لم يأتِ بجديد ذلك الاستطلاع الذي أجراه المركز
الفلسطيني
للدراسات المسحية في 5 آذار/ مارس الجاري، حينما ذكر أن 85 في المئة من المصوّتين يطالبون
باستقالة رئيس السلطة الفلسطينية
محمود عباس، بينما يرى آخرون أن سلطته باتت عبئا ثقيلا
على القضية، ونسبتهم نحو 65 في المئة، كما أن الاستطلاع ذاته لم يضف حروفا وليدة إلى
أبجديات الشعب الفلسطيني حينما أظهر تأييدا كبيرا لعملية طوفان الأقصى، حيث رآها سببا
في إعادة القضية الفلسطينية إلى جادة الصواب. وهذا هو المنطق الحقيقي، وما دون ذلك
هو عبارة عن أفكار فئوية ضيقة تخدم المصالح الشخصية لأصحابها ومرتباتهم الشهرية، وسعيهم
إلى الترفع والترقية في المناصب.
البرغوثي يتصدر وعباس يتذيّل
ولأن شعبنا الفلسطيني يؤيد أي مبادرة تهدف إلى مواجهة الاحتلال
الإسرائيلي، لا الخنوع له والخضوع، فقد أظهر الاستطلاع ذاته تقدم الأسير المناضل مروان
البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ عقدين، حال ترشحه للرئاسة، على كل من رئيس
المكتب السياسي لحركة
حماس إسماعيل هنية الذي حل في المرتبة الثانية، ومحمود عباس الذي
تذيّل قائمة المرشحين الثلاثة، فيما قال الاستطلاع إن هنية سوف يأخذ الكم الأكبر من
أصوات الناخبين في حال أجريت الانتخابات بينه وبين عباس ثنائيا، دون مشاركة البرغوثي.
لأن شعبنا الفلسطيني يؤيد أي مبادرة تهدف إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لا الخنوع له والخضوع، فقد أظهر الاستطلاع ذاته تقدم الأسير المناضل مروان البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ عقدين، حال ترشحه للرئاسة، على كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي حل في المرتبة الثانية، ومحمود عباس الذي تذيّل قائمة المرشحين الثلاث
وهذا دليل واضح على أن غالبية فئات شعبنا هي مع خيار المواجهة
مع الاحتلال أيّا كان مصدرُها، حمساويا أو فتحاويا أو جبهويا، ودليل وعي وطني كبير
لا وجود فيه للتحزب، فالبرغوثي وهو أحد قياديي حركة
فتح، هو من تصدّر على حساب هنية
الحمساوي، فيما خسر عباس رغم أنه والبرغوثي من ذات الفصيل الأصفر، إلّا أن البرغوثي
آثر على نفسه أن يكون مع خيار الشعب، فأرسل من معتقله رسالة نارية يدعو فيها أبناء
حركته والأجهزة الأمنية إلى الانخراط في الطوفان، والانتفاض في وجه الاحتلال. لكنّ
عباس وصحبه آثروا الاصطفاف خارج الإرادة الشعبية، والإبقاء على حالة التنسيق الأمني
(المقدس) مع الاحتلال، وهو الذي أقرّ به أبو مازن في أكثر من مناسبة حينما قال إن التنسيق
الأمني مُقدّس، فيما نفى وجوده متحدث "فتح" في أوروبا جمال نزال أثناء مشاركته
ذات مرة، في إحدى حلقات الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة، حينما قال لنظيره في البرنامج
الدكتور إبراهيم حمامي: "أنفي هنا وبشكل قاطع وجود هذا المصطلح (التنسيق الأمني)
في معاملات فتح، وإذا كان هذا المصطلح مستخدما فسوف أستقيل من الحركة"، إلّا أنه
ما يزال يشغل ذات المنصب حتى يومنا هذا، تاركا الباب مفتوحا على مصراعيه للافتراض الذي
يقول: أحدُكما كاذب، أنت أو محمود عباس.
حكومة جديدة فوق النقد
إن ذلك الاستطلاع ونتائجه، تزامنوا أيضا مع تشكيل حكومة
فلسطينية جديدة برئاسة محمد مصطفى، والتي لم تحظَ بإجماع الكل الفلسطيني، كسائر الحكومات
الفلسطينية السابقة واللاحقة، وهذا ليس بجديد، ولعل عدم نيلها ثقة حركتي حماس والجهاد
الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ خير دليل على صحة هذا القول، والغريب في ذلك
أن بيان حركة فتح في الرد على الانتقاد الثلاثي لتشكيل الحكومة كان فوقيّا بامتياز،
وكأن تلك الفصائل وعناصرها ليسوا من الشعب الفلسطيني لأنهم انتقدوا الحكومة، بل عليهم
أن يقولوا سمعا وطاعة لحكومة تشكلت بين عشيةٍ وضحاها دون مشاورتهم، بل سمعوا بتشكيلها
في وسائل الإعلام، وفي ظرف عصيب جدا يمر فيه الشعب الفلسطيني ..
ائتوني تَاللهِ عليكم، بحكومةٍ واحدةٍ في هذا العالم تم
تشكيلُها ولم تتعرض لانتقاد، أو حظيت بإجماع شعبي كامل 100 في المئة، أو نالت استحسان
الجميع، إن ذلك بديهيٌّ جدا في تاريخ تشكيل الحكومات منذ نشوء الخليقة وحتى قيام الساعة،
ولو أسقطنا على الواقع الفلسطيني مصطلحَي حكومة ومعارضة على سبيل المثال، فإنه يمكننا
اعتبار السلطة هي الحكومة، وحماس هي المعارضة، و من الطبيعي أن تنتقد حماس أي حكومة
تستفرد فيها السلطة، إلّا إذا كانت حكومة محمد مصطفى فوق النقد وعلى سطح القمر..
حكومة سابقة فوق المساءلة
ألم يصدّع رؤوسَنا كثيرون من أتباع السلطة بعد 7 تشرين
الأول/ أكتوبر، وهم يقولون لا أحد فوق النقد ولا أحد فوق المساءلة، في إشارة إلى حركة
حماس؟ ألم تحمرّ وجناتهم على الفضائيات وهم يصرخون ويطالبون بمحاسبة حماس؟ فلماذا اليوم
يضعون حكومة محمد مصطفى فوق النقد ولا يقبلون لفلسطيني كائنا من كان أن يفتح فاهُ أو
ينبس ببنت شفة؟ ولماذا يضعون حكومة محمد اشتية فوق المساءلة أيضا؟ وهل سوف تتم مساءلته
على ملفات كثيرة حدثت في عهده؛ لا أودّ استعراضها في هذا المقال؟ ألم يطالب أبناء منظمة
التحرير الفلسطينية ومشتقاتها بمحاسبة حماس على صنيعها، مستشهدين على ذلك بالإسرائيليين
الذين يريدون محاكمة رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بسبب فشله الذريع الذي مُني به في
أزمة غزة؟ فلماذا لا نحاسب إذن حكومة محمد اشتية كما يفعل الإسرائيليون الذين يستشهدون
بهم؟ أمْ أنّ الشاهدَ ذاته يكون حاضرا في إدانة الأخضر، بينما يتلاشى الشهود أمام الأصفر؟
والغريب أكثر من ذلك عزيزي القارئ، أن مسؤولي منظمة التحرير
وفي معرض ردودهم على انتقادات تشكيل الحكومة، برروا ذلك بأن الحكومة الرشيدة الجديدة
نالت استحسان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول إقليمية وبالتالي لا قيمة لأي
رأيٍ آخر، وكأنني كفلسطيني عليّ أن أقبل بأي حكومة تحظى بإعجاب الأمريكي والأوروبي
وغيرهم، أو كأن هاتيك الحكومة سوف تحكم في برلين أو أمستردام أو باريس أو واشنطن أو
موسكو أو خورفكّان، فأيُّ منطقٍ هذا المنطق؟! ما فائدة أن تنال الحكومة لفتة كريمة
من واشنطن في الوقت الذي لم تنل فيه مباركة الكل الفلسطيني بمختلف التوجهات؟ هل لو
مشينا القارة الأوروبية بيتا بيتا، و حارة حارة، وسألنا المواطنين الأوروبيين عن اسم
رئيس الحكومة الفلسطينية الجديد سيعرفونه؟ أو هل يعرفون محمد مصطفى أو اشتية أو أسلافهم
حتى؟ تلك الأسماء لا يعرفها إلا جزء من الشعب الفلسطيني وليس الكل حتى، فالكثيرون منا
وبسبب التهميش المتجذر لا يعرف اسم أي وزير من وزراء فلسطين أو أي حكومة من الحكومات
المتعاقبة..
لماذا نالت استحسان واشنطن؟
إنّ حكومة أو فصيلا أو منظمة أو سلطة، لم تكترث بنا يوما في مخيمات الشتات، ولم تزر مخيمنا لو مرة واحدة، ولم تلتقِ بنا لو بالمنام، ولم نرَ وجها واحدا من وجوهها على مدار عقود من التهميش، لا تمثّل الكل الفلسطيني ولن تمثّله، بل سوف تستمد شرعيتها من مباركة دول بعيدة جدا
ثم إنه من الطبيعي أن تحظى حكومة محمد مصطفى بمباركة أمريكية
طالما أنها تشكلت بكبسة زر من واشنطن وبأمر عسكري إسرائيلي، فقد قال موقع "واللا"
الإخباري الإسرائيلي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، إن اجتماعا سريا في الرياض
جمع مستشار الأمن القومي السعودي، ومدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، ونظيريه المصري
والأردني، بإشراف وتنسيق من مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين كبار، تم فيه إبلاغ ماجد
فرج بأن السلطة الفلسطينية بحاجة ماسة إلى إصلاحات جدّيّة تمكّنها من تنشيط قيادتها
السياسية، والمطلوب هو "تشكيل حكومة فلسطينية جديدة" من أجل استلام مقاليد
الحكم في اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، ليقدّم محمد اشتية استقالته بعد هذه التسريبات
بأقل من شهر، ثم يأتينا بعد ذلك أحدهم ليقول إن حكومة محمد مصطفى نالت استحسان واشنطن،
وكأن واشنطن لم تكن هي الآمر والناهي في هذا الملف..
إنّ حكومة أو فصيلا أو منظمة أو سلطة، لم تكترث بنا يوما
في مخيمات الشتات، ولم تزر مخيمنا لو مرة واحدة، ولم تلتقِ بنا لو بالمنام، ولم نرَ
وجها واحدا من وجوهها على مدار عقود من التهميش، لا تمثّل الكل الفلسطيني ولن تمثّله،
بل سوف تستمد شرعيتها من مباركة دول بعيدة جدا، بينها وبين القدس جغرافيا، كما هو بين
الحكومة والقدس ولاء ووطنية.