رأى مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت،
أن التطورات السياسية والميدانية لمعركة طوفان الأقصى تُبرز تداعيات سلبية على
الدور
المصري في القضية الفلسطينية وعلى حضور مصر الإقليمي، كما تُوجّه لها
اتهامات بالتعاون مع الجانب الإسرائيلي في إحكام الحصار على قطاع
غزة.
وأكد المركز في تقرير أعده الكاتب الفلسطيني عاطف الجولاني ونشره
اليوم الخميس ضمن سلسلة "إضاءات سياسية" وهي سلسلة دورية مختصة بتقديم
تحليلات وتقديرات ومواقف سياسية مختصرة ومكثفة، تصدر عن المركز، وأرسل نسخة منه لـ
"عربي21"، أنه لا تصدر مؤشرات إلى احتمال حصول تغييرات جوهرية على
الموقف المصري وخياراته السياسية في إدارة الموقف من المعركة.
وأشار إلى أنه وعلى الصعيد السياسي، يُرجَّح أن تواصل مصر التزام
السقف المنخفض للموقف الرسمي العربي والإسلامي الذي تُعد أبرز المؤثرين في صياغته،
كما يُتوقع أن تستمر في سياساتها الحالية فيما يتعلق بإغلاق معبر رفح وإخضاع دخول
المساعدات للإرادة الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بإدارة العلاقة مع المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً مع
حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، يُرجَّح أن تستمر السلطات المصرية في سياستها
الحذرة والمتحفظة. ولا يُتوقع حصول تغيير إيجابي على موقف السلطات المصرية من
السماح بتنظيم الفعاليات الشعبية المتعاطفة مع المقاومة والمنددة بالعدوان
الإسرائيلي على قطاع غزة.
واستند التقرير إلى استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني
للبحوث السياسية والمسحية، ونُشرت نتائجه في 20/3/2024، والذي أظهر تدني مستوى رضا
الفلسطينيين عن الموقف المصري من معركة طوفان الأقصى، حيث لم يتجاوز حاجز 12%.
وتُبرز نتائج الاستطلاع أن خيارات الموقف الرسمي في التعامل مع المعركة أسهمت في
إضعاف الحضور المصري في القضية الفلسطينية، وحوّلت الفرصة المتاحة لتطوير ذلك
الحضور إلى مؤثر سلبي في صورة مصر ومكانتها ودورها الإقليمي.
محددات الموقف الرسمي المصري:
تأثر الموقف الرسمي المصري من عملية طوفان الأقصى بالعديد من
المحددات والعوامل المؤثرة، ومن أبرزها:
1 ـ الرغبة في الحفاظ على حيوية الدور
المصري في القضية الفلسطينية، نظراً لأهمية ذلك في تعزيز حضور مصر الإقليمي وتطوير
علاقاتها مع الولايات المتحدة. وقد سعت مصر طيلة العقود السابقة لاحتكار النفوذ
والتأثير في الملف الفلسطيني، ولقطع الطريق على بروز منافسين عرب أو إقليميين في
الشأن الفلسطيني، خصوصاً ما يتعلق بإدارة ملف الوساطة بين المقاومة الفلسطينية
والجانب الإسرائيلي وملف المصالحة الفلسطينية.
2 ـ استحقاقات معاهدة كامب ديفيد،
والعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المتطورة مع الكيان الصهيوني، والتي
ترسخت بصورة قوية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
3 ـ المحدد الأمني المتعلق بالخشية من
تصاعد التحركات الشعبية المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية في مصر والمنطقة
العربية، والتوجس من احتمالات تجدّد حيوية وحراك الشارع العربي وعودة أجواء الربيع
العربي، نظراً لحالة الإلهام الهائلة التي مثلتها معركة طوفان الأقصى، والشعور
بالقدرة على التغيير، وبإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني، مع تصاعد حالة الغضب
الشعبي من جرائم الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وتصاعد السخط على عجز الأنظمة
العربية سواء بسبب فشلها في القيام بواجبها تجاه فلسطين، أم بسبب فشلها في ملفاتها
الداخلية.
4 ـ الخشية من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة
لعمليات تهجير قسري واسعة محتملة للفلسطينيين، من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية،
وبما يُقحم مصر في الصراع مع الجانب الإسرائيلي، ويهدد معاهدة كامب ديفيد وحالة
الهدوء في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
5 ـ المحدد الأيديولوجي المرتبط بتحفظات
الجانب الرسمي المصري على التوجه الإسلامي للمقاومة الفلسطينية، في سياق موقفه
السلبي من عموم التيار الإسلامي في المنطقة، وخصوصاً في ظلّ أزمته المتواصلة في
العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ويتشكّل انطباع بعدم رغبة الجانب
المصري والعديد من الأطراف العربية بخروج المقاومة الفلسطينية منتصرة في معركة
طوفان الأقصى، خشية تداعيات غير مرغوبة لذلك على الوضع الداخلي المصري وعلى حضور
التيار الإسلامي في المنطقة.
6 ـ تموضع الجانب الرسمي المصري وخياراته
السياسية في الساحة الفلسطينية، وانحيازه القوي للسلطة الفلسطينية ومشروعها
السياسي، وعلاقاته الحذرة وغير الإيجابية مع حركة حماس، وتحفّظه على مشروعها
المقاوم وعلى نزوعها للحفاظ على استقلالية موقفها وقرارها السياسي في إدارة
العلاقة مع مصر وبقية الأطراف العربية والإقليمية.
7 ـ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وانهيار
قيمة الجنيه المصري لمستويات قياسية مقابل الدولار الأمريكي، الأمر الذي استدعى
تدخلاً خارجياً طارئاً لإنقاذ الاقتصاد المصري، حيث جرى في 23/2/2023 توقيع صفقة
مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة التنموي مع دولة الإمارات بقيمة 35 مليار دولار. كما
تدخل الاتحاد الأوروبي وأعلن في شهر آذار/ مارس 2024 عن تقديم مساعدات مالية
واستثمارات لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو خلال الفترة من 2024 وحتى 2027، من بينها
تمويل طارئ بقيمة مليارَي دولار يُصرف في سنة 2024.
8 ـ المحدد الجيوسياسي وسيطرة الجانب
المصري على المنفذ البري الوحيد للقطاع مع العالم، عبر معبر رفح، الذي وفّر ورقة
ضغط مصرية قوية على المقاومة وعلى سكان القطاع، وتسبب بإحكام الحصار على قطاع غزة
منذ سنة 2007، وظهر تأثير ذلك بصورة قوية خلال معركة طوفان الأقصى. وترافق ذلك مع
اتهامات واسعة من أطراف عديدة للجانب الرسمي المصري بأنه جزء من الحصار، وما يؤدي
ذلك إلى معاناة ومجاعة، واستفراد
العدوان الإسرائيلي بسكان القطاع ومقاومته ضدّ
العدوان.
ملامح الموقف الرسمي المصري من المعركة:
من خلال رصد السلوك المصري في إدارة الموقف من معركة طوفان الأقصى،
يمكن الوقوف على الملامح التالية:
1 ـ على صعيد الموقف السياسي، التزمت مصر
بسقف القمة العربية والإسلامية المشتركة التي انعقدت في الرياض في 11/11/2023
وطالبت بإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف إطلاق النار والسماح بإدخال
المساعدات، دون أن تضع آليات لمتابعة تنفيذ قراراتها.
2 ـ أحكمت مصر إغلاق معبر رفح، والتزمت
بالموقف الإسرائيلي المتشدد والرافض لتدفق المساعدات إلى قطاع غزة، على الرغم من
أن المعبر مصري فلسطيني لا سلطة للجانب الإسرائيلي عليه، وهو ما شكّل تجاوزاً
وتحدياً صارخاً للسيادة المصرية، حيث انتقلت السيطرة العملية على المعبر إلى
الجانب الإسرائيلي، وبات هو المتحكّم الوحيد بحركة الأفراد ودخول المساعدات.
ويتزايد القلق المصري من انعكاسات سلبية للقرار الأمريكي بإنشاء
ميناء بحري لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، على الدور المصري، وعلى تحكّم مصر
بدخول المساعدات إلى القطاع عبر معبر رفح.
3 ـ مارست السلطات المصرية الضغوط على
حركات المقاومة الفلسطينية، لتقديم تنازلات تتيح إنجاز صفقات تبادل أسرى مع
الإسرائيليين، كما ضغطت عليها كذلك للمطالبة بحصر جهود الوساطة في ملف تبادل
الأسرى بالجانب المصري، وقطع الطريق على جهود الوساطة المنافسة، وبشكل خاص الوساطة
القطرية. ويلاحظ أن الرغبة المصرية باحتكار هذا الملف لم تتحقَّق، حيث نجحت قطر
بالدخول على ملف تبادل الأسرى بين المقاومة والإسرائيليين بشكل قوي، وباتت الوسيط
المفضّل أمريكياً على هذا الصعيد.
4 ـ واجهت مصر منذ بداية المعركة المخططات
الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، وعززت الوجود الأمني على
معبر رفح، وأكدت أن تهجير الفلسطينيين إلى مصر "تهديد مباشر للسيادة والأمن
القومي المصري" وفق البيان الذي صدر عن ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة
للاستعلامات في مصر، في 16/2/2024.
5 ـ باستثناء الأيام الأولى التي سمحت
السلطات المصرية خلالها بتنظيم بعض الفعاليات والوقفات الشعبية المنددة بالعدوان
الإسرائيلي على قطاع غزة، يلاحظ أنها فرضت إجراءات صارمة لمنع مختلف أنواع
الاحتجاجات الشعبية الرافضة للعدوان والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة،
وهو ما يُفسّر حالة الصمت "المكبوت" في الشارع المصري، الذي كان يتفاعل
فيما مضى مع أحداث أقل أهمية في الشأن الفلسطيني.