تدرس الحكومة
المصرية إعادة إحياء مشروع
منخفض القطارة في الصحراء الغربية بربط المنخفض العميق والواسع بالبحر الأبيض المتوسط من خلال قناة صناعية وتحويله إلى بحر صغير تصل مساحته إلى ضعف مساحة دولة لبنان، حوالي 20 ألف كيلومتر مربع.
يهدف المشروع، الذي أثير منذ نحو 100 عام وعزفت الحكومات المتتالية عن تنفيذه لأسباب بيئية ومالية، إلى توليد الكهرباء وتحويل المناطق الصحراوية إلى مساحات صالحة للسكن والزراعة ومعالجة أزمة التكدس السكاني في مصر وخلق مجتمعات عمرانية جديدة.
يتضمن المشروع، وفق تقرير نشرته صحيفة إكسبرس البريطانية، شق مجرى مائي "قناة السويس المصغرة" يمتد على مسافة 55 كيلومترا من البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة العلمين، تندفع فيه مياه البحر إلى المنخفض العملاق المتدرج.
يبلغ طول المنخفض، الذي سيتحول إلى بحر مغلق، نحو 298 كيلومترا وعرضه 80 كيلومترا عند أوسع منطقة فيه، وأقصى انخفاض له تحت سطح البحر يبلغ 134 مترا، ويبدأ المنخفض من جنوب العلمين على مسافة 31 كيلومترا تقريبا.
فوائد إيجابية متوقعة
بمجرد غمر المنخفض بالمياه وتشكيل بحيرة ضخمة تبلغ مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع، فإن من المتوقع أن يؤدي تبخر المياه من هذه البحيرة الاصطناعية إلى زيادة مستويات الرطوبة وكميات الأمطار في المنطقة المحيطة، ما يعزز إمكانية تحويل الأراضي القاحلة إلى أراض زراعية خصبة.
تعتمد فكرة المشروع في الأساس على توليد الطاقة الكهرومائية من تدفق المياه بشكل مستدام لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير الموارد الطبيعية، لكنها واجهت العديد من التحديات طوال العقود الماضية التي جعلتها واحدة من أكثر الأفكار عديمة الجدوى رغم إثارتها من وقت لآخر.
من بين تلك التحديات عدم جدوى المشروع اقتصاديا بسبب تكلفته الباهظة والتي تقدر بأكثر من 14 مليار دولار في بلد يعاني من أزمة اقتصادية وديون ضخمة، وتأثيره السلبي والمدمر للبيئة والزراعة في شمال مصر من خلال التأثير على مخزون المياه الجوفية الموجودة بكميات كبيرة فى الصحراء الغربية نتيجة تسرب الأملاح حيث يتكون المنخفض من أحواض ملحية ضخمة.
100 عام على الفكرة دون تنفيذ
بدأت فكرة المشروع للاستفادة من منخفض القطارة عام 1916 من قبل البروفيسور "هانز بنك" أستاذ الجغرافيا فى جامعة برلين عام 1916، ثم تولت مديرية الصحارى بمصلحة المساحة الجيولوجية بمصر الأعمال المساحية للمنخفض ما بين عامي 1924 و1927، ثم توالت الدراسات حتى سبعينيات القرن الماضي دون القدرة على الوصول إلى نتائج حاسمة، وظلت حبيسة الأدراج خاصة بعد إنشاء السد العالي وتوليد الكهرباء منه.
عارض فكرة المشروع العديد من العلماء والمتخصصين في مقالات ودراسات بحثية قصيرة من بينهم العالم الجيولوجي فاروق الباز، سواء بملء المنخفض من البحر أو من النهر، لأن من شأن المياه المالحة أن تؤثر على عذوبة المياه الجوفية فى الصحراء الغربية، كما أنه لا يمكن ملء المنخفض من مياه نهر النيل لأنها تصب في
البحر المتوسط وتحمي الدلتا من التملح والغرق ولأنها لا تكفي لملء المنخفض وأن حصة مصر من مياه النيل تتراجع.
على المستوى الحكومي، رفض وزير البيئة، خالد فهمي، في أيلول/ سبتمبر 2014، مشروع منخفض القطارة، نظرا للأضرار المحتملة على المياه الجوفية وارتفاع منسوبها وزيادة عمليات الرشح وتأثير ذلك على الإنسان والكائنات الحية الأخرى وعلى التربة والأراضي الزراعية في الدلتا.
بدوره رفض العالم والخبير الجيولوجي بهي الدين عيسوي، المشروع الذي قد يؤدي إلى تدمير الدلتا شمال البلاد وحذر من آثاره السلبية على البيئة، ومن الفشل الذريع الذي ينتظره على غرار مشروع توشكى في الصحراء الغربية.
وقال في تصريحات لصحيفة
الأهرام (حكومية) في نيسان/ أبريل 2013 "إن مشروع منخفض القطارة سيحقق فشلا شبيها لما حققه مشروع توشكى"، مشيرا إلى أن البلاد بحاجة إلى الأموال الطائلة التي سوف تنفق على المشروع دون طائل.
ووصف
المركز الديمقراطي العربي بالقاهرة مشروع منخفض القطارة بأنه مثير للجدل العلمي والاقتصادي والسياسي بل إنه أحيانا مُثير للدهشة في ظل عدم القدرة على الاعتماد على دراسة مؤيدة أو معارضة للمشروع المعلق بين الطرفين.
أفكار مشروعات للاستهلاك المحلي دون دراسة
بعيدا عن فوائد وأضرار هذا المشروع الضخم، يرى البرلماني المصري المخضرم، مصطفى عزب، أنه "بين الحين والآخر يتم استدعاء هذا المشروع للاستهلاك المحلي والدعاية للحكومات المتتالية دون تقديم أي دراسة حقيقية وجادة حول جدوى المشروع الذي بدأت فكرته مبكرا قبل عقود".
وأضاف لـ"عربي21": "مشروع منخفض القطارة صدر بقانون هيئة تنفيذ مشروع منخفض القطارة والذي أصدره الرئيس الأسبق أنور السادات سنة 1976 ثم حدث عليه تعديل بقانون 87 لسنة 1980 وكان الهدف الرئيسي منه هو إنتاج الطاقة الكهرومائية لتوفير 1500 مليون دولار سنويا على الخزانة المصرية، ولكن حتى الآن لا يزال المشروع حبيس الأفكار".
ورأى أن "المشكلة في مصر هي وأد الأفكار الكبيرة لأسباب كثيرة منها قلة دراسات الجدوى، وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية للنهوض بهذه البلد طوال العقود الماضية، وحتى الآن لم يتم تنفيذ أي فكرة من خارج الصندوق قادرة على إحداث نقلة كبيرة في حياة المصريين".
لا لمشروع منخفض القطارة
رفض الخبير في مجال المياه والسدود، الدكتور محمد حافظ، المشروع جملة وتفصيلا، وقال: "رغم أن فكرة المشروع تقوم على السماح باستقبال مياه البحر في الشمال في منخفض القطارة العميق تحت سطح البحر ما بين 70 و130 مترا، على مساحة تعادل ثلاثة أمثال مساحة بحيرة ناصر، لتوليد كهرباء بلا حدود ولسنوات عدة إلا أنها كارثة بكل ما في الكلمة من معنى على البلاد".
وعدد في حديثه لـ"عربي21" سلبيات هذا المشروع، "اختلاط مياه البحر بصخور المنخفض المتشبعة ببلورات الملح منذ ملايين السنين سوف تزيد معدل ملوحة المياه وتقضي على جميع مصادر المياه الجوفية القريبة من (منخفض القطارة) والتي سوف تختلط معها بشكل تدريجي وسريع، ومع ارتفاع عمود المياه بالمنخفض سوف يشكل ضغط هيدروستاتيكي للتسريع من عملية التسريب والانتقال إلى تلوث المياه الجوفية البعيدة مثل تلك الموجودة في الحجر النوبي العميق".
ووصف الأمر "بالخطير جدا وبأنه يحتاج إلى مراجعة شاملة ودراسات جديدة أكبر تشمل الجوانب السلبية والإيجابية لهذا المشروع، خاصة أن تكلفته ستكون باهظة ولا تقدر مصر على تحملها في ظل أزمتها الاقتصادية الطاحنة، وتوفير هذه الأموال في مشروعات ذات جدوى وقصيرة المدى"، مشيرا إلى "تنفيذ ونتائج المشروع تحتاج لسنوات طويلة وربما تنقضي دون أن يكتمل".