نشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا لكاتب العمود في صحيفة "هآرتس" العبرية، ألون بينكاس، طرح في بدايته السؤالين: "كيف تخدع أمة بأكملها بشأن الحرب ثم تحاول أن تفعل الشيء نفسه مع قوة عظمى هي حليفتك؟ وكيف يمكن تحويل حرب عادلة إلى عزلة عالمية وإدانة واسعة النطاق؟"، ثم قال إن "عليك فقط أن تسأل بنيامين
نتنياهو، فلديه براءة الاختراع".
وقال بينكاس الذي شغل سابقا منصب القنصل العام لدولة
الاحتلال بنيويورك، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن "نتنياهو كان يسعى عمدا وعن قصد إلى مواجهة مع الولايات المتحدة منذ أواخر تشرين الأول/ أكتوبر".
وأضاف أن "قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728، الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، لم يكن سوى أحدث ذريعة لهذه المواجهة المتعمدة. وقد يبدو هذا غير بديهي وغير حكيم بالنسبة للقارئ، بالنظر إلى أن البلدين حليفان وثيقان، وبالنظر إلى اعتماد إسرائيل الكبير على المساعدات العسكرية الأمريكية ومظلتها الدبلوماسية، وخاصة بالنظر إلى دعم الرئيس بايدن الساحق والثابت لإسرائيل منذ كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
والسبب بحسب كاتب المقال، هو أن "لدى نتنياهو سببين للتحريض على مثل هذه المواجهة. الأول هو المخادعة على نطاق واسع. فقد اختلق سردية من المفترض أنها تشرح سياق الحرب، وبالتالي تعفيه من المسؤولية والمساءلة التي يرفض باستمرار تحملها. كما أنه يصرف الانتباه عن سياسته المعلنة المتمثلة في مطالبة قطر بتحويل المزيد من الأموال إلى غزة لتعزيز حماس، وكل ذلك من أجل إضعاف السلطة
الفلسطينية وجعل أي مفاوضات سياسية مستحيلة".
اظهار أخبار متعلقة
ويقول الكاتب إنه "وفقا لهذه السردية، فقد كان يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر مجرد كارثة كان من الممكن تجنبها لو لم تفشل قوات الدفاع الإسرائيلية واستخبارات الشاباك. والمشكلة الأكبر الآن، بحسب نتنياهو، هي إمكانية قيام دولة فلسطينية يحاول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، فرضها على إسرائيل منذ الهجوم. ووفقا لهذه السردية، فإن نتنياهو البطل وحده هو القادر على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وتحدي رئيس أمريكي، ومنع هذه المهزلة".
وأشار الكاتب إلى أنه "بالرغم من أنه من المستحيل أن يتم فرض دولة فلسطينية جديدة من الخارج، إلا أن هذا التأطير يسمح لنتنياهو باسترضاء ائتلافه اليميني المتطرف وشركائه، الذين عارضوا منذ فترة طويلة أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. ويسمح له بجعل الصراع مع الولايات المتحدة نقطة محورية، بدلا من إخفاقاته. فالأمر لا يتعلق بلويس الرابع عشر الذي يريد أن يصبح رئيسا للوزراء.. لم يكن الأمر كذلك أبدا".
أما السبب الثاني الذي هو أكثر حداثة وعملياتية، بحسب الكاتب، فهو أن المواجهة تدور حول جعل بايدن كبش فداء لفشل نتنياهو في تحقيق "النصر الكامل" أو "القضاء على حماس"، وهما شعاران يرددهما بانتظام.
وقال الكاتب إن" قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، والذي تبنته 14 دولة مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، يضع إسرائيل على مسار تصادم مزدوج: مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن بشكل أكثر أهمية، مع الولايات المتحدة".
وأضاف أن الغضب الذي ينتاب نتنياهو بشأن مدى "دهشته" وكيف أن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت يشكل خروجا عن السياسة التي من شأنها أن تمنع النصر هي كذبة كبيرة. لقد حذرته إدارة بايدن مرارا من أن هذه ستكون نتيجة حتمية إذا استمر في تعنته وتحديه ورفضه الفعلي للتعامل مع الولايات المتحدة، الحليف القوي والحامي لإسرائيل.
ويرى الكاتب أن "هناك ثمنا يجب على نتنياهو دفعه عندما يتجاهل طلبات الولايات المتحدة، ويرفض نصيحة الرئيس حسنة النية، ويغمر وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالخداع المزدوج، ويسخر بشكل عرضي من خطط وأفكار الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة، ويُظهر عنادا فجا من خلال رفض تقديم رؤية موثوقة ومتماسكة بالنسبة لغزة ما بعد الحرب، ويقوم بإجراء مكالمة فيديو مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين (المجموعة التي يشعر نتنياهو أنه عضو فيها مدى الحياة) ويسعى بنشاط إلى مواجهة مفتوحة مع الإدارة".
ولفت إلى أنه في الآونة الأخيرة، حذرت وزارة الخارجية الأمريكية بقيادة بلينكن، إسرائيل من أنها أصبحت معزولة بشكل متزايد وأنها معرضة لخطر إلحاق "ضرر جيلي" بسمعتها وصورتها.
وقال الكاتب إنه لو "كانت إسرائيل قد تعاملت بجدية مع الولايات المتحدة بشأن أي من القضايا المذكورة أعلاه، دون الموافقة بالضرورة على كل شيء، لكانت قد منعت هذا الصدع. فلدى الولايات المتحدة خلاف أساسي طويل الأمد مع إسرائيل: الافتقار إلى هدف سياسي متماسك للحرب، والذي يجب أن تتماشى معه الوسائل العسكرية. واستفسرت الولايات المتحدة مرارا عن أهداف إسرائيل، ولم تحصل إلا على إسقاط حماس، وهو هدف جدير بالاهتمام، لكنه لا يتناول اليوم التالي".
وتوقع أنه "في ما يتعلق بمجلس الأمن، فسوف تشرح إسرائيل لنفسها بشكل ملائم أن القرار ليس مشكلة كبيرة، وأنه لا يوجد تهديد وشيك بفرض عقوبات، وعلى أي حال، كانت الأمم المتحدة دائما وستظل معادية لإسرائيل". ثم استدرك قائلا: "ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن هذا ليس المهم، فالقرار يضع إسرائيل في وضع مزعج وغير مستقر بالنسبة لدولة، ناهيك عن دولة ديمقراطية وحليفة للولايات المتحدة. والساحة الأكثر أهمية هي العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد تم توثيق تدهورها في عهد نتنياهو بشكل جيد خلال العام الماضي، لكن قرار مجلس الأمن يمثل مستوى منخفضا جديدا".
وأشار الكاتب إلى أنه "منذ شهر كانون الثاني/ يناير تقريبا، قامت الولايات المتحدة بمراجعة تقييمها لإسرائيل بشكل سلبي في عهد نتنياهو. فهو لا يتصرف كحليف، وقد تراكم لديه عجز مدمر في المصداقية على مر السنين في العديد من القضايا، وقد فشل عمدا في التوصل إلى خطة لغزة ما بعد الحرب - إلى درجة أنه الآن موضع شك جدي في واشنطن. لإطالة أمد الحرب من أجل بقائه السياسي".. موضحا أن "المواجهة الحالية حول قرار مجلس الأمن تعمل على توسيع الصدع إلى درجة أنه من المستحيل رؤية كيف سيتغير المسار طالما بقي نتنياهو في السلطة".
اظهار أخبار متعلقة
وقال إنه "في الوقت الحالي، هناك ثلاث نقاط خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يتعلق بتفاصيل مواصلة الحرب: فكرة أن إسرائيل تعرقل المساعدات الإنسانية وعدد القتلى من المدنيين غير المقاتلين وغزو عسكري محتمل لرفح، على الطرف الجنوبي من غزة. وكان من الممكن حل هذه الخلافات لو كانت بين نتنياهو وبايدن علاقة عمل صادقة وحسنة النية، ولكن ذلك غير موجود، وفي الواقع، لدى نتنياهو سجل حافل بالمواجهات والمشاحنات المتكررة مع الإدارات الأمريكية، من جورج بوش الأب إلى بيل كلينتون، وباراك أوباما، والآن بايدن. ويجب أن نضيف أن تدخله - غير الناجح - في السياسة الأمريكية هو أيضا سمة مألوفة له منذ التسعينيات".
ويخلص الكاتب إلى أن "الوضع الحالي للعلاقات يقترب من نقطة انعطاف، ويمكن أن يسير في أحد اتجاهين: إما الإطاحة بنتنياهو أو تركه أو خسارته في الانتخابات، أو أن الولايات المتحدة سوف تكون مقتنعة بأن النظام البيئي الثنائي قد تعثر ويستدعي إعادة تقييم كبيرة للعلاقات بين البلدين. وفي عهد نتنياهو، وصلت إسرائيل إلى النقطة التي أصبحت عندها قيمتها كحليف موضع شك. لقد استغرق الأمر بعض الوقت من الولايات المتحدة، ولكن يبدو أنها أدركت أخيرا حقيقة بسيطة: ربما تكون إسرائيل حليفة، ولكن من المؤكد أن نتنياهو ليس كذلك".