ملفات وتقارير

السيسي يوجه لطمة جديدة للمعارضة بحبس أحمد الطنطاوي.. ومعارضون: يوم حزين

يرى مراقبون أن الحكم يأتي لمنع الطنطاوي من تأسيس حزب يستفيد من زخم حملته الانتخابية
يرى مراقبون أن الحكم يأتي لمنع الطنطاوي من تأسيس حزب يستفيد من زخم حملته الانتخابية
أيدت محكمة مصرية حكم حبس السياسي المصري أحمد طنطاوي و22 من أعضاء حملته الانتخابية مدة سنة، ما اعتبره مراقبون يوما حزينا من أيام السياسة في مصر، ولطمة جديدة للمعارضة بعد حبس الناشط والمعارض هشام قاسم، أيضا.

وتم القبض على الرئيس السابق لحزب "الكرامة" الطنطاوي من داخل المحكمة، حيث إنه كان متواجدا برفقة زوجته ومحاميه، وتم ترحيله إلى السجن، وسط صدمة أنصاره، وغضب سياسيين معارضين.



"ملابسات القضية"
وأيدت محكمة "جنح مستأنف" المطرية، الاثنين، الحكم على عضو مجلس النواب السابق أحمد الطنطاوي، إلى جانب مدير حملة ترشحه لرئاسيات 2024، محمد أبو الديار، و21 من أعضاء الحملة الانتخابية، سنة مع الشغل.

وتأتي القضية على خلفية إعلان الطنطاوي، الترشح بمواجهة السيسي، في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهي الخطوة التي قابلتها السلطات السياسية والإدارية والأمنية المصرية بفرض القيود والتعقيدات أمام تحرير أنصار الطنطاوي توكيلات رسمية له، ما أعجزه عن تحقيق العدد المطلوب -25 ألف توكيل من 15 محافظة- والخروج من السباق قبل بدايته.

وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أعلن الطنطاوي انسحابه من السباق الرئاسي بعد حصوله على حوالي 14 ألف توكيل فقط، لكن حينها أكدت مصادر لـ"عربي21"، أن النظام المصري لن يترك الطنطاوي، بل سيلاحقه عبر قضية تزوير يودعه على إثرها السجن، للانتقام منه ولمنعه مستقبلا من الترشح على هذا المنصب أو للبرلمان.

وبعد إقصاء الطنطاوي، وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أُعلن فوز السيسي، بولاية رئاسية ثالثة حتى عام 2030.

وعلى طريقة تخلص الرئيس الراحل حسني مبارك من المرشح الرئاسي المنافس له عام 2005 أيمن نور، وحبسه 5 سنوات بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"تزوير توكيلات مؤسسي حزب الغد"، وجه نظام السيسي، الاتهام للطنطاوي و22 من أعضاء حملته، وذلك بعد القبض على أعضاء الحملة في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمحافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة والفيوم والسويس، بدعوى قيامهم بتحرير توكيلات مزورة.

القضية التي تتداولتها أروقة المحاكم المصرية منذ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حملت رقم (16336 لسنة 2023) وعرفت باسم "التوكيلات الشعبية"، لتقرر جنح المطرية المحكمة حبس الطنطاوي وأبو الديار و21 من أعضاء وعضوات حملة الطنطاوي المعتقلين سنة مع الشغل، مع حرمان الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية 5 سنوات.

لترفض المحكمة الاثنين، الاستئناف على الحكم وتؤكد حبسهم مدة عام، بل إن القاضي أمر بالقبض على الطنطاوي من قاعة المحكمة المنعقدة بحي التجمع الخامس، شرق القاهرة، وفق تأكيد المحامي نبيه الجنادي.

"عينه على 2030"
تعليقا على ذلك قال الحقوقي المصري، هيثم أبو خليل، إنه "لا توجد للأسف معارضة في الداخل ولا الخارج، والأحزاب أصبحت هامشية في مصر، والثلاثة الكومبارس أخذوا مكافأتهم بلقب مرشح رئاسي سابق، وحزب وطني جديد يعمل لمصالحه باسم مستقبل وطن".

وأضاف لـ"عربي21" أن "تلك الصورة تنطبق على معارضة الخارج، وما حدث لجماعة الإخوان المسلمين من تشرذم، وصارت بأضعف حالاتها رغم أنها القوة الرئيسة في الداخل والخارج".

وأكد أن "ما يحرك الأمور عندما تكون هناك حياة سياسية، ولكن ليس هناك حياة سياسية أصلا في مصر".

ويعتقد أبو خليل أن "نظام السيسي، استغل هذا التوقيت نظرا لحاجة العالم والإقليم لدور مصر في حرب غزة رغم أنه دور متواطئ للأسف"، ملمحا إلى أن "السيسي مرر مسرحية الانتخابات الرئاسية وقام بالتنكيل بأخطر معارضيه لأن عينه على عام 2030، لتعديل الدستور أو توريث الحكم".

وتابع: "والطنطاوي المحسوب على فئة الشباب وباعث الأمل، قد يصنع له إزعاجا بعد نهاية ولايته الثالثة، فتخلص منه مبكرا، لأن الطغاة هكذا ينظرون إلى أبد الآبدين، ولن يتذكر حينها أن لديه 76 عاما بل سيحرص على أن يظل حتى 90 و100 سنة".

"موجه لهؤلاء.. وتوقيته غريب"
وفي تعليقه، قال رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام الكاتب الصحفي قطب العربي، لـ"عربي21": "هذا الحكم ليس موجها ضد الطنطاوي، فقط؛ ولكنه موجه إلى المعارضة بشكل عام".

ويعتقد العربي أنه "جزء من سلسلة إجراءات قمعية اتخذها النظام ضد المعارضة المدنية التي تعمل داخل البلاد ووفقا للدستور القائم، بعد أن تخلص النظام من المعارضة الأكثر راديكالية ضده والمتمثلة في رافضي الانقلاب عموما من إسلاميين وغيرهم".

وأضاف: "يريد النظام للمعارضة أن تظل تحت سقف منخفض جدا، فلا تحلم بتداول للسلطة، ولا تحلم بتمثيل مشرف في البرلمان، ولا تحلم بصحافة حرة، وأن عليها أن تكون مجرد تابع للسلطة تحركها كيف تشاء، فتستدعيها لحوار وطني شكلي، وتفرض عليها الدخول بتمثيل رمزي في قوائم انتخابات برلمانية، كما تفرض عليها الترشح للانتخابات الرئاسية وفق رؤية النظام".

وأضاف: "ولأن الطنطاوي لم يقبل هذه الصيغة، وحاول أن يترشح بجدية للانتخابات الرئاسية، ومن بعدها حاول تأسيس حزب حقيقي، فقد كانت هذه العقوبة هي وسيلة لعرقلته عن الاستمرار في طريقه".

وأوضح أن "صدور هذا الحكم ضده يحرمه من الترشح للبرلمان أو الرئاسة حتى لو صدر عنه عفو رئاسي، (وأظن أن ذلك العفو محتمل بعد أن يقضي أحمد فترة في السجن ويكون على وشك مغادرته)، كما أن الحكم رسالة لبقية المعارضة التي تحاول رفع سقف طموحاتها حاليا".

ويرى المعارض المصري أنه من الواجب على المعارضة أن "تدرك هذه الرسالة ولا تقبلها وترد عليها الرد المناسب، وليس الوقت للخلاف بينها الآن على قضايا هامشية".

وحول توقيت صدور الحكم قال العربي إنه "غريب؛ إذ إنه واكب لحظة عصيبة تمر بها مصر ومخاطر محدقة بأمنها وحدودها الشرقية، وكانت البلاد في أمس الحاجة لتمتين جبهتها الداخلية لمواجهة تلك الأخطار لكن الحماقة أعيت من يداويها".

وعبر صفحته بموقع "إكس"، قال العربي إن "النظام يغلق كل نوافذ التغيير الديمقراطي، ويدفع الشعب للانفجار في وقت تحتاج البلاد فيه إلى التماسك والوحدة في مواجهة الخطر الحقيقي على حدودها الشرقية، والذي كانت اليوم أحد نذره بالاشتباك الحي بين الجنود المصريين والإسرائيليين بعد حرق قوات الاحتلال لخيام النازحين في رفح".


وفي تعليقه قال السياسي والمحامي المعارض من الخارج عمرو عبد الهادي: "بداية أتضامن مع الطنطاوي ضد هذا الحكم الظالم؛ لكن السيسي، يصدر هذا الحكم ضد الطنطاوي في وقت مضبوط بالنسبة له".

وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أن "هذا التوقيت مناسب جدا؛ حيث أن أمريكا الآن تحتاج السيسي ودعمه لإسرائيل حتى انتهاء حرب الإبادة الدموية الجارية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على غزة، وهو يعلم جيدا أن هذا توقيت مناسب".

ويرى عبد الهادي أنه "كان على الطنطاوي أن يتريث حتى انتهاء حرب غزة، ولكن النظام دائما له يد عليا على من يتعامل معه، ورغم أن الحكم جائر وظالم إلا أن طنطاوي هو من تسبب فيه".

ويعتقد أنه "نتاج هذا النظام، وابن له، وتعامل مع النظام من البداية ووافق على شروطه وأعطاه شرعية عبر عضويته في برلمان يُعين من أمن الدولة؛ فبالتالي هو ارتضى أن يكون جزءا من هذا النظام وأحد أدواته، فيجب عليه توقع جرائمه وإلا فلا يستحق لقب سياسي، فمن يصارع خنزيرا في الوحل يجب أن يتوقع اتساخه".

وأكد عبدالهادي، أن "قضية طنطاوي مغايرة تماما لقضية أيمن نور، برغم أن استفادة النظام منهما واحدة، لكن الأول كانت قضيته قبل تعديل مبارك قانون الانتخابات، واستغل نظام مبارك، نور، في تمرير الانتخابات ثم فتح له قضية التزوير القديمة، بينما الطنطاوي أتى فعل ساذج، ديمقراطي، استغله النظام في تلفيق تهمة له".

"لا أمل من المعارضة"
وفي إجابته، قال عضو حملة الطنطاوي الناشط سيد صابر: "إطلاقا المعارضة الموجودة على الأرض أصبحت الآن عاجزة تماما ومخترقة وضعيفة، والنظام يعي تماما أن تلك المعارضة التقليدية أصبحت عبئا على المجتمع والشارع".

صابر، أضاف لـ"عربي21": "هؤلاء الناس أكثر ما يفعلونه إما مهادنة النظام مثل جميلة إسماعيل وفريد زهران، أو يصرخ ولا يجد من يسمع له مثل حمدين صباحي وكمال أبوعيطة، أو يخاطب السفارات الأوروبية مثل محمد أنور السادات، أو بلجنة عفو بعض شخوصها مخبرين".

وأكد أن "النظام كما تقول العلوم السياسية خلق معارضة تشبهه، على طريقة متلازمة ستوكهولم"، متابعا حديثه: "كنا نراهن على الطنطاوي كوجه جديد ودم جديد يُضخ بشرايين الحياة السياسية".

ولفت إلى أنه "بحكم قربي من شخص الطنطاوي وأني أحد المحسوبين على فريقه، فمشروعه مشروع الوطنية المصرية، لأنه يضم مختلف التيارات والأيديولوجيات"، موضحا أنه "في مصر، تخلصنا من أيدلوجياتنا وأمراض أحزابنا وانخرطنا في حملته أملا في تغيير سياسي مدني تدريجي، وتغيير في الذهن المصري تجاه التغييرات السلمية".

وأشار إلى أنه في المقابل "جرت المؤامرة بحقنا من النظام وأذنابه في المعارضة، والنتيجة حبس الطنطاوي"، خاتما بقوله وإن "كانت مصر والنضال من أجلها أكبر منا جميعا، وأكبر من الطنطاوي وهو ليس أغلى ممن في السجون، فهم أشرفنا جميعا".

"يوم حزين من أيام السياسة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثار خبر تأييد حبس الطنطاوي، والقبض عليه من المحكمة وترحيله إلى السجن، جدلا واسعا بين أنصاره وبين المعارضة المصرية، والمنظمات الحقوقية، حيث طالب مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، بوقف ملاحقة المعارضين ووقف التنكيل بهم بسبب مواقفهم الرافضة لسياسات النظام.

وقال الكاتب الدكتور عمار علي حسن، إن سجن الطنطاوي "لا يمكن أن يقدم للناس باعتباره ممارسة سياسية، ولا إدارة اختلاف، ولا حتى عقابا وفق القانون، لأن الجميع يعرف الأسباب، ويضع يده على الدوافع، بل يتوقع النتائج".

وعبر صفحته بموقع "إكس" أكد أن الحكم "استمرار لغلق المجال العام، ومنع الفرص والحقوق الطبيعية التي يكفلها الدستور والقانون، ورفض أي قواعد عادلة ليس لمنافسة مطلوبة ومرغوبة شعبيا، بل لمجرد تمثيل الناس والتعبير عنهم".

وختم بالقول: "هذا يوم حزين من أيام السياسة في مصر".


وقال الحقوقي بهي الدين حسن: "رغم أن السقف الموضوع للمعارضة في مصر واط جدا، فإن كل  من يتجاوزه أو حتى يتصرف بكرامة يعاقب على الفور"، مشيرا إلى حبس أحمد الطنطاوي، والناشط هشام قاسم الذي جرى حبسه بحكم قضائي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 6 أشهر بتهمتي سب وقذف كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة الأسبق.


ولأن حكم حبس الطنطاوي ومدير حملته وأعضائها مدة سنة يأتي بعد حصول الممثلة منة شلبي على حكم حبس مدة سنة مع إيقاف التنفيذ في 23 أيار/ مايو الجاري، في اتهامها بجلب المخدرات إلى مصر أثناء عودتها من أمريكا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، قال البعض إن "جلب وتعاطى المخدرات أهون من تعاطي السياسة".

ويرى متابعون عبر مواقع التواصل أن هدف الحكم هو إدانة الطنطاوي، لقطع الطريق عليه ومنعه من مشروع تأسيس حزب يستفيد من زخم حملته الانتخابية، على طريقة حسني مبارك مع السياسي أيمن نور.
التعليقات (0)