التعريف الذي قدمه الزبيري لحزب الله، لنعرف طبيعة هذا الحزب ومبرر تأسيسه ووجوده.

وسنتطرق إلى العملية الناجحة لتفكيك الحزب بعد استشهاد الزبيري مباشرة، ودور شخصيات من حزب البعث فيها، رغم أن شباب الإخوان ظلوا أوفياء لنهج الشهيد الزبيري، واقتفوا خطاه في نشاطهم اللاحق في مدينة صنعاء، من خلال إقامة أسر وحلقات تنظيمية محدودة ومتواضعة.

ومن المهم أيضا البحث حول جريمة اغتيال الأستاذ محمد محمود الزبيري وتداعياتها، وسنقدم بعض مقتطفات الرسالة/ الوثيقة التي كتبها الشهيد الزبيري للشيخ ناصر علي البخيتي، وملابسات ما تضمنته من إشارات.

في هذا الفصل أيضا، سنتحدث عما أفرزه مؤتمر خمِر من نتائج بينها تشكيل حكومة برئاسة الأستاذ أحمد محمد نعمان، وفي هذه الحكومة شارك لأول مرة الأستاذ عبد المجيد الزنداني فيها بمنصب نائب وزير، وتعد أول مشاركة سياسية للإخوان قبل اكتمال تأسيس التنظيم وإعلانه، كما أن في هذا الفترة، يعود إلى اليمن الأستاذ عبده محمد المخلافي إلى اليمن بعد اعتقاله مع الأستاذين عبد السلام خالد كرمان وسعيد فرحان عيد السلام في مصر بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين، ثم إبعادهم، وسنتناول مشاركة عبده محمد المخلافي وسعيد فرحان في أعمال مؤتمر الجنَد التاريخي، الذي جاء ليؤكد رفض كل محاولات تفريغ النظام الجمهوري الوليد، ومحاولة وضعه في مرمى المساومات الإقليمية، ولم يشارك الإخوان في غير هذا المؤتمر وقبله مؤتمر عمران، وبعودة المخلافي ورفيقيه إلى جانب وجود الزنداني وآخرين في صنعاء، كانت البداية الأولى لوضع البذرة التنظيمية للحركة الإسلامية، وبعد بضع سنوات تفتحت وأزهرت وأثمرت لتستوي على سوقها فيما بعد حركة ذات هياكل ومناهج ومؤسسات.

سيتناول الفصل الثاني مجاهدات جيل التأسيس في بناء التنظيم المنشود في التوجه نحو تفعيل مؤسسات ومراكز تربوية أو ثقافية، مثل المركز الإسلامي في تعز وتكوين ما يسمى (بالمنزلة) أو رباط علم كانت ملحقة بالجامع الكبير بصنعاء، وتشكل أول حلقة تربوية ستصبح فيما بعد بمنزلة نواة لعمل تنظيمي، إلى جانب النشاط الدعوي في المدارس والمساجد، من دون صبغ هذا النشاط بالمسحة التنظيمية.

وسنحاول التوقف أمام عملية الإحياء التي قادها الأستاذ عبده محمد المخلافي للمركز الإسلامي في تعز، إلى جانب عمله مديرا لمكتب التربية والتعليم في أكبر محافظة يمنية من ناحية عدد السكان والمدارس في تلك الفترة، ولوجود عدد من السفارات والقنصليات بسبب وضع العاصمة صنعاء الأمني، الذي كانت تعيشه جراء الحروب والأعمال التخريبية التي شنها مسلحو العهد البائد، فلقد كان هذا المركز بمنزلة المحضن الأول لتكوين عدد من أبناء الحركة الإسلامية، ولوجود نظام أساسي وزع المهام وحدد الوسائل لنشاطه وعمله، واعتمد المركز ذات الشعار الذي رفعته كتيبة الشباب اليمني قبل نحو ربع قرن في العام 1940، ومن الموافقات اللطيفة، أن الإخوان المسلمين في شمال البلاد في الوقت الذي بدؤوا بإحياء المركز، كان إخوانهم في جنوب البلاد يستحصلون على ترخيص بافتتاح مركز إسلامي يهتم بالنواحي الثقافية والاجتماعية، ويكون بمنزلة واجهة للنشاط الدعوي والحركي، ومن المركزين امتدت أول قناة تواصل تنظيمية في الداخل اليمني، رغم اختلاف النظامين السياسيين إبان تلك المرحلة.

وفي ثنايا هذا الفصل، سنبرز بعض الملامح القيادية للأستاذ عبده محمد المخلافي، وتأثيره في الأوساط الاجتماعية المختلفة، وقدرته على الكسب والاستيعاب، وخدمة الآخرين، وتحييد الخصوم، ونسج العلاقات إلى غير تلك الصفات القيادية التي جعلته متصدرا المشهد العام في بيئة محافظة تعز؛ باعتبارها كانت العاصمة البديلة للنظام الجمهوري، وامتد تأثيره إلى العاصمة صنعاء وخاصة في وسط المشايخ القبليين، والقيادات العسكرية. وسنتطرق إلى الانتكاسة التي شهدها الصف الجمهوري؛ جراء الخلافات العاصفة داخل المعسكر الجمهوري وتداعياتها، لتصل إلى حدّ اعتقال السلطات المصرية العشرات من أعضاء المجلس الجمهوري وأعضاء حكومة الفريق العمري، وقادة عسكريين وأمنيين ومشايخ قبليين بعد ذهابهم إلى القاهرة، ثم قرار حل حكومة الفريق حسن حسين العمري وهو في القاهرة، وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة الرئيس الأسبق المشير عبد الله السلال، وما رافق ذلك من مطاردات واعتقالات ومحاكمات وإعدامات، وسنحرص على إيراد شهادة لوزراء معتقلين في السجون المصرية عن المعتقلين من حركة الإخوان المسلمين المصريين، الذين كانوا بمنزلة نوافذ يطل الوزراء المعتقلون على العالم.

سيتطرق الفصل الثالث إلى الابتلاءات التي تعرض لها جيل التأسيس على مشارف العهد الجمهوري الثاني، باستعراض عواصف المؤامرات التي أحاطت بالنظام الجمهوري، التي كادت أن تطيح بالثورة وتنهي الجمهورية جراء التنازع والخلاف في الصف الحاكم، وتغوّل عناصر المخابرات المصرية برئاسة المشير عبد الحكيم عامر، في مفاصل مؤسسات الحكومة والقوات المسلحة، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس المشير عبد الله السلال رحمه الله بانقلاب أبيض، ومن خلال تفاهمات سبقت العملية، وسنورد كذلك مجموعة شهادات لشخصيات مختلفة صنعت تلك الأحداث.

يتطرق الفصل الثالث إلى الابتلاءات التي تعرض لها جيل التأسيس على مشارف العهد الجمهوري الثاني، باستعراض عواصف المؤامرات التي أحاطت بالنظام الجمهوري، التي كادت أن تطيح بالثورة وتنهي الجمهورية؛ جراء التنازع والخلاف في الصف الحاكم، وتغوّل عناصر المخابرات المصرية برئاسة المشير عبد الحكيم عامر في مفاصل مؤسسات الحكومة والقوات المسلحة، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس المشير عبد الله السلال رحمه الله بانقلاب أبيض، ومن خلال تفاهمات سبقت العملية.
أما الفصل الرابع، سيكرس لمرحلة العهد الجمهوري الثاني، وفيه كثّف فلول النظام الملكي الإمامي الطائفي البائد عملياته العسكرية مستغلا انسحاب القوات المصرية من اليمن، وهزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وقيامهم بإطباق حصار كامل على صنعاء، مع قصف مدفعي متواصل من الجبال المحيطة بصنعاء، وتصعيد عمليات التخريب داخل المدن الرئيسية، وتنفيذ اغتيالات بهدف إسقاط الثورة والجمهورية، وفق قراءة مفادها أن الجمهوريين في حالة انقسام وضعف؛ جراء تنازع الإرادات في صفوفهم، وأنهم لن يستطيعوا الصمود بعد خروج القوات المصرية، وفي ظل هذه الظروف السياسية والعسكرية والأمنية القاسية، كان الجيل المؤسس لحركة الإخوان المسلمين ينشر أشرعة العمل الحركي الإسلامي بصبر وثقة وتؤدة، وفي ذات الوقت، التحموا وشاركوا بفعالية مع بقية فصائل الحركة الوطنية من مختلف التوجهات السياسية بتأسيس مقاومة شعبية في تعز لمواجهة الحصار العسكري الغاشم على صنعاء، وتجنيد القادرين على حمل السلاح للتصدي لفلول النظام البائد.

وكان عبده محمد المخلافي حينها عضوا في مجلس قيادة المقاومة الشعبية بمحافظة تعز، التي كان يرأسها المقدم محمد الإرياني والرائد عبد الله الحمدي نائبا له، والملازم أول أحمد محمد غانم رئيس عملياتها. وفور انتصار الثورة ودحر فلول الإماميين، وفك الحصار عن صنعاء، كثف المنهزمون من عناصر الإمامة بث إشاعاتهم ودعاياتهم في أوساط الرأي العام اليمني ضد النظام الجمهوري، وأن الجمهورية جاءت ضد الإسلام، ونشر الفساد الأخلاقي والاجتماعي، فتصدت الحركة الإسلامية لهذه الحملات، استمرارا لمهمتها التي بدأتها منذ اليوم التالي لقيام النظام الجمهوري عام 1962، عندما تصدر عبد المجيد الزنداني بإعداد وتقديم البرنامج الإذاعي (الدين والثورة) من إذاعة صنعاء، فقد استهل عبده محمد المخلافي منذ اليوم التالي لفك الحصار عن صنعاء بسلسلة مقالات من صحيفة الجمهورية بعنوان (دين لا كهانة)، ركز فيها على تجلية كثير من المفاهيم، وتفنيد المزاعم والأكاذيب التي يسوقها التيار الإمامي الطائفي ذي النزعة الكهنوتية، وكان هذا الذي قام به ذا أهمية كبيرة في معركة الوعي، خاصة إذا عرفنا أن المهزوم عسكريّا يلجأ دوما إلى نشر الإشاعات وتسويق الأكاذيب؛ بهدف تعويض هزيمته بمحاولة بث التشكيل في صفوف خصمه، وإحداث أي ثغرة يستطيع من خلالها العودة، واستئناف نشاطه التخريبي عسكريّا وأمنيّا.

وسيتضمن هذا الفصل أهم ملمح من ملامح تلك الفترة، وهو توافق الجيل المؤسس على اختيار الأستاذ عبده محمد المخلافي، ليكون أول مراقب عام للإخوان المسلمين بعد زيارة قام بها عبد المجيد الزنداني إلى تعز، وبمناسبة الحديث عن المخلافي والزنداني، فقد كانا يمثلان ثنائيّا مميزا في مرحلة نشأة وتأسيس الحركة الإسلامية، ويتكاملان بإيجاد شخصية شعبية دعوية وحركية تنظيمية. وقد شهدت عملية تولي عبده محمد المخلافي قيادة الحركة الإسلامية في مرحلتها التأسيسية نثر بذور العمل التنظيمي ريّا وحرثا واستصلاحا، تربية ودعوة وإرشادا.

ومن الضروري هنا التطرق في الفصل الخامس إلى أحداث آب/ أغسطس 1968 الدامية داخل مؤسسات الجيش في صنعاء، لما تركته من تداعيات سحبت نفسها على مجمل العلاقات السياسية داخل منظومة الحكم الجمهوري، فقد كان الطرف المهزوم عسكريّا فيها، يستمد من تلك الأحداث مبرر تمرده واستقطاب الأفراد، وكسبهم إلى كيانات مسلحة لمعارضة ومقاومة سلطة المنتصر، وهو ما شهده العقد السابع من القرن الماضي من تمردات مسلحة وتناسل تنظيمات وجبهات عسكرية، غلفت نفسها بلافتات ورايات مختلفة، أسفر عما يسمى بأحداث المناطق الوسطى، وأثر سلبا على علاقات القوى السياسية والاجتماعية، وهو ما سنتطرق إليه بإذن الله في الكتاب الرابع.

في هذا الفصل، سنتناول مقدمات تفجر أحداث آب/ أغسطس، ونورد شهادات لشخصيات مثلت أطرافا رئيسية فيها، كما سنحاول الإشارة إلى تزامن تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري من رحم حركة القوميين العرب مع اندلاع تلك الأحداث الدامية، بحسب شهادة أحد قيادي الحزب، ونتتبع أيضا معظم الروايات التي تم تداولها عن مسار الأحداث الدامية.

لقد آلت تلك الأحداث انقساما في الصف الوطني وتمزقا في النسيج الاجتماعي، استمر لأكثر من عقدين من الزمان، رغم محاولات العقلاء من النخبة الحاكمة في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، بردم الهوة وتجسير الانشقاق وإصلاح ما فسد وتقويم ما اعوج. ونود هنا أن نشير إلى ترابط الأحداث في اليمن شمالا وجنوبا وتشابهها، مما ينسف مزاعم ودعاوي التيار الانعزالي والانفصالي.

ففي ذات العام، نشأ صراع عنيف داخل مؤسسات الدولة الناشئة في عدن، أسفر عن حركة الجيش في آذار/ مارس 1968 وما تبعها من حركة مضادة في أيار/ مايو، وانقسام التنظيم الحاكم أدى إلى الانقلاب الأول في 22 حزيران/ يونيو 1969، وسيطرة التيار الماركسي داخل تنظيم الجبهة القومية، وإقصاء الإصلاحيين في الجبهة، وكانت أيضا صنعاء تعيش صراعا داميا داخل النخبة الحاكمة للجمهورية الثانية، التي أطاحت بحكم الرئيس المشير عبد الله السلال، وتفجر هذا الصراع على هيئة أحداث دامية داخل مؤسسة الجيش، بين طرفين ذي هوية سياسية حزبية بين البعث والماركسيين في الظاهر وفي الباطن، كان الخطاب الطائفي والمذهبي سلاحا جاهليا لتبرير اصطفافات الطرفين.

لأن كتابنا يتناول صفحات من تاريخ الحركة الإسلامية اليمنية، سنحرص على أن نتتبع جذور وبدايات الحملات التي شنها البعثيون، الذين كانوا مرتبطين بالقيادة القومية في دمشق ضد الإخوان المسلمين، وسنورد رواية أحد مؤسسي الحزب في اليمن وعضو القيادة القومية، في مذكراته عن لقائه ميشيل عفلق قبل حركة 1948 الدستورية في صنعاء ببضعة شهور، وتحذير الأخير له من الإخوان المسلمين.
وفي خضم هذه الأحداث، سنبحث عن موقف الإخوان المسلمين من تلك الأحداث، فبحسب شهادات عدد من جيل التأسيس، كان النأي بالنفس عن حمى الاستقطاب بين الطرفين هو القرار المعتمد، والوقوف على مسافة واحدة بينهما، والسعي إلى التقريب والتصالح، مع إدانة الخطاب المثير للشحن الطائفي والمذهبي، واستنكار الجرائم التي صاحبت أو أعقبت تلك الأحداث.

وفي الفصل السادس وهو الأخير من هذا الكتاب، سنتناول قصة أول مجلس تشريعي للنظام الجمهوري في شمال اليمن، ولأول مرة تشهد البلاد حراكا سياسيًا بين الفئات الاجتماعية والأحزاب السياسية، رغم حظر أنشطتها العلنية، والمكونات النقابية والتشكيلات القبلية، وكان الخطاب السائد من جميعها تدين الحزبية والأحزاب، لكنها لم تتورع عن أن تحافظ على وجودها كقوى حزبية، وسنبحث عن أسباب ذلك في السياق التاريخي يومها، وسنرصد أول المواقف العدائية العلنية بين الأحزاب والحركات.

ولأن كتابنا يتناول صفحات من تاريخ الحركة الإسلامية اليمنية، سنحرص على أن نتتبع جذور وبدايات الحملات التي شنها البعثيون الذين كانوا مرتبطين بالقيادة القومية في دمشق ضد الإخوان المسلمين، وسنورد رواية أحد مؤسسي الحزب في اليمن، وعضو القيادة القومية في مذكراته عن لقائه ميشيل عفلق قبل حركة 1948 الدستورية في صنعاء ببضعة شهور، وتحذير الأخير له من الإخوان المسلمين.

وكذلك سنورد مواقف وأحداثا تكشف عن حالة التوجس والارتياب والقلق من قوى حزبية، بدءا من مرحلة ما بعد مؤتمر خمِر، مرورا بقيام المؤتمرات التي مهدت لاختيار ممثلي المجلس الوطني، ثم المؤتمر الأول للاتحاد العام لطلبة اليمن في صنعاء، الذي قال عنه الرئيس الأسبق عبد الرحمن الإرياني؛ إن المشرفين عليه كانوا من البعث السوري أيام صلاح جديد ونور الدين الأتاسي، ووصف تلك الفترة أنها تمثل قمة التطرف في سوريا، وأكد أن البعثيين العراقيين وغيرهم من الطلاب المنتمين إلى أحزاب أخرى، باستثناء الشيوعيين قاطعوا أعمال هذا المؤتمر الذي شن بيانه الختامي هجوما قاسيا على حركة الإخوان المسلمين في اليمن، وعبّر عن قلق المؤتمرين من "تحركات رجعية محمومة"، حسب وصفه.

وسنتطرق أيضا إلى دخول الأستاذ عبده محمد المخلافي أول مراقب عام للإخوان المسلمين إلى المجلس الوطني، وتوليه العضوية الأساسية في اللجنة الدستورية، ورئاسة لجنة التربية والتعليم والعدل والصحة والأوقاف والزراعة، وسنحاول تقديم مقاربة تفسيرية لاختيار المخلافي في هذه اللجان، وفي ختام الفصل، سنتحدث عن استشهاد الأستاذ عبده محمد المخلافي في حادث مروري، ما زال الكثير من الغموض والتساؤلات التي لم تجد لها إجابة شافية حول ملابسات الحادث، وما أحدثه رحيله المبكر من فراغ كبير، في ظرف زمني حرج سياسيًا.
التعليقات (0)