نقترب من الثالث عشر من آب/ أغسطس، ذكرى إصدار مجلة الأحوال الشخصية
التونسية. وقبل أن تعجن النسويات البورقيبيات أكبادنا بتمجيد الزعيم الفذ صاحب
الرؤية، سنكتب ساخرين عن كذبة تونسية كبرى اسمها تفوق
المرأة التونسية عن نظيرتها
العربية، ونخصص بعض القول عن التجربة السياسية للمرأة التونسية التي أغرمت قبل
غيرها بخطاب التمكين للمرأة، وهي تفريعة خبيثة من الخطاب النسوي اليسراوي الذي
تسلل إلى أروقة الأمم المتحدة ولوائحها؛ بديلا عن الصراع الاجتماعي الشامل والجذري، الذي صنع تميز اليسار في النصف الأول من القرن العشرين.
لا دليل علمي على تفوق تونسي
تتشابه تجارب التنمية الاجتماعية العربية إلى حد التطابق بقطع النظر عن
طبيعة الأنظمة السياسية، سواء كانت عسكرية أو مدنية جمهورية أو ملكية. المنظمات
النسوية العربية وهي منظمات تدور في فلك الأنظمة الحاكمة؛ تقدم أرقاما متطابقة حول
نسب التعلم العام، ونسبة تعلم المرأة وحول تقلد المرأة للمناصب العليا ضمن خطط
التمكين، فإذا خرج المتابع من خطاب تمجيد الذات التونسي، لن يجد دليلا إحصائيا
محترما يثبت سبقا تونسيا في مجال التمكين للمرأة. في كل الجامعات العربية، يوجد
نساء مدرسات، وفي كل المشافي كبيرها وصغيرها يوجد طبيبات مقتدرات، وقد تأنثت
الوظائف بمقادير متقاربة نتيجة عزوف الذكور عن الوظائف لضعف المردود، ونجد نسبا
متقاربة جدا لنسبة نجاح البنات في الثانوية العامة في كل الأقطار.
تتشابه تجارب التنمية الاجتماعية العربية إلى حد التطابق بقطع النظر عن طبيعة الأنظمة السياسية، سواء كانت عسكرية أو مدنية جمهورية أو ملكية. المنظمات النسوية العربية وهي منظمات تدور في فلك الأنظمة الحاكمة.
تختفي هنا بصمة
بورقيبة، محرر المرأة الاستشرافي الذي يجلسه أنصاره في
مقعد نبي، وهم أكثر الناس هروبا من الدراسات الكمية المقارنة، لذلك يكتفون بخطاب
إعلامي بلا سند عن تفوق تونسي. نسويات تونس حوّلن تفوق المرأة التونسية إلى درس
جامعي يسوق كنموذج نجاح، لكن بلا سند علمي، ويُمتحن الطلبة في ما لا يمكن إثباته
والنفي النقدي يؤدي إلى الرسوب. هنا فقط يظهر تفوق نسوي في تحويل الخطاب الرغبوي
إلى معطى واقعي مسنود بالخوف والوصم والترهيب الاستئصالي، فتنسيب الكلام عن مكاسب
المرأة في تونس يصير دعوشة.
هل ساهمت التونسية في السياسة بقدر
مختلف؟
سنحتاج هنا بعض التاريخ. كتب المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب عن الشهيرات
التونسيات، وعاد إلى عليسة والجازية الهلالية ليثبت ولاءه لبورقيبة قارئ التاريخ
الفهيم، لكن بين عليسة (التي لم نجد عليها دليلا)، وبين نساء دولة الاستقلال، نجد
زوجة الزعيم كأول امرأة سياسية مؤثرة من موقع سياسي، والحقيقة من موقع فراش الرئيس، وقد بدأت الفضائح تنشر عن امرأة تجسست على الرئيس من غرفة نومه.
عندما بدأ الخطاب النسوي يروج، عين رئيس الحكومة زوجته وزيرة للمرأة، حتى
قال أهل تونس: "الحكومة كلها تنام في فراش واحد"، لكن المرأة لم تشارك في
وضع السياسات الكبرى، وظل الحكم رجاليا (لنقل ذكوريا كما تحب النسويات).
والنموذج الثاني للمرأة التونسية المؤثرة، لم يأت من العلم ولا من القدرة
والخبرة، بل من فراش الرئيس بن علي، فقد حكمت زوجته التي لم تحصل على أي تكوين
دراسي ابتدائي من فراشه، وروجت لخطاب تفوق المرأة التونسية واستعدت للحكم. وكانت نسويات
تونس في زمنها يغطين أثر نساء المخادع لمؤثرات في السياسة بأرقام الجامعيات
التونسيات المقتدرات، لكن من بين هؤلاء الجامعيات من كانت تكتب لزوجة بن علي
خطابها معتبرة ذلك من التمكين للمرأة.
في الطريق إلى الثورة، ظهرت بعض نساء اليسار وتكلمن بلغة الحقوق والمساواة، لكنهن ظللن دوما تحت سلطة ذكورية في الأحزاب وفي المنظمات، ولم يخترقن السقوف المسبقة إلا في حديث الدعاية.
في الطريق إلى الثورة، ظهرت بعض نساء اليسار وتكلمن بلغة الحقوق والمساواة، لكنهن ظللن دوما تحت سلطة ذكورية في الأحزاب وفي المنظمات، ولم يخترقن السقوف
المسبقة إلا في حديث الدعاية. أما على الأرض، فلم يبق أثر إلا لسيدة واحدة حظيت
باحترام التونسيين، هي راضية النصراوي؛ لأنها اعتنقت النضال الحقوقي دون خطاب نسوي
مبني على عقل استئصالي، ولم تفلح رغم ذلك في الخروج من ظل زوجها الحاكم المطلق في
حزبه وفي تياره اليساري، وأعني حمة الهمامي (حزب العمال الشيوعي).
يمكننا توسيع هذا العرض ليشمل كل القوى السياسية، لنجد أن حديث التمكين
مهيمن على كل خطاب بينما تنعدم النتائج على الأرض. ومن أطرف ما سمع في تونس في
الغرض لما سأل صحفي نقابيا من اتحاد الشغل عن سبب غياب المرأة في الهياكل
التنفيذية العليا للنقابة، أجاب ببساطة: "نحن نجتمع في الحانات ونقول كلاما
فاحشا لا يليق بالنساء". وللعلم، فإن النقابة تسبق الجميع في خطاب التمكين.
المناصفة أكبر إهانة للمرأة
التونسية
وقد فرحت المرأة بالمناصفة، مما رسخ بؤس وعيها السياسي وفقدانها لفلسفة
التمكين، لقد فُرضت فكرة المناصفة في الانتخابات بعد الثورة من قبل مشرعين رجال،
ولغاية غير المناصفة الفعلية، بل لإرباك
الإسلاميين الذين كانوا على أهبة المشاركة
لأول مرة في انتخابات محمية، وكان القرار مبنيا على أن للإسلاميين نساء للترشيح،
فهم متهمون باحتقار المرأة لأسباب دينية. كانت هدية ذكورية لنساء وقبلنها فرحات
مسرورات بلا جهد منهن. الطريف أن الإسلاميين وجدوا نساء لملء قوائم الترشيح، بينما
عجزت جماعة الخطاب النسوي عن ملء الفراغات، ثم تبين لاحقا أن بعض نساء الإسلاميين
مشرعات مقتدرات، وكان لهن صوت عال ومؤثر في نصوص كثيرة.
الطريف أن الإسلاميين وجدوا نساء لملء قوائم الترشيح، بينما عجزت جماعة الخطاب النسوي عن ملء الفراغات، ثم تبين لاحقا أن بعض نساء الإسلاميين مشرعات مقتدرات، وكان لهن صوت عال ومؤثر في نصوص كثيرة.
يمكننا الجزم والتدليل على أن كل خطوات تحرير المرأة في تونس، كانت هدايا
رجالية بدأها بورقيبة، وزايد عليه في الموضوع بن علي بتحويل ذكرى إصدار المجلة إلى
عطلة رسمية، لكن مبلغ جهد النسويات التونسيات، أنهن حولن خطاب التمكين إلى خطاب
استئصالي لا يحرر المرأة بل يمتهنها؛ ضمن تقسيم أيديولوجي بين امرأة تقدمية متفوقة، وامرأة متدينة رجعية، ولأن الفكرة الاستئصالية لا تجد طريقا إلى العقول، فقد تم إسنادها
دوما بإثارة الحنين إلى الزعيم المؤسس بصفته نبيا لا يجادَل، وهذا منهج تفكير سلفي
أسند حجته بتحويل مدفن الزعيم إلى كعبة
التقدمية.
لن نختم الورقة بأي نوع من أنواع الوعظ والنصيحة، فالصورة تتضح مع الوقت دون خطاب نخبوي. هناك في تونس امرأة تجتهد لتعيش بعرق جبينها وتربي أولادها وتبني
بيتا بصبر، وهي التي تستحوذ على التمكين بالسنتمتر، وأخرى نخبوية وتجادل في
التمكين بتمويل أجنبي ولا يستمع إليها أحد. الصنف الأول يسخر من بورقيبة ومجلته،
والصنف الثاني لا يمكنه الظهور في اجتماع عام ليخاطب الصنف الأول، ويكتفي بحديث
الحانات المكيفة، حيث تحدث بورقيبة دوما بثقة في نبوءاته.