يواجه حزب المؤتمر
الشعبي العام، الحاكم لليمن سابقا، تصدعا وانقساما عميقا منذ سنوات، حيث يتوزع
الحزب على أجنحة مختلفة في الداخل والخارج، وسط فشل مساع للملمته واستعادة حضوره
في البلاد.
وبمناسبة الذكرى
السنوية الـ42 لتأسيس المؤتمر الشعبي، أقام الحزب بأجنحته مهرجانات واحتفالات في
صنعاء، حيث الجناح المتحالف مع جماعة "أنصارالله" (الحوثي) وفي محافظتي
مأرب ( شمال شرق) وتعز ( جنوب غرب) وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات التابعة
للحكومة المعترف بها بمحافظة الحديدة (غربا)، حيث وجود جناحي الحزب الموالين لمجلس
القيادة الرئاسي الحاكم في البلاد.
" توحيد الصفوف"
وقال رئيس مجلس الشورى
اليمني والنائب الأول لرئيس المؤتمر الشعبي، أحمد عبيد بن دغر، في كلمة بثت عبر
الاتصال المرئي على هامش احتفالية الحزب بمدينة مأرب، السبت، إن الاحتفال بذكرى
تأسيس المؤتمر الشعبي العام في محافظة مأرب "له معان عديدة، لأنها أرض
البطولة والاستبسال والدفاع عن الإنسان والأرض، وعن قيم الحرية والعدالة
والمساواة، والدفاع عن الجمهورية والوحدة، وهي القيم التي ارتوت شجرتها بتضحية
أحرار اليمن، ومناضلي وأبطال ثورتي سبتمبر وأكتوبر ( 1962 و1963 ضد نظام
الإمامة شمال اليمن والاستعمار البريطاني جنوب البلاد)".
وأكد بن دغر على
"توحيد صفوف الحزب ولم شتاته"، داعيا في الوقت ذاته قيادات وأعضاء الحزب
إلى أن يكبروا فوق الانكسار والتمزق، ووحدة القيادة ووحدة الهدف، هدف الدفاع عن
الجمهورية والوحدة.
وقال إن "وحدة
المؤتمر ضرورة حتمية لتعزيز التوجه الوطني العام نحو التلاحم ووحدة الصف".
"لن يبقى مكتوف اليدين"
من جانبه، قال نجل
زعيم حزب المؤتمر الراحل، العميد أحمد علي صالح، السبت، إن المؤتمر الشعبي لن يقف
متباكيا على أطلال الماضي أو مكتوف اليدين إزاء ما يتطلب منه من واجب وطني". متحدثا بأن "لدى الحزب رؤيته لانتشال الشعب مما يعانيه، وله دوره الفاعل، إلى
جانب كل الخيرين من أجل استعادة الدولة وتحقيق الاستقرار والسلام، وبناء اليمن
القوي في ظل راية الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والعدالة والمواطنة
المتساوية".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف نجل صالح الذي
يشغل منصب نائب رئيس الحزب (الجناح المتحالف مع الحوثيين)، في كلمة له نشرتها
وسائل إعلام موالية له، أن ما سبق يتطلب المزيد من تقارب القوى الوطنية، وتجاوز
الماضي، وفتح صفحة جديدة فيما بينها من أجل توحيد صفوفها وتضافر جهودها للعمل معاً
من أجل الانحياز لصالح الشعب والوطن.
وكان لافتا في كلمة
أحمد علي صالح، الذي تم رفع اسمه منذ أسابيع من قائمة العقوبات الأممية بعد 9
سنوات من إدراجه ووالده الراحل، تجاهله الحديث عن جماعة الحوثيين، وتوجيه دعوته
"لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا وكل المؤسسات الدستورية
والجهات المعنية"، إلى "العمل من الداخل من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتلمس أحوال المواطنين عن كثب، ومعالجة قضاياهم المعيشية الصعبة، والتخفيف من
معاناتهم"، مطالبا بـ"تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والصحية
والخدمية، والعمل من أجل اليمن أولا وأخيرا".
"احتفاء بالتجربة وليس الحزب"
وتعليقا على جدوى الاحتفالات
بذكرى تأسيس حزب المؤتمر في ظل واقعه البائس حاليا، يرى أستاذ العلوم السياسية
بجامعة صنعاء والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي، عادل الشجاع، أن المؤتمريين يحتفون
بالتجربة وليس بالحزب، باعتبار أن هذه التجربة كانت هي المناسبة لليمن.
وقال الشجاع في حديث
خاص لـ"عربي21"، إن " تجربة المؤتمر قامت على التوافق بين القوى
السياسية في إدارة السلطة، وهو ما كشفت عنه الأحداث الدائرة في اليمن.. ومن يحتفي
بالذكرى يحتفي بالتجربة للفت النظر إلى إمكانية استعادة هذه التجربة التوافقية".
وفيما يتعلق بنجل
صالح، فقد أكد الأكاديمي وعضو اللجنة العامة بحزب المؤتمر على أنه ربما يكو العامل
المشترك بين القيادات المنقسمة لاستعادة وحدة القيادة، ومن ثم استعادة فكرة التوافق
الوطني مع بقية القوى السياسية الأخرى".
وتابع بأن التجارب
الإيجابية مهمة للشعوب، لتجعلها تميز بين ما يخدم بناء الدولة أو تعطيلها"،
مشيرا إلى أن "أحمد علي عبدالله صالح سيكون له دور مهم فيما لو عاد إلى
المشهد السياسي بشروطه وليس بشروط الآخرين".
"محاولة لإعادة لملمته"
من جهته، قال رئيس
مركز أبعاد للبحوث والدراسات، عبدالسلام محمد، إن احتفال أعضاء حزب المؤتمر بتأسيسه
رغم انقسامه وتفككه وشتاته، لا يعدو عن كونه "محاولة لإعادة لملمته، في ظل شعور
كثير من القوى السياسية داخل الحكومة الشرعية بضرورة استعادة هذا التنظيم السياسي، ليعيد التوازن داخل الدولة".
وأضاف محمد في حديثه
لـ"عربي21"، أن هذه المحاولة تأتي في ظل تغلب الحوثي داخل مناطق شمال
اليمن؛ بسبب سيطرته على أعضاء وقيادات المؤتمر الشعبي، ومنها القيادات القبلية
ومواطنو تلك المحافظات.
اظهار أخبار متعلقة
وتابع بأن هذه
الاحتفالات ما هي إلا واحدة من المحاولات "لاستعادة هذه التيارات القبلية
والمشايخ ومواطني المحافظات الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون إلى الاتجاهات
المقابلة والمناوئة للحوثيين".
وبشأن عودة نجل صالح
إلى المشهد، فقد أشار رئيس مركز أبعاد اليمني إلى أن قطاعا من المؤتمريين وجدوا في
ذلك "فرصة لإدخال الأمل والتفاؤل لدى أعضاء المؤتمر في سياق ترتيبات استعادته
المتكررة"، لاسيما أن كل المراهنات السابقة لاستعادة المؤتمر بعد مقتل علي
صالح (زعيم الحزب نهاية 2017 على أيدي حلفائه الحوثيين) "فشلت".
ورأى محمد أن هذه
المحاولة لاستعادة حضور ودور حزب المؤتمر "قد تبدو الأخيرة"، مستبعدا
قدرة نجل صالح على إعادة لملمة المؤتمر الذي هو -أي الحزب- أشبه بزجاجة انكسرت
"ومن الصعب جدا إعادة بناؤه كما كان"، كما قال
لكن الباحث اليمني
توقع "حدوث استقطابات داخلية لمصلحة التيارات المؤتمرية داخل الحكومة الشرعية
والقوى المحاربة للحوثيين، قد يكون بإمكانها إرباك الحوثيين، أو على الأقل تحييد
أعضاء المؤتمر الشعبي في أي حرب متوقعة مع الجماعة".
وشهد حزب المؤتمر
تشظيا وانقساما غير مسبوق، منذ اندلاع ثورة 11 فبراير في العام 2011، مرورا بما
يعرف بـ"الانقلاب الذي قاده الحوثيون خريف 2014، وصولا إلى أحداث ديسمبر 2017
التي انتهت بمقتل زعيم الحزب صالح".
وبعد مقتل صالح الذي
ظل رئيسا لحزبه المؤتمر الشعبي 35 عاما، انقسم الحزب إلى تيارين؛ الأول "موال
للحوثي في صنعاء"، والثاني "محسوب على نجله أحمد"، بالإضافة إلى
تيار "الشرعية"، وهو الفصيل الثالث الذي كان موجودا، والرجل ما زال زعيما
للحزب، وبقي متحالفا مع الحوثيين حتى الآن.