انقسم الوضع
الفلسطيني عام 2007 بين سلطة فلسطينية بقيادة فتح، تحت
الاحتلال في الضفة الغربية، وسلطة في قطاع غزة بقيادة حماس، محررة من الاحتلال.
وقد تحوّلت إلى قاعدة مقاومة مسلحة، تشارك فيها حركة الجهاد. وكان وراء
الانقسام
خلاف استراتيجي وسياسي، وليس كما روّج البعض، بأنه صراع على السلطة.
أطراف كثيرة، وفي مقدمتها أنظمة عربية وإعلامها، كما عدد كبير من
النخب، راحوا يعتبرون هذا الانقسام كارثة الكوارث، ولا أمل لقضية فلسطين وشعبها في
تجنب التصفية، أو التقدم إلى الأمام، إلا بالمصالحة وإنهاء الانقسام. ووصل الحد بهذا
الرأي، أن راح يٌذِل الفلسطينيين بسبب الانقسام، أو بسبب عدم المصالحة.
طبعاً البعض في هذا الموقف حسن النية، ومقتنع تماماً بأن طوق النجاة
يتجسّد في الوحدة الوطنية. والبعض من سيئي النية اتخذ من موضوع الانقسام، مناسبة
للتشهير بالفلسطينيين، وتسويغ موقفه الذي تخلى عن القضية الفلسطينية، سواء أكان من
المطبّعين أم المقبلين على التطبيع.
الحكم في حسم الصراع بين المواقف المختلفة، أو في تقدير الموقف، إنما
هو النتائج على الأرض. وليس ما يمتلك كل طرف من قوة الحجة في الدفاع عن موقفه،
وتقديره للموقف العام. لهذا لننظر أية نتائج نجمت بالنسبة للقضية الفلسطينية،
والوضع الفلسطيني، أو بالنسبة إلى الصراع مع الكيان الصهيوني، من 2007 حتى اليوم.
إن الانقسام لم يحل دون إحراز تقدم هائل في مواجهة الصراع مع العدو. وتبين ذلك من خلال الوقائع التي وصلتها المقاومة، على الخصوص في غزة، كما في الضفة والقدس، وفي الدفاع عن المسجد الأقصى. (ولو بمستوى أقل مما وصلته المقاومة في غزة).
هل ما حدث على أرض الواقع كان كارثة على القضية والشعب والمقاومة.
وكان محط انتصارات للعدو، أو أوصل القضية إلى التصفية والضياع؟
لقد حدث خلال فترة الانقسام كلها، وتكاد تقول، ببركة الانقسام أو
تداعياته ما يلي:
1 ـ تحوّلت المقاومة في قطاع غزة إلى قوة جبارة خاضت خمس حروب، ويمكن
إضافة حربين أيضاً في 2008/2009 و2012 و2014 و2021 و2022/2023، وانتقلت إلى عملية طوفان الأقصى المذهلة بمستواها وتداعياتها، ولا سيما الحرب
البرية المنتصرة لمدى أكثر من سبعة أشهر في حرب نديّة مع الجيش الصهيوني وداعميه.
وكانت يدها، ولم تزل، هي العليا فيها. ثم الصمود الأسطوري للشعب والمقاومة، في
مواجهة حرب إبادة لا مثيل لها، من حيث الشدة والخصائص.
2 ـ انتقال المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، ابتداءً من مخيم جنين
ونابلس ومخيم نور شمس وطولكرم، إلى مستوى تشكل كتائب مسلحة، خرجت إلى العلن. مثلاً
كتيبة جنين وعرين الأسود في نابلس، ونظيرات لهما في عدد من المواقع. ومن ثم دخول المواجهة مع جيش الاحتلال إلى
مستوى الاقتحام بالدبابات والاشتباك. وهو مستوى يؤشر إلى تطوّر في المقاومة، مما
قد يصل إلى الانتفاضة وفرض دحر الاحتلال.
المهم في موضوعنا القول، إن الانقسام لم يحل دون إحراز تقدم هائل في
مواجهة الصراع مع العدو. وتبين ذلك من خلال الوقائع التي وصلتها المقاومة، على
الخصوص في غزة، كما في الضفة والقدس، وفي الدفاع عن المسجد الأقصى. (ولو بمستوى
أقل مما وصلته المقاومة في غزة).
وإذا أضيف ما نشهده اليوم من علو لمكانة القضية الفلسطينية، وتدهور
مريع لمكانة الكيان الصهيوني، عالمياً، فإن كل ما حُذر منه بسبب الانقسام، كان
مخاوف وهمية، لا تملك حجة معتبرة.