ملفات وتقارير

"عيلة إتعمل لها بلوك".. لماذا يسمح السيسي بعرض مسرحية تنتقد سياساته؟

تداول ناشطون مقاطع من مسرحية "عيلة إتعمل لها بلوك" على نطاق واسع في إطار انتقادهم لسياسات السيسي- الأناضول
تداول ناشطون مقاطع من مسرحية "عيلة إتعمل لها بلوك" على نطاق واسع في إطار انتقادهم لسياسات السيسي- الأناضول
أثار الممثل والمخرج المسرحي المصري محمد صبحي، الجدل بعد نشره عدة مقاطع من مسرحيته "عيلة إتعمل لها بلوك"، تحمل الكثير من التلميحات السياسية والانتقادات لأوضاع مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ظل حكم رؤساء مصر السابقين، وإسقاطها على عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، فيما جاء إعلانه عن عرض المسرحية كاملة مجانا عبر التلفزيون أكثر إثارة للجدل.

وبينما تداول ناشطون مقاطع من المسرحية على نطاق واسع، في إطار انتقادهم لسياسات السيسي، المالية والاقتصادية وحالة الغلاء والفقر، معربين عن انتظارهم للعرض المجاني الذي لم يحدد صبحي توقيته ولا الشاشة التي ستعرض عمله، الذي جرى عرضه أول مرة في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

وقدم صبحي موسمه الثاني من المسرحية، أيام 27، 28، 29 نيسان/ أبريل الماضي، على مسرح مدينة سنبل بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي، والمقرر استمراره لنهاية العام، وذلك الساعة السابعة مساء الخميس، والجمعة، والسبت، والأحد، من كل أسبوع.

المسرحية تأليف مصطفى شهيب، وبطلها ومخرجها محمد صبحي، الذي يشاركه البطولة وفاء صادق، وكمال عطية، ورحاب حسين، وليلى فوزى، ومصطفى يوسف، ومنه طارق.

وتدور أحداثها حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعائلة "زينهم" التي تقيم في العاصمة المصرية القاهرة، وذلك باستعراض التغيرات التي طرأت عليها من عام 1927 وحتى 2027، والتطورات الحاصلة من الحقبة الملكية، حتى فترات حكم الرؤساء جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وحتى العهد الحالي.

"سخرية وإسقاطات"
وفي المقطع الذي نشره صبحي عبر صفحته الرسمية في "إنستغرام"، معلنا عن عرض مسرحيته مجانا بالتلفزيون قريبا، هناك 3 مشاهد تنتقد الأوضاع المصرية الحالية بشكل ساخر، بداية من غلاء الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وقرارات السيسي المثيرة للجدل بجباية الأموال من المصريين.

وفي المشهد الأول، تتحدث بطلة العرض الممثلة وفاء فاضل عن ارتفاع أسعار اللحوم والدولار مقابل الجنيه، ليتدخل صبحي محاولا قطع حديثها، قائلا لها: "احذري"، ملمحا إلى احتمال تنصت الحكومة على حديثهما، مضيفا بطريقة ساخرة: "ولكن الحكومة ليس لها علاقة بارتفاع الأسعار".

ليعيد صبحي جزءا من مشهد سابق من مسرحية "على الرصيف" للمخرج جلال الشرقاوي، والفنان حسن عابدين والفنانة سهير البابلي، عام 1987 حول تصريحات الحكومة الكاذبة والجملة الشهيرة عن الخروج من "عنق الزجاجة" وانتهاء أزماتهم عام 1980.



وفي محاكاته لمشهد سهير البابلي العبقري، الذي يتداوله ناشطون بشكل دائم، قال صبحي: "منذ 10 سنوات قالوا لنا خرجتم من عنق الزجاجة، ولكن لا أدرى وجهنا كان إلى أين؟"، وذلك في إشارة إلى تصريحات حكومات السيسي المتتالية بالرخاء دون تحقيقه.

وفي المشهد الثاني من المقطع، الذي تتحدث فيه وفاء صادق عن طلاقها وزواجها مرة أخرى، لينصحها صبحي بعدم الطلاق أو الزواج، محذرا إياها من أنه في المستقبل سيكون هناك صندوق كصندوق النذور، يدفع فيه كل من يرغب في الزواج أو الطلاق للحكومة، ملمحا إلى الصندوق الذي أعلن عنه السيسي بالفعل في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

اظهار أخبار متعلقة


وفي المشهد الثالث، يتحدث صبحي ومجموعة من الممثلين عن بيع الأراضي وما بها من منافع، والذي وصل حد بيع المقابر، ملمحا إلى دور القوات المسلحة في الاقتصاد والسيطرة على الأراضي في البلاد، وذلك في تعريض لما يجري من بيع للأصول العامة والأراضي المصرية للأجانب في عهد السيسي.


وتحمل المسرحية أيضا العديد من الإسقاطات، بحسب ما نشرته صفحة الفنان محمد صبحي عبر "فيسبوك"، بينها مقارنة سعر الدولار والجنيه، وأنه في ثلاثينيات القرن الماضي كان يساوي 5 دولارات، ووضعهما الحالي، حيث وصل سعر العملة الأمريكية في وقت سابق من هذا العام إلى نحو 70 جنيها بالسوق الموازية، ونحو 47 جنيها الآن رسميا.

كما تشير إحدى المشاهد حوارا بين صبحي ووفاء صادق، حول صمت المصريين على جرائم الاحتلال الإنجليزي، لتصف صادق، الوضع الصامت للمصريين، بذكرها المثل الشعبي: "طول ما الحمير ساكتة العربجي هيزود الحمولة"، ليرد صبحي قائلا: "ما هذه التلميحات السياسية، تقصدي من بالحمير ومن بالعربجي؟"، ملمحا إلى رأس النظام بقوله: "هو لا يزود الحمولة، هو بيخفف الأحمال"، في إشارة إلى قرار قطع الكهرباء على المصريين ساعة أو ساعتين يوميا منذ الصيف الماضي.

وفي مشهد ثالث، بالمقطع، تتحدث وفاء صادق، عن ارتفاع سعر اللحمة إلى 8 قروش، ليقاطعها صبحي، قائلا: "احمدي ربنا محدش عارف اللحمة السنين الجاية هتبقى بكام"، لتتحدث صادق عن غلاء سعر الأرز، ليقوم بعمل إسقاط سياسي حول اختفاء الأرز وهي الأزمة التي واجهها المصريون العام الماضي، وكذلك الزيت.







"هل هناك تحول من نظام السيسي؟"
المحير، في العرض هنا أن صبحي، انتقد بشكل مباشر حقب رؤساء مصر السابقين وملكهم فاروق الأول، حيث وضع صورهم الرسمية، لكنه خلال الحديث عن الفترة الحالية لم يضع صورة للسيسي، وفضل التلميح إلى فترته أو الإشارة إلى سياساته.

وفق قراءتها للمسرحية قالت الناقدة الفنية منار خالد عبر موقع "حيز": "في كل عصر تصوّره المسرحية، يمرّر صبحي جملا يقصد بها إدانة ذلك العصر بكل ما فيه"، مضيفة: "وحين وصل لعصرنا لم يضع صورة الرئيس المصري الحالي، واكتفى بتمثيل الزمن من خلال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليه".

لكن السؤال هنا، أنه برغم أن عرض صبحي، لم تعترض عليه الدولة المصرية لأكثر من عام ونصف كونه في حضور عدد قليل ونوعية خاصة من المشاهدين، فكيف تسمح بتصوير المسرحية وعرضها لملايين المصريين مجانا عبر الفضائيات وقنوات ومنصات الإنترنت؟.

الأمر الذي يثير سؤالا آخر: هل يتم تصوير مسرحية صبحي، باتفاق مع النظام المصري وعلى طريقة عهد حسني مبارك، عندما كان يسمح بمثل تلك العروض لامتصاص الغضب الشعبي؟، وهل يعيد السيسي، استخدام الفن بطريقة أخرى غير طريقة الدعاية المباشرة عبر مسلسل "الاختيار" ومثيلاته؟.

"تضرب وتلاقي"
الكاتب والباحث الإعلامي المصري خالد الأصور، وفي إجابته على أسئلة "عربي21"، قال: "لا أدري أمن حسن الحظ أم سوئه أنني شاهدت هذه المسرحية منذ عام، في مسرح صبحي على طريق القاهرة- الإسكندرية".

وأضاف: "اندهشت لهذه المساحة الشاسعة جدا التي تضم المسرح والحدائق ومنشآت أخرى، والتي منحتها دولة السيسي لمحمد صبحي لتأسيس هذا المسرح".

وتابع: "وتزول الدهشة حين نتتبع مواقف محمد صبحي منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، فقد تماهى مع النظام تماما، وحين صرح بعض تصريحات عنترية قبل نحو عامين، تراجع بعدها بشكل مهين".

وقال الأصور عن المسرحية التي شاهدها كاملة: "لا أرى فيها جرأة ولا مواقف ولا يحزنون، المسرحية بالتعبير الدارج بـ(تضرب وتلاقي)، وصبحي بيلاقي أكتر، بمعنى أن كم التطبيل في المسرحية أكثر بكثير من النقد المحسوب لفترة السيسي".

وأوضح أنه "وإن كانت المسرحية توسعت في انتقادات فترات الحكم السابقة، فهي تستعرض التغيرات الاجتماعية على مدى نحو مائة سنة بدءا من العهد الملكي مرورا بالعهد الناصري وبحقبة السادات ثم مبارك وصولا للعهد الحالي".

اظهار أخبار متعلقة


وخلص الكاتب والباحث المصري للقول إن "المسرحية عادية جدا، والنقد فيها للمرحلة الحالية غير جذري، بل ذرا للرماد في العيون، وإلا ما كان يُمكن السماح أصلا بعرضها في المسرح، وفي التليفزيون لاحقا، كما ورد في التصريح".

واقتربت رؤية الأصور، إلى حد ما مع رؤية أحد العاملين في المجال الفني والذي فضل عدم ذكر اسمه وقال لـ"عربي21"، إن "صبحي، رجل جميع الأنظمة، ولا يعمل أبدا بعيدا أو ضد أي نظام، وجميع أعماله مجرد تنفيث عن غضب الجماهير".

"تنفيث مبارك"
وفي تعليقه بشأن استخدام حسني مبارك الفن وخاصة المسرح في عمليات تنفيث عن الجماهير، أشار المنتج السينمائي المصري محمد يوسف في حديثه لـ"عربي21"، إلى نجاح أدوات مبارك تلك في ترويض المصريين 30 عاما.

وقال إن "مبارك كان يؤمن بالانفتاح الإعلامي والفني الملتزم بعدم المساس بشخصه بشكل مباشر"، مبينا أن "هذا في حد ذاته كان يعد أفضل تنفيث عن غضب الشعب".

ولفت إلى أن "تلك السياسة بجانب سياساته الاقتصادية التي كانت تراعي محدودي الدخل نجحت بلا شك في ترويض المصريين"، مؤكدا أن "حقبة مبارك هي أفضل حقبة عاشها المصريين منذ انقلاب تموز/ يوليو 1952، وحكم الضباط الأحرار".

"لصالح النظام والشعب"
وفي السياق، قال أحد النقاد الفنيين المصريين: "لم أر العرض المسرحي على خشبة المسرح كي أعرف ما يحمله من إسقاطات سياسية، وليس لدي فكرة إلى أين وصل في انتقادات النظام، والمساحات السياسية التي تحدث فيها دراميا صبحي، وبالتالي الحكم على العرض بأنه يكشف عن شيء، كما أنه لا يمكن الحكم من خلال ما يُكتب عنه".

ولكنه أضاف مفضلا عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع وفق وصفه، أن "الدولة عندما تفتح الباب لمثل هذه الأعمال فإن هذا في الأساس لصالح النظام السياسي من جهة ولصالح المواطن المصري من جهة ثانية".

"بين مبارك والسيسي"
ويشير بعض النقاد إلى أن هناك فارق بين حقبتي مبارك والسيسي، الفنية، إذ سمح الأول بوجود أعمال كوميدية تنتقد نظامه وسياسات حكومته دون أن تمس شخصه، نجحت في  تخفيف الضغط الشعبي، خاصة وأن أبطالها كان لهم حضور شعبي كبير مثل الممثل عادل إمام الكوميديان المحبوب.

ويرون أن السيسي، على العكس، لم ولن يسمح بمثل هذا التوجه، خوفا من تبعاته، مشيرين إلى أنه وفي 28 شباط/ فبراير 2022، انتقد فيلم "الإرهاب والكباب"، متهمهما إياه بأنه "جعل من البلد خصما للمواطن وجاب المواطن يشتكي"، مضيفا أنه نتج عن هذه "الخصومة هدم البلد عام 2011"، في إشارة لثورة يناير.



واستخدم مبارك وزارة إعلامه والوزير الأشهر صفوت الشريف، في تسخير كتاب ومخرجين وفنانين بحجم كبير لصناعة مسلسلات مخابراتية مثل "رأفت الهجان" 1988، وأفلام الجاسوسية والمخابرات.

ثم انتقل إلى استخدام الفن في التخلص من منافسيه من تيار الإسلام السياسي، وكان ذلك عبر فيلم "طيور الظلام"، 1995، للكاتب وحيد حامد وعادل إمام.

وقدم الزعيم أعملا كوميدية تنتقد في سياقها سياسات الحكومة وأوضاع المصريين مثل أفلام: "الإرهاب والكباب" 1992، و"اللعب مع الكبار" 1991، وعرض مسرحيات "شاهد ماشفش حاجة" للجمهور بشكل دائم، رغم إنتاجها عام 1976، و"الزعيم" 1993، وغيرها.



كما قدم محمد صبحي مسرحية "تخاريف" 1989، و"وجهة نظر" 1990، و"ماما أمريكا" 1994، وغيرها من الأعمال التي تنقد الحكومة، فيما ظهرت أفلام تنتقد وزارة الداخلية، منها "هي فوضى" لخالد صالح ومنة شلبي عام 2007، و"حين ميسرة" لعمرو سعد وسمية الخشاب في نفس العام.

التعليقات (0)