مع حلول شهر رمضان المبارك، واجهت الجهود الرامية إلى
التوسط في إحلال هدنة دائمة بين إسرائيل وحماس عقبات لا يمكن التغلب عليها، مما
يشير إلى فترة أخرى من المشقة الشديدة التي يواجهها شعب
غزة. ويسلط هذا المأزق في
المفاوضات، الضوء على رواية أوسع للمعاناة، وتعنت إسرائيلي بشأن مواصلة الإبادة
الجماعية في قطاع غزة.
ويُعزى الجمود الذي وصلت إليه محادثات السلام إلى ما
يُنظر إليه على أنه انخراط إسرائيلي سطحي في العملية. ويبدو بشكل واضح ولا لبس فيه
أن مشاركة إسرائيل تبدو وكأنها مسرحية استراتيجية أكثر من كونها جهدا حقيقيا
للتوصل إلى وقف إنساني لإطلاق النار. ويتغذى هذا المنظور على الاتهامات الموجهة
للحكومة الإسرائيلية بمحاولة تصوير حماس بشكل سلبي، وتصويرها على أنها الطرف
المسؤول عن رفض مقترحات السلام. إن الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل، كما نفهمها،
تخدم غرضا مزدوجا: حشد الدعم السياسي الدولي من خلال إلقاء اللوم على حماس، ومن ثم
إثارة عدم الرضا بين سكان غزة تجاه قيادتهم. وينظر إلى هذا التكتيك على أنه محاولة
للضغط على حماس داخليا لحملها على قبول
وقف إطلاق النار بموجب شروط إسرائيلية.
الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل، كما نفهمها، تخدم غرضا مزدوجا: حشد الدعم السياسي الدولي من خلال إلقاء اللوم على حماس، ومن ثم إثارة عدم الرضا بين سكان غزة تجاه قيادتهم. وينظر إلى هذا التكتيك على أنه محاولة للضغط على حماس داخليا لحملها على قبول وقف إطلاق النار بموجب شروط إسرائيلية
ومما يزيد هذا الوضع المعقد هو تصرفات إسرائيل، التي
يُنظر إليها، بالتعاون مع حلفائها الغربيين وبعض العرب، على أنها محاولات لممارسة
ضغوط ضد سكان غزة. والهدف وراء هذه الإجراءات هو إثارة المعارضة العامة ضد قيادة
المقاومة الفلسطينية، والاستفادة من الاحتياجات الإنسانية الماسة لسكان غزة. ويكمن
جوهر هذا النهج في التلاعب بالضروريات الأساسية، مثل الغذاء والدواء، واستخدامها
كوسيلة لإجبار السكان على التخلي عن المقاومة والشروط الأساسية لعملية وقف إطلاق
النار.
لقد اجتذبت خطورة الأزمة في غزة الاهتمام الدولي
الإنساني بشكل متزايد، حيث أكد مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة
للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، على الوضع الإنساني المخيف في
القطاع. وسلط غريفيث الضوء على الطبيعة المطولة للهجمات الإسرائيلية على غزة،
والتي دخلت شهرها السادس، مما أدى إلى تفاقم معاناة سكان غزة.
وفي ظل هذه الخلفية، من المتوقع عقد اجتماع سداسي
الأطراف، يضم السلطة الفلسطينية وقطر والإمارات ومصر والأردن، إلى جانب المملكة
العربية السعودية. ويهدف هذا التجمع إلى معالجة مسألة وقف العدوان على غزة وتسهيل
إيصال المساعدات. وتأتي هذه المبادرة في الوقت الذي أودى فيه الصراع بحياة ما يقرب
من 31 ألف شخص على مدى خمسة أشهر من الهجمات الإسرائيلية الوحشية. وعلى الرغم من
المحاولات السابقة للحوار، بما في ذلك الاجتماعات الأمنية بحضور أمريكي إسرائيلي،
لم يتم إحراز أي تقدم ملموس نحو وقف إطلاق النار.
وتظل احتمالات خروج هذه اللقاءات بنتيجة إيجابية قاتمة
في ظل موقف إسرائيل الثابت، وغياب الموقف العربي الموحد القادر على ممارسة النفوذ
على إسرائيل. يرسم هذا السيناريو صورة قاتمة للصراع المستمر في غزة، ويسلط الضوء
على التفاعل المعقد بين المناورات السياسية والأزمة الإنسانية الأليمة التي لا
تزال تتكشف آثارها يوما بعد يوم.
وفي قلب العالم العربي، بزغ فجر إدراك عميق لدى شعوبه هو:
لقد تلاشت التوقعات من القيادة السياسية في جميع الدول العربية لمناصرة قضية قطاع
غزة، وحل محلها الاعتراف المؤلم بمحدودية هذه الجهود. ولا ترجع جذور هذا المنظور
المتطور إلى خيبة الأمل وحدها، بل إلى إعادة تقييم عملية لما يمكن طلبه من قادتهم بشكل
عملي وواقعي. لقد تحول النداء نحو طلب أكثر جوهرية: أن يمتنع هؤلاء القادة على
الأقل عن تعزيز الموقف الإسرائيلي.
تلاشت التوقعات من القيادة السياسية في جميع الدول العربية لمناصرة قضية قطاع غزة، وحل محلها الاعتراف المؤلم بمحدودية هذه الجهود. ولا ترجع جذور هذا المنظور المتطور إلى خيبة الأمل وحدها، بل إلى إعادة تقييم عملية لما يمكن طلبه من قادتهم بشكل عملي وواقعي. لقد تحول النداء نحو طلب أكثر جوهرية: أن يمتنع هؤلاء القادة على الأقل عن تعزيز الموقف الإسرائيلي
وقد تأكدت هذه المشاعر والشعور بالخيبة من الموقف الرسمي
العربي بشكل صارخ من خلال تعليقات نتنياهو لمجلة بوليتيكو، والتي كشفت عن حقيقة
مفادها أن الزعماء العرب لقادة العرب يتفهمون ما يجري ويوافقون عليه بهدوء. وقد
أظهرت هذه التصريحات أنه خلف حجاب الدبلوماسية، قد يذعن القادة العرب ضمنيا للرياح
الإسرائيلية السائدة، حتى لو هبت بقسوة ضد القضية الفلسطينية ونسفتها كذلك.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى عن تصدعات في فاعلية الموقف
العربي، وكشفت عن جبهة مفككة حيث كانت الوحدة أبرز العناصر التي يحتجاها الشعب
الفلسطيني، وبدلا من تسخير هذا المنعطف الحرج لتصعيد الضغوط الجماعية على إسرائيل،
بهدف ردع المزيد من العدوان على غزة والدفع نحو حلول سلام أكثر استدامة، تباينت
بعض الدول العربية، وألقت الاتهامات على حماس بقوة فاجأت الكثيرين. أثارت دولة
الإمارات العربية المتحدة جدلا كبيرا بإدانتها عملية طوفان الأقصى ووصفتها
بـ"البربرية الوحشية"، وذلك في بيان ألقته وزيرة الدولة الإماراتية
لشؤون التعاون الدولي، ريم الهاشمي، في اجتماع لمجلس الأمن، وكان هذا بمثابة خروج
صارخ عن التضامن المتوقع، مما زاد من تعقيد شبكة السياسة الإقليمية المتشابكة
بالفعل.
وبالتوازي مع ذلك، أظهرت الكتلة الغربية بقيادة الولايات
المتحدة، جبهة قوية في دعم إسرائيل من خلال الأسلحة والإعلام والدعم السياسي؛ حتى
مع ظهور تقارير عن مذابح وأعمال إبادة جماعية في غزة. ويسلط هذا الدعم الثابت
الضوء على التنافر بين القيم المعلنة والدعم القابل للتنفيذ، مما يؤكد مدى تعقيد
التحالفات الدولية والحسابات الجيوسياسية التي غالبا ما تهمش المخاوف الإنسانية.
ومما يزيد الأمر تعقيدا أن الدول العربية (مصر، الأردن،
الإمارات، البحرين والمغرب) قاومت إلى حد كبير الدعوات لقطع أو حتى تعليق اتفاقيات
التطبيع مع إسرائيل، مما يدل على إحجامها عن ترجمة الاحتجاج العام والسخط الأخلاقي
إلى عمل دبلوماسي. وهذا الموقف لا يؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى وقف الفظائع
في غزة فحسب، بل يخلف أيضا تأثيرا مروعا على المواطنين العرب، ويضغط عليهم لإسكات
انتقاداتهم لتقاعس قادتهم أو تواطؤهم في مواجهة المعاناة الفلسطينية.
ويبدو بأن السعودية تتجه لمنع رفع أي شعارات أو أعلام
لدعم فلسطين خلال موسم العمرة في شهر رمضان المبارك، حيث حذّر مدير الأمن العام
السعودي الفريق محمد البسامي؛ المعتمرين من مخالفة اللوائح والأنظمة المعمول بها
في المملكة، خلال زيارتهم إلى الحرمين الشريفين في شهر رمضان المبارك. وقال
البسامي خلال مؤتمر صحفي كشف خلاله عن استعدادات الأمن العام لموسم رمضان، إن
"الحرم وساحاته للعبادة، ونرجو من الزوار والمعتمرين كافة التقيد بهذه
المقاصد".
وجاء حديث البسامي بعد أيام من تصريحات أطلقها رئيس هيئة
شؤون الحرمين الشيخ عبد الرحمن السديس، حذر خلالها المعتمرين من رفع أي علم سوى
العلم السعودي.
يؤكد هذا الوضع الغياب الصارخ لمبادرة عربية متماسكة قادرة على حشد دعم حقيقي للشعب الفلسطيني في غزة. ولا تكشف الاستجابات المتباينة والافتقار إلى العمل الموحد عن فشل سياسي فحسب، بل عن أزمة أخلاقية داخل العالم العربي. وبينما يستمر أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني بالمقاومة وسط هذه المناورات الجيوسياسية، فإن السعي إلى تحقيق حل عادل ودائم يظل بعيد المنال
ومن جهة أخرى، فقد قوبلت الأصوات الناقدة التي ظهرت، مثل
الانتقادات المؤثرة من الناشطين الكويتيين وغيرهم في جميع أنحاء العالم العربي ولا
سيما ضد موقف الإمارات العربية المتحدة، بردود فعل عنيفة من قبل السلطات الرسمية في
الإمارات؛ وسط مطالبات بقمع هؤلاء النشطاء وتهديدات بانعكاس الانتقادات والمطالبات
المحقة على العلاقات السياسية والاقتصادية بين هذه البلدان. وتؤكد البرامج
ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تلك التي نشرها خليفة المزين في برنامج
"بين قوسين" وحسن الزعبي وغيرهما في انتقاد التطبيع الإماراتي
الإسرائيلي والخذلان العربي لفلسطين، على الانقسام بين المواقف الحكومية ونبض
الشارع العربي. وتعمل هذه الديناميكية على تسليط الضوء على الفجوة الآخذة في
الاتساع بين الحكام والمحكومين، حيث يبدو الحكام منفصلين عن التضامن الشعبي مع
فلسطين.
ويؤكد هذا الوضع الغياب الصارخ لمبادرة عربية متماسكة
قادرة على حشد دعم حقيقي للشعب الفلسطيني في غزة. ولا تكشف الاستجابات المتباينة
والافتقار إلى العمل الموحد عن فشل سياسي فحسب، بل عن أزمة أخلاقية داخل العالم
العربي. وبينما يستمر أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني بالمقاومة وسط هذه المناورات
الجيوسياسية، فإن السعي إلى تحقيق حل عادل ودائم يظل بعيد المنال، مما يترك أهل
غزة عالقين في مرمى نيران صراع يتجاوز حدودهم، ولكنه لا ينفصل عن مصيرهم في تحقيق
آمالهم وأهدافهم التاريخية المشروعة.