أصدر مركز الزيتونة للدراسات في العاصمة
اللبنانية بيروت تقدير موقف موسعا بعنوان "الرؤى
والسيناريوهات الإسرائيلية لمستقبل إدارة القطاع غزة بعد الحرب"، وهو من
إعداد قسم الأبحاث في المركز.
يناقش التقدير مختلف الخيارات والمواقف الإسرائيلية المؤيدة لها
والمعارضة، ويستحضر سلبيات وإيجابيات كل منها: إسرائيلياً وفلسطينياً، وسط ترجيح
أي منها الأكثر إمكانية للتطبيق على أرض الواقع، وكشف ما تمثله عن عمق الأزمة
الإسرائيلية من مآلات الحرب التي لم تحقق أيّاً من أهدافها المعلنة، باستثناء
تدمير القطاع.
فمع قرب انتهاء الشهر السابع من العدوان على غزة، تزايد الحديث
الإسرائيلي عن جملة الخيارات المتوقعة لنهاية هذه الحرب، وحفلت المراكز البحثية
ووسائل الإعلام الإسرائيلية باستعراضٍ لجملة من خيارات "اليوم التالي"
في غزة، لا سيّما مع إقامة الطريق القاطع وسط قطاع غزة، ومن أهمها إسقاط حماس، أو
قدرتها على البقاء، واحتلال قطاع غزة كاملاً، والتواجد النسبي فيه لأغراض أمنية
عملياتية، وإعادة السلطة الفلسطينية "المتجددة"، على الرغم من الرفض
الإسرائيلي "المؤقت" لها، واستدعاء قوات عربية ودولية، واستنساخ نموذج
روابط القرى بالحديث عن العشائر.
ومع أن هناك قراءات إسرائيلية كثيرة جداً حول مفردة "اليوم
التالي"، ما يستدعي الإشارة لمجموعة المحددات والمتغيرات والتطورات التي
حكمت سياسة الاحتلال في تحديد توجهاتها نحو ما تراه الخيار الأفضل بالنسبة لها،
وما إذا أخذت أفكاراً محددة تقوّي خياراتها مع الزمن نتيجة التعامل الواقعي على
الأرض، لا سيّما تطوّر مواقف الأطراف المعنية، بما فيها موقف حماس وقوى المقاومة،
وقدرتها على إفشال مخططات الاحتلال، وفرض إرادتها، وما صاحب ذلك من اتجاهات الرأي
العام الفلسطيني، خصوصاً قطاع غزة، بالاستفادة من استطلاعات الرأي العام الأخيرة.
ما يجعل من الأهمية بمكان ربط الحديث بـ"اليوم التالي" بخريطة موازين
القوى والصراع الحالية داخل القطاع بعد مرور أكثر من مئتي يوم من الحرب، ومدى
واقعية التطلعات الإسرائيلية.
وأشار التقدير إلى أن هناك حالة من التداخل بين السيناريوهات
المطروحة ، وليس هناك سيناريو بعينه يمكن ترجيح كفته على سواه، في ضوء تعقّد
المشهديْن السياسي والميداني، وإلى عدم توفر أفضلية لخيار بحدّ ذاته على الخيارات
الأخرى، مما يستدعي الحديث عن حالة من الدمج بين عدد منها، وصولاً لاستقراء ما هو
أقرب إلى الدقة لما سيكون عليه اليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب.
ورأى التقدير أن السيناريو المتعلق ببقاء الاحتلال المؤقت في غزة، مع
عودة تدريجية للسلطة الفلسطينية إليها، وتراجع ملموس لحماس عن المشهد السياسي هو
السيناريو الذي قد تلتقي عليه حكومة الاحتلال مع الولايات المتحدة وحلفائها
الغربيين وحلفائها العرب في المنطقة، وقد يحاولون في المحصلة إنزاله على الأرض.
إلا أن التقدير أكّد أن كفاءة أداء المقاومة وصمودها، والتفاف الحاضنة الشعبية
حولها، سيمكنها من أن تفرض شروطها في النهاية من خلال صفقة تبادل واسعة، تتضمن
انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع، وفتح المعابر وعودة النازحين، وبدء
الإعمار، مع عمل ترتيبات مناسبة ضمن توافق داخلي فلسطيني يحافظ على سلاح المقاومة،
دون ضرورة أن يكون لها دور ظاهر مباشر في إدارة القطاع.
ودعا التقدير إلى صياغة توجه وطني فلسطيني متوافق عليه بشأن مسألة
"اليوم التالي" في غزة، مع التركيز على مجالات الاتفاق المحتمل بين
مختلف المكونات الفلسطينية، على قاعدة المحافظة على الثوابت، والمصالح العليا
للشعب الفلسطيني. وأوصى بإبداء المرونة اللازمة من الأطراف الفلسطينية بهدف جسر
الفجوات فيما بينها للحيلولة دون حصول الاحتلال على فرصة تنفيذ أجندته الأمنية في
غزة. وحثَّ على العمل مع كل الأطراف للوصول إلى وقف العدوان بصورة نهائية.
ودعا التقدير إلى تقديم مزيد من الدعم والإسناد للجبهة الداخلية
في غزة كي تُشكّل ظهيراً داعماً للمقاومة، وتمكنها من الصمود أكثر، وفي فرض
مطالبها وشروطها على الاحتلال، ومواجهة مظاهر الاحتكار والاستغلال التي يواجهها
النازحون في مخيمات الإيواء. ودعا أيضاً إلى التواصل مع مصر لفتح معبر رفح بصورة
طبيعية، بعيداً عن حالة الاستغلال والابتزاز الذي تمارسه شركات قريبة من دوائر
الحكم في القاهرة بحقّ الفلسطينيين في غزة.
وأوصى التقدير بتوسيع عمل الروافد المساندة للمقاومة شعبياً ورسمياً
في المحافل الدولية والغربية لاستعادة زنشر الرواية الفلسطينية، والإطاحة بسردية
الاحتلال المزوّرة، وإعادة الأمور إلى نصابها من ناحية حق الشعب الفلسطيني في
مقاومة الاحتلال وفق الحقوق والمواثيق الدولية. ودعا المقاومة لاستخدام
ورقة
المحتجزين الإسرائيليين في مزيد من الضغط على الرأي العام الإسرائيلي الداخلي
للضغط بدوره على حكومته لوقف الحرب، وإبرام صفقة تبادل مشرفة.