كنا في المقالة الأولى تحدثنا عن دائرتين من الدوائر التي بدأت تتشكل بعد
طوفان الأقصى والتي تشي بسقوط الكيان المحتل، وهما: "التشققات في جدار الكيان
المحتل"، و"داعمو الكيان وحلفاؤه"، ونستعرض اليوم الدوائر الثلاث
المتبقية..
الدائرة الثالثة: تطور قوة المقاومة واتساع الخطط المستقبلية والتغيرات
الإقليمية
يلاحظ المراقبون عجز قوات الاحتلال عن تحقيق انتصار حقيقي في قطاع
غزة، وقال بعضهم "إن الحرب التي تقودها "
إسرائيل" بلا رؤية؛
أفقدتها الدعم الدولي، وأدخلتها في عزلة عالمية"؛ ذلك أنها واجهت مقاومة تتسم
بالقوة والعناد والثقة بالنفس والإصرار على إلحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يُقهر،
وهي التي تتكئ في مواجهاتها على أسلحتها التقليدية التي طورتها بنفسها لتدمر أو
تعطب دبابة الميركافا التي توصف بأنها أقوى دبابة في العالم، كما تقول الجهات
العسكرية المختصة في الكيان المحتل والعالم.
يلاحظ المراقبون عجز قوات الاحتلال عن تحقيق انتصار حقيقي في قطاع غزة، وقال بعضهم "إن الحرب التي تقودها "إسرائيل" بلا رؤية؛ أفقدتها الدعم الدولي، وأدخلتها في عزلة عالمية"؛ ذلك أنها واجهت مقاومة تتسم بالقوة والعناد والثقة بالنفس والإصرار على إلحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يُقهر، وهي التي تتكئ في مواجهاتها على أسلحتها التقليدية التي طورتها بنفسها
ولو لاحظنا القفزات التي حققتها المقاومة في التصنيع العسكري منذ نشأتها
حتى اليوم؛ لوجدنا تطورا هائلا في قدرة هذه الأسلحة على مواجهة آليات العدو، ناهيك
عن القوة الصاروخية الكبيرة التي طورتها المقاومة لتصبح مصدر رعب للعدو، هذا
بالإضافة للقدرات العسكرية لرجال المقاومة والروح المعنوية التي يتحلون بها، والتي
تفتقدها قوات الاحتلال التي تعتمد في حربها على التفوق الآلي والطيران والقنابل
ذات القوة التفجيرية المفرطة.
ومع الفارق الكبير في التسليح بين الطرفين؛ نجد أن رجال المقاومة أقدر على
الصمود وأكثر إصرارا على الاستمرار في معركة نتوقع أن تؤدي إلى هزيمة العدو
وتكبيده خسارة كبرى في مشهد تراجيدي عز مثيله زمانا ومكانا..
في هذه الأثناء يدرك المراقب لسير المعركة القائمة بأن هزيمة المقاومة تبدو
شبه مستحيلة وأن كلمة "استسلام" غير موجودة في قاموسها، وعلى الطرف
الآخر فقد فشلت قوات الاحتلال على الرغم من همجية القوة وقدرتها التدميرية الهائلة
في تحقيق النصر على المقاومة، واكتفت بتحقيق النصر على دم الأطفال والرضع
وأمهاتهم.. ولنا أن نتخيل أن تحوز المقاومة على مضادات للطائرات وصواريخ أكثر قوة
تدميرية تنطلق من عدة جبهات في آن معا، في ظل تغيرات فعلية في العمق الحاضن
للمقاومة والمشارك فيها، فعلى الرغم من التواطؤ الإقليمي العربي إلا أن المقاومة
تقف على قدميها متحدية الكل الصهيوني والأمريكي والعربي المتآمر الذي يدعم الكيان
المحتل على حساب
الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
إن التغيرات الإقليمية قادمة لا محالة، فاستمرار الاصطفاف مع الكيان
الصهيوني لا يمكن أن يستمر، وسوف يكتشف العرب المرتجفون والمتخاذلون أنهم واقعون
تحت وهْم القوة الإسرائيلية وقدرتها على حمايتهم، في حين لا يتوانى الكيان المحتل
عن فضحهم وكشف خيانتهم وتواطئهم.. وقد كفرت الشعوب العربية بعد طوفان الأقصى
بزعاماتها، وسوف تكون لها كلمتها الأقوى في المشهد السياسي القائم، ولا أظن أن أنظمة
دول الطوق ستستمر طويلا في ظل الانكشاف الخطير لدورها الخياني الذي بات مكشوفا
للشعوب التي لن تصمت طويلا، فالتغيير قادم؛ لأنه بات مطلبا شعبيا حتميا، فالنار
تحتدم في الصدور، وبدأ صبر الشعب العربي ينفد، وبات الخوف من القمع من مخلفات
الماضي..
التغيرات الإقليمية قادمة لا محالة، فاستمرار الاصطفاف مع الكيان الصهيوني لا يمكن أن يستمر، وسوف يكتشف العرب المرتجفون والمتخاذلون أنهم واقعون تحت وهْم القوة الإسرائيلية وقدرتها على حمايتهم، في حين لا يتوانى الكيان المحتل عن فضحهم وكشف خيانتهم وتواطئهم.. وقد كفرت الشعوب العربية بعد طوفان الأقصى بزعاماتها، وسوف تكون لها كلمتها الأقوى في المشهد السياسي القائم
الدائرة الرابعة: الهزيمة النفسية والرعب لدى الشعب اليهودي
إن أكثر ما أرعب نتنياهو وحكومته ومراكز صنع القرار في الكيان المحتل،
وزلزل كيانهم، هو الرعب الذي سببه 7 تشرين الأول/ أكتوبر للشعب اليهودي الذي فقد
كثير منه ثقته بالمستقبل، وإحساسه بالأمن؛ فغادر الكيان ما يقرب من مليون يهودي،
حسب بعض التقديرات، وقد أفادت القناة العبرية الثانية أن 30 في المئة من اليهود يدرسون الهجرة إلى ألمانيا بشكل فعلي.. علما
بأن معظم أبناء الطبقة الحاكمة يعيشون خارج فلسطين..
وفي حال استمر الاشتباك بين المقاومة وقوات الاحتلال في الضفة وغزة مع
احتمال تنفيذ عمليات فدائية في الداخل الفلسطيني؛ فإن مزيدا من الإحساس بالرعب
سينتشر في المجتمع اليهودي الذي بات يحس بعدم الأمان، وهو مما يجعل البنية
الاجتماعية قابلة للانهيار، ويفاقم حالة التشرذم التي يعاني منها أصلا، ويهيئ
الأجواء لمزيد من التقهقر النفسي والضياع الوجودي لهؤلاء القادمين من أوروبا
والدول الأخرى، والذين بات كثير منهم يفكرون بمغادرة فلسطين ناهيك عمن غادروا بعد
طوفان الأقصى..
إلى ذلك فإن التصريحات التي نطق بها كثير من الساسة والقيادات الصهيونية عن
اقتراب أجل "دولة إسرائيل" عملت على تحطيم الروح المعنوية للشعب
اليهودي، وألجأته إلى حالة من الرعب النفسي، وانهيار الروح المعنوية.
الدائرة الخامسة: وعي الشعوب حول العالم والتأثير على حكوماتها
بدأت شعوب العالم، ومنها الشعب الأمريكي، تدرك بأن الولايات المتحدة وحلفاءها
الأوروبيين يستخدمون قوتهم الخشنة تارة والناعمة تارة أخرى؛ لإبقاء الشعوب المظلومة
تحت حراب الظلم والدكتاتورية، وليس من أجل مساعدتها على التمتع بالحرية
والديمقراطية، كما ظلت تدعي طوال الوقت، وكانت شعوب العالم، ومنها نحن العرب،
مخدوعة بالادعاءات الغربية التي ظلت طوال الوقت تتحدث عن الحرية والديمقراطية
وحقوق الإنسان؛ لتكتشف فجأة أنها كلها ادعاءات كاذبة مخادعة، وأن الغرب عدو لكل ما
هو عربي أو إسلامي أو غير إمبريالي، وهو ما يجعلنا الآن نفهم سر صمت الولايات
المتحدة وحكومات الغرب على تجاوزات فرنسا في أفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر..!!
وعي الشعوب بحقيقة توجهات حكوماتها في الغرب والشرق، ستكون له آثاره القريبة والبعيدة؛ فشيئا فشيئا سيقول الناخبون كلمتهم، وستحدث تغيرات إيجابية في أنظمة الحكم في الولايات المتحدة وأوروبا، وستتغير نظرة الحكومات القادمة وإن بشكل نسبي للقضية الفلسطينية، وثمة آمال بحدوث تغيرات جذرية على المدى المتوسط، تصب في صالح القضية الفلسطينية
إن وعي الشعوب بحقيقة توجهات حكوماتها في الغرب والشرق، ستكون له آثاره
القريبة والبعيدة؛ فشيئا فشيئا سيقول الناخبون كلمتهم، وستحدث تغيرات إيجابية في
أنظمة الحكم في الولايات المتحدة وأوروبا، وستتغير نظرة الحكومات القادمة وإن بشكل
نسبي للقضية الفلسطينية، وثمة آمال بحدوث تغيرات جذرية على المدى المتوسط، تصب في
صالح القضية الفلسطينية، وأتصور أن بعض دول أوروبا ستتخلى قريبا عن دعم الكيان
المحتل، والانحياز للفلسطينيين، لا سيما بعد أن رأت بعينيها إجرام الأخير ووحشيته،
وانعدام الإنسانية من قاموسه التلمودي المفجع.
وأخيرا، فإن الكيان الصهيوني بصقوره و"حمائمه" يصر على تشكيل
واقع فلسطيني على مزاجه المتصهين، بدون أدنى حساب لحقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته؛
فهو يحتقر الشعب الفلسطيني، وينظر إليه من علٍ، ويرى نفسه فوق القوانين، وفوق
الطبيعة البشرية؛ وذلك هو العلو الكبير الذي سيتبعه الهزيمة والزوال.
ولنا أن نتأمل عبد الوهاب المسيري وهو يقول: "في حروب التحرير لا يمكن
هزيمة العدو، وإنما إرهاقه حتى يسلّم بالأمر الواقع"، مضيفا بأن "المقاومة
في فيتنام لم تهزم الجيش الأمريكي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخططات الأمريكية،
وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات (1954-1962) في حرب تحرير
بلدهم من الاستعمار الفرنسي"، وهو ما تدركه المقاومة جيدا بعد أن قرأت مشاريع
التحرر حول العالم، وأدركت أن فضائل الصبر والتضحية هي الوسائل الوحيدة القادرة
على تحرير فلسطين، وأن الحلول المطروحة من قبل الغرب وبعض الدول العربية ليست سوى
تضييع للوقت وتمييع للقضية.