نشرت صحيفة "
سبكتاتور" البريطانية مقالا أعده رئيس تحرير صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية، جيك واليس سيمونز، أشار إلى انتصار حركة المقاومة الإسلامية "
حماس" على دولة
الاحتلال الإسرائيلي، بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب الدموية.
وشدد الكاتب على أن وعد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بتحقيق "نصر كامل على بعد خطوة واحدة فقط" في قطاع
غزة، لا يتعدى كونه "كلمات جوفاء"، وذلك في ظل انسحاب جيش الاحتلال، وتصاعد المظاهرات المناهضة للحكومة الإسرائيلية في الداخل
الفلسطيني المحتل.
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
سيكون من الصعب أن أتخيل أنه بعد مرور ستة أشهر تقريبا على السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أجد نفسي أقول ذلك، لكن إسرائيل إما في طريقها إلى الهزيمة أو أنها خسرت الحرب بالفعل.
إن الطريقة التي تضطر بها الدولة اليهودية – القوة العسكرية الإقليمية العظمى التي تتمتع بدعم عسكري ضخم من القوة العظمى العالمية –، إلى انتزاع الهزيمة من بين فكي النصر هي قصة تحذيرية للغرب، فكثيرا ما يقال بشكل صحيح؛ إن إسرائيل تقف على خط المواجهة في الصراع ضد الجهادية. حسنا، انتبهوا إلى أن انهيار الحملة الإسرائيلية في غزة، التي بدأت بعد هجوم تشرين الأول/أكتوبر، كان بمنزلة نذير لما قد ينتظرنا في المستقبل.
دعونا ننظر إلى الحقائق على الأرض؛ ففي ذروة الحرب، كان هناك مئات الآلاف من القوات في غزة، ولكن هذا الأسبوع، تم سحب جميع القوات الإسرائيلية تقريبا، ولم يتبق سوى 1000 جندي مقاتل من لواء ناحال، ويتم نشرها فقط على طول ممر نتساريم الضيق، الذي يقسم غزة من الشرق إلى الغرب لمنع حماس من الزحف شمالا. أما الجزء الجنوبي من القطاع، من رفح على الحدود المصرية إلى خان يونس ــ حيث ضحت فرقة الكوماندوز 98 بالعديد من الأرواح من أجل استئصال حماس ومواصلة بحث غير مثمر عن زعيمها يحيى السنوار ــ، فقد تم التخلي عنه للجهاديين، ولا يزال هناك جيوب لحماس في الشمال.
إظهار أخبار متعلقة
إن الخط الإسرائيلي الرسمي، هو أن كل هذا هو مجرد تكتيك لإعادة تجميع صفوفه للتحضير لغزو مستقبلي لرفح، الذي يدعمه معظم الإسرائيليين، وهذا ليس نابعا من بعض التعطش للدماء؛ فإسرائيل تدرك أنه من دون الاستيلاء على رفح، فإن حماس سوف تعود ببساطة وتتكرر أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وعلى حد تعبير أحد كبار الساسة الإسرائيليين، فإنك لن توقف انتشار النار بإطفاء 80 بالمائة منها.
وفي محاولة يائسة لتحقيق الاستقرار في ائتلافه المضطرب وتهدئة جمهور الناخبين، ادعى بنيامين نتنياهو أنه حدد موعدا لعملية رفح، بمجرد أن تصبح القوات جاهزة، لكن قليلا من الناس يصدقونه، ومن الصعب جدّا الآن رؤية كيف يمكن أن يحدث هذا على الإطلاق.
ومع سيطرة حماس مرة أخرى على الجنوب، ستحتاج إسرائيل إلى سحب مئات الآلاف من الاحتياطيات بعيدا عن عائلاتهم مرة أخرى، وإعادة احتلال تلك المنطقة قبل التوجه نحو رفح. وفي الواقع، بعد أن غادرت القوات، بدأ الجهاديون يعودون بالفعل.
فبعد ساعات فقط من انسحاب الفرقة 98 المنهكة من خان يونس، تم إطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل من البلدة التي تم إخلاؤها حديثا، وهذه إشارة إلى حجم التحدي الذي خلقه الانسحاب.
وبمجرد تأمين الجنوب مرة أخرى، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى إجلاء 1.4 مليون شخص من رفح وتوجيههم إلى منطقة آمنة في المنطقة الساحلية، الأمر الذي سيتطلب البناء أيضا. بالتعاون مع أي وكالة مساعدات بالضبط؟ ومع أي حلفاء دوليين؟
لقد حددت إدارة بايدن الآن موقفها العلني ضد غزو رفح، وحتى لو تأخرت المناورات حتى تشرين الثاني/نوفمبر، فإن طبيعة دعم دونالد ترامب تظل سؤالا مفتوحا. صحيح أن الأمريكيين أرسلوا آلاف القنابل وأسطولا من طائرات إف-35 إلى إسرائيل قبل بضعة أسابيع، لكن هذا الأمر صدر قبل سنوات، ولا يشكل أي ضمان للأحكام المستقبلية. لقد جعلت الحرب دعم إسرائيل أكثر سمية من أي وقت مضى، مع دعايتها المتواصلة من الجانب الآخر.
فبعد ستة أشهر من الدم والدموع، ما هي النتيجة؟ دمار هائل في غزة واحتلال جزئي للشمال، ولكن لا يزال هناك أكثر من 130 رهينة في الأسر، كما أن حماس، على الرغم من تدهورها، لا تزال بعيدة عن التدمير، ولا تزال أربع كتائب على الأقل تعمل في رفح، ولا يزال السنوار طليقا. وبينما أكتب، تغير العائلات الإسرائيلية خططها اليومية خوفا من انتقام طهران على العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في سوريا، التي أسفرت عن مقتل مسؤول إيراني كبير، ويواصل حزب الله، الذي يمتلك أكبر ترسانة صاروخية في المنطقة، إطلاق الصواريخ على إسرائيل ويستعد لحرب مستقبلية، ويتم تهجير عشرات الآلاف من الإسرائيليين من الحدود الشمالية، ويعيشون في الفنادق على نفقة دافعي الضرائب، غزة في حالة خراب؛ وإسرائيل مكروهة في جميع أنحاء العالم.
وعلى الغرب أن ينتبه، فمركز استراتيجية الطرف الآخر يقع في طهران، وفي الأسبوع الماضي، عقد آية الله خامنئي اجتماعا مع زعيم حماس إسماعيل هنية، أدلى خلاله بأشد التصريحات، وقال: “لقد نجحنا حتى الآن في الفوز بحروب الإعلام والعلاقات العامة، وتمكنا من تغيير الرأي العام في جميع أنحاء العالم، يجب أن نستمر في هذا”، عليك أن تسلم الأمر إلى الجهاديين؛ فهم لا يحافظون على سرية استراتيجيتهم أبدا، وهذا ما يجعل الأمر أكثر فظاعة.
طيلة ستة أشهر، ظل المعلقون من أمثالي، يحذرون على نحو مستمر من أن الاستراتيجية التي تتبناها حماس تتلخص في التلاعب بالرأي العام، على النحو الذي يجعل إسرائيل مقيدة قبل أن تتمكن من تحقيق النصر، وقد كررنا أنها تفعل ذلك من خلال استبعاد أعداد القتلى من المقاتلين الفلسطينيين من حصيلة القتلى التي يرددها الصحفيون والسياسيون على حد سواء، وهي تفعل ذلك من خلال فرض رقابة على اللقطات التي تخرج من غزة، مما يسمح للعالم برؤية صور المدنيين الذين يعانون فقط، دون أن يعاني الإرهابيون أبدا، وهي تفعل ذلك من خلال الاعتماد على العلاقة التي بنتها على مدى سنوات عديدة مع وكالات المعونة الدولية والأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية، وجميعها منحازة بالفطرة تجاه الفلسطينيين، وقد صدقنا هذا كله في الغرب.
وتم تهميش الرواية المضادة؛ أن إسرائيل تتخذ جميع التدابير الممكنة لحماية حياة الأبرياء، وأنها تواجه حربا وجودية لا يمكن أن تنتهي إلا بتدمير حماس إذا أرادت تحقيق أي سلام، وأنها على خط المواجهة في الحرب بين العالم الحر والجهادية، ويمكن رؤية النتائج في خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، في الافتراض الطبيعي في أذهان الجمهور بأن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية”.
ومن غير المعقول أن نرى هذا أيضا في واشنطن، وقد بدأ الرئيس بايدن نفسه يردد أرقام الضحايا في صفوف حماس ويوجه اتهامات جامحة ضد إسرائيل، متهمًا إياها بـ “القصف العشوائي” والتجاوز “إلى القمة”، وفي الأسابيع الأخيرة، كان هناك عدد من الهجمات على إسرائيل من جانب الديمقراطيين، الذين لا يبذلون الآن أي طاقة تقريبا في انتقاد حماس، وبدأ التحول بخطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس، والذي ركز في قسمه الخاص بالشرق الأوسط بشكل حصري على سلوك إسرائيل، كما جاءت مطالبة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بتغيير النظام في القدس، أعقبها الامتناع الأمريكي عن التصويت في الأمم المتحدة، مما سمح بتمرير قرار معاد.
واستبعد المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، يوم الاثنين، دعم الهجوم على رفح تحت أي ظرف من الظروف، وقد دعا أصدقاء الدولة اليهودية المخلصين، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والسناتور تيم كين والنائبة سوزان وايلد، الولايات المتحدة إلى سحب شحنات الأسلحة والذخيرة، وحتى النائب جوش جوتهايمر، أحد أكثر مؤيدي إسرائيل التزاما، أعرب عن انتقاداته للهجوم المأساوي على قافلة المساعدات الأسبوع الماضي.
ومن وجهة نظر زعيم حماس يحيى السنوار، فهذا حلم يصبح حقيقة. إن استراتيجيته ـ التي تتلخص في مقاومة الهجوم الإسرائيلي إلى أن يكبل المجتمع الدولي يديه ـ، تحقق نجاحا رائعا، ما هو الدافع لديه لإطلاق سراح أي رهائن الآن؟ ما هو النفوذ المتبقي للإسرائيليين؟
ووفقا للتقارير، فإن ميول السنوار المحافظة تتدفق الآن بكامل طاقتها وهو يستمتع بالنشوة تحت الأرض، كانت هذه السمة الغريبة التي يتمتع بها توصف بأنها “مرضية أو بعيدة كل البعد عن الواقع”، ويبدو الآن أنها ليست كذلك.
ولكي نكون منصفين مع الأمريكيين، فإن بنيامين نتنياهو المحاصر لم يجعل الأمور سهلة، بل على العكس تماما من ذلك، وتعتمد سلطته على الأعضاء اليمينيين المتطرفين في ائتلافه، الذين استخدموا حق النقض ضد المحاولتين لتأمين المزيد من المساعدات لغزة، وأي خطة لحكم القطاع من شأنها أن تشمل القوات الفلسطينية. وفي يوم الخميس الماضي، تسببت محادثة هاتفية حادة مع الرئيس بايدن في قيام نتنياهو بالسماح للمساعدات بالمرور عبر معبر إيريز، والسماح للشحنات بالدخول مباشرة من ميناء أسدود، وهو الإجراء الذي منعه رفاقه اليمينيون المتطرفون، لكن هذا قليل جدّا، ومتأخر جدّا، فقد ظل الأمريكيون يطالبون الإسرائيليين كثيرا بتخطيط أفضل، لكن الجمود السياسي لا يزال يصيب إسرائيل بالشلل.
صحيح أن الجيش الإسرائيلي يسمح بدخول 200 شاحنة مساعدات يوميّا إلى القطاع، وهذا أكثر مما تم توفيره قبل الحرب (على الرغم من انخفاض الإنتاج المحلي بشدة خلال الأعمال العدائية)، لكن شحنات محددة من الدقيق، على سبيل المثال، أصبحت عالقة في سياسة حافة الهاوية السياسية، ومن دون خطة “لليوم التالي”، أصبح توزيع المساعدات فوضويّا.
وقد اعترض نتنياهو على اقتراح من مؤسسة الدفاع – الذي تضمن قيام رئيس المخابرات في الضفة الغربية ماجد فرج، باختيار 6000 رجل من فتح من غزة للتدريب في الأردن؛ لتمكينهم من تأمين القطاع – تحت ضغط من جناحه المتطرف، كان هذا حلّا غير مثالي، لكنه كان على الأقل حلّا، ودون ذلك، هناك فراغ في السلطة لا يمكن أن يملأه إلا الإرهابيون.
إن هجمات حماس المتفرقة حتى في الشمال، هي شهادة على هشاشة هيمنة الجيش الإسرائيلي عندما لا يكون له مكون محلي. إن التناقض بين القوات المسلحة المثيرة للإعجاب وسادتها السياسيين البائسين، لم يظهر بهذا الوضوح من قبل.
إظهار أخبار متعلقة
وحتى هذا، يبدو أنه قد عفا عليه الزمن الآن. لقد وعد نتنياهو بتحقيق “النصر الكامل” قائلا؛ إنه “على بعد خطوة واحدة فقط”، ومع عودة القوات إلى الوطن، واحتفال حماس، ونزول المتظاهرين المناهضين للحكومة إلى شوارع إسرائيل بأعداد متزايدة، تبدو هذه الكلمات جوفاء بشكل خاص، ومن غير المعروف ما إذا كانت الانقسامات السياسية الكارثية التي أدخلها نتنياهو هي التي قادت حماس إلى إطلاق الحملة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن الأكيد أن أعداء إسرائيل ينظرون إلى المسيرات في شوارع تل أبيب ويشحذون سكاكينهم.
ولكن بالنسبة للغرب، فإن الصورة الكبيرة هي التي تشكل أهمية بالغة، وأيّا كانت مشاعر الإحباط التي نشعر بها إزاء الإدارة المروعة في القدس، فإن الطريقة التي مارست بها واشنطن ولندن أعمالهما العدائية علنا ــ والتي حرمت إسرائيل الآن من النصر على ما يبدو ــ، تبعث بإشارة خطيرة إلى العالم، وسواء نظرنا إليها من طهران أو موسكو أو بكين أو بيونغ يانغ أو رفح، فإن الرسالة واضحة: قد نكون أقوى من أعدائنا، لكننا لم نعد نمتلك المرونة اللازمة للوقوف في وجههم، ويرى حلفاؤنا ذلك بوضوح مماثل، لن توقع السعودية على اتفاق سلام مع إسرائيل إلا إذا كان هناك اتفاق دفاعي أمريكي ذو معنى على الطاولة، فهل سيثقون بمثل هذه الصفقة الآن؟
علينا أن نفتح أعيننا، وبسرعة؛ فالحرب في غزة لا تتعلق بنتنياهو، ولا يتعلق الأمر حتى بإسرائيل في حد ذاتها، الأمر يتعلق بمستقبل الغرب، وبالنسبة لي ولكم ولعائلاتنا، لم يبدُ المستقبل أكثر خطورة من أي وقت مضى.