كتاب عربي 21

تناقضات ومفارقات السياسة الأمريكية تجاه إيران

حسن أبو هنية
استهدفت أمريكا مواقع للمليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن- الأناضول
استهدفت أمريكا مواقع للمليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن- الأناضول
عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط فإن تناقضات ومفارقات السياسة الأمريكية جليّة وصارخة ومحيرة، وتتجلى المفارقات والتناقضات الأمريكية بصورة فجة في النهج البراغماتي المحسوب في التعامل مع إيران، إذ تفتقر واشنطن إلى استراتيجية واضحة تجاه طهران، وتعتمد مقاربة هشة تقوم على مبدأ الاحتواء دون الردع.

وعلى نقيض ادعاءات الإدارات الأمريكية المتعاقبة المعلنة بالحد من النفوذ الإيراني واحتوائه، فشلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود في احتواء تمدد نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم تنجح سياسة الردع والعقوبات في تقليص نفوذ إيران والحد من هيمنتها، وخرجت طهران بتكاليف زهيدة عن طريق شبكة وكلائها في "محور المقاومة" عقب كل محطات ومراحل الاحتواء والردع المزعوم؛ في كل المعارك وكافة الجبهات في العراق وسوريا ولبنان واليمن أقوى من قبل وأكثر نفوذا وأوسع انتشارا، ودشنت جبهة غزة المحطة الأحدث للتفوق الإيراني في الشرق الأوسط.

فقد ظهرت إيران اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، وسرعان ما شنت إيران عبر وكلائها في المنطقة عدة هجمات على الكيان الصهيوني والقواعد الأمريكية في العراق وسوريا، فضلا عن عرقلة الملاحة في البحر الأحمر عن طريق حركة أنصار الله الحوثية في اليمن.

يكشف الهجوم الذي شنّته مليشيا مدعومة من إيران في 28 كانون الثاني/ يناير 2024 ضد القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة "البرج 22" الواقعة شمال شرق الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40 آخرين، عن حدود القدرات الإيرانية ونفوذها الواسع عبر شبكة ممتدة من المليشيات، وضعف الاسترتيجية الأمريكية وهشاشة تحالفاتها، فقد شكّل الهجوم تصعيدا إيرانيا كبيرا ضد أمريكا
يكشف الهجوم الذي شنّته مليشيا مدعومة من إيران في 28 كانون الثاني/ يناير 2024 ضد القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة "البرج 22" الواقعة شمال شرق الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40 آخرين، عن حدود القدرات الإيرانية ونفوذها الواسع عبر شبكة ممتدة من المليشيات، وضعف الاسترتيجية الأمريكية وهشاشة تحالفاتها، فقد شكّل الهجوم تصعيدا إيرانيا كبيرا ضد أمريكا مع استمرار حرب الإبادة الصهيونية في غزة التي تجري بدعم لا نظير له من واشنطن.

وقد أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" -وهي جماعة شاملة تضم المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق وسوريا- مسؤوليتها على الفور عن الهجوم. ويشير البيان الذي ذكر بشكل مباشر الحرب الإسرائيلية على غزة كسبب؛ إلى أن إيران ووكلاءها يحاولون إرغام الرئيس الأمريكي بايدن على اتخاذ خيار صعب، يتمثل في دفع إسرائيل إلى وقف إطلاق النار في غزة أو المخاطرة باستمرار التصعيد الإيراني في العراق وسوريا بهدف طرد القوات الأمريكية من كلا البلدين.

إن هجمات المليشيات التي تتبع السياسة الإيرانية على القوات الأمريكية في العراق وسوريا ليست بجديدة، فقد تبنت "المقاومة الإسلامية في العراق" 178 هجوما منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي أرقام قريبة إلى حد ما للتقديرات الأمريكية التي تشير إلى نحو 160 هجوما بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا. ورغم الخسارة المادية البشرية الأمريكية بقتل وإصابة جنود أمريكيين، فإن الخسارة الرمزية والمعنوية أشد إيلاما، وقد كشف تأخر الرد الأمريكي على الهجمات عن اختلال المقاربة الأمريكية والحيرة الاستراتيجية، حيث شنت الولايات المتحدة مساء الجمعة/صباح السبت (الثاني/ الثالث من فبراير/ شباط 2024) غارات جوّية انتقامية في العراق وسوريا ضدّ فصائل موالية لطهران وقوّات لفيلق القدس، وذلك ردا على الهجوم.

وجاء في بيان القيادة العسكريّة الأمريكية في الشرق الأوسط "سنتكوم" أنّ القوّات ضربت أكثر من 85 هدفا في العراق وسوريا بينها مراكز قيادة وتحكّم واستخبارات، وكذلك مرافق لتخزين الصواريخ والمسيّرات، وقال البنتاغون إن هذه المواقع "مكّنت من شنّ هجمات ضدّ القوّات الأمريكيّة وقوّات التحالف"، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان: "ردّنا بدأ اليوم، وسيستمرّ في الأوقات والأماكن التي نختارها". وأضاف أنّ "الولايات المتحدة لا تسعى إلى نزاع في الشرق الأوسط أو في أيّ مكان آخر في العالم، ولكن فليعلم جميع من قد يسعون إلى إلحاق الأذى بنا: إذا ألحقتُم الضرر بأمريكيّ، فسنرد".

وكان بايدن قد أعلن في وقت سابق أنه أتخذ قرارا بخصوص الرد الأمريكي، لكنه أكد قائلا: "لا أعتقد أننا بحاجة إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط.. هذا ليس ما أبحث عنه". كما صرّح وزير الدفاع لويد أوستن بأن الولايات المتحدة ترغب بـ"تحميل الأشخاص المناسبين المسؤولية" دون تصعيد الصراع في المنطقة.

لا يختلف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أسلافه في التعامل مع إيران، فالهجمات التي نفذتها القوات الأمريكية في العراق وسوريا لا تشكل أي ردع حاسم، فالتأخر في شن الضربات أعطى طهران مهلة لنقل عناصرها بعيدا عن مواقع الاستهداف، كما أن الضربات لم تطل أهدافا ذات قيمة عالية، بل ركزت على مواقع لوجستية للفصائل ومخازن للصواريخ والطائرات المسيرة.

لا يختلف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أسلافه في التعامل مع إيران، فالهجمات التي نفذتها القوات الأمريكية في العراق وسوريا لا تشكل أي ردع حاسم، فالتأخر في شن الضربات أعطى طهران مهلة لنقل عناصرها بعيدا عن مواقع الاستهداف، كما أن الضربات لم تطل أهدافا ذات قيمة عالية، بل ركزت على مواقع لوجستية للفصائل ومخازن للصواريخ والطائرات المسيرة
وقد أشار عدد من المسؤولين الإيرانيين إلى أنهم تلقوا تحذيرا مسبقا من بغداد قبل الضربات، فتم نقل كبار القادة إلى الحدود العراقية الإيرانية. فتردد الرئيس الأمريكي بايدن وتأخره وحرصه على عدم استهداف إيران كاف لمعرفة خلل وضعف المقاربة الاستراتيجية الأمريكية، بل على العكس من ذلك، منذ وصوله إلى البيت الأبيض كافأ بايدن إيران بما يصل إلى 100 مليار دولار، بما في ذلك إيرادات ضخمة من عدم تنفيذ العقوبات النفطية الأمريكية على مدى ثلاث سنوات، ودفع فدية بقيمة 6 مليارات دولار، وإعفاء من العقوبات بقيمة 10 مليارات دولار تم تجديده في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

بفضل السياسة الأمريكية المتناقضة أصبحت إيران القوة الأولى في لعبة الصراع والتنافس الجيوسياسي على الهيمنة والنفوذ في الشرق الأوسط، وكانت المنافسة الإقليمية في المنطقة قبل عملية "طوفان الأقصى" تنحصر بين تركيا وإيران وإسرائيل، بينما يشكل العالم العربي ساحة وفضاء جيوسياسي للمنافسة والصراع، فهو ضعيف ومنفعل ومنقسم ويتبع معظمه السياسة الأمريكية بدرجات متفاوته.

ومنذ تدخل الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا في المنطقة يجر دعم وجود وتفوق إسرائيل كقوة إقليمية منفردة، إذ تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استمرارية مصالحها بالحفاظ على النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزز بعد نهاية الحرب الباردة مع الأحادية القطبية لأمريكية، وهو نظام على الصعيد الإقليمي تحتل فيه المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية مكانة استثنائية متفوقة من خلال الدعم المادي والعسكري والسياسي، وعبر تطويع القانون الدولي على مقاس كيان الاحتلال في إطار تثبيت حالة دولة الاستثناء، وهي المكانة التي عصفت بها عملية "طوفان الأقصى".

أما تركيا، فقد تراجع دورها بفضل السياسة الأمريكية، التي لم تدع وسيلة لإضعافها والحد من نفوذها بطرق عدة؛ من محاولة الانقلاب إلى خلق كيان معاد على حدودها وصولا إلى الحرب الاقتصادية.

عملت سياسة واشنطن في الشرق الأوسط على تقويض بروز أي قوة إقليمية، لضمان ديمومة الهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، إذ تقوم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية منذ تدخلها في المنطقة على ضمان أمن إسرائيل وتفوقها ومد نفوذها في الشرق الأوسط. وقد دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هذه السياسة إلى مداها الأقصى من خلال خرافة "صفقة القرن" وأسطورة "اتفاقات أبراهام"، والتي تستند إلى فرض السلام بالقوة وتنصيب إسرائيل قوة إقليمية منفردة مهيمنة، وذلك عبر بناء سردية متخيلة بديلة عن الواقع ترتكز إلى الادعاء بأن إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة وصديقة ومسالمة، وليست كيانا استعماريا عنصريا احتلاليا عدوانيا توسعيا، وأن أعداء العالم العربي هما إيران وتركيا.

فمتطلبات إعادة بناء الشرق الأوسط الذي اهتزت أركانه عقب ثورات الربيع العربي المناهض للإمبريالية والصهيونية والدكتاتورية، يقوم حسب الرؤية الأمريكية/ الإسرائيلية على تصفية القضية الفلسطينية، وطبعنة مركزية إسرائيل وترسيخ دورها القيادي الأمني الحراسي في المنطقة لرعاية وحماية الأنظمة الاستبدادية، وذلك بإدماج المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك اختزل بـ"الإرهاب"، الذي بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته المقاومة بنسختيه السنية والشيعية، وممثليه في المنطقة المنظمات السنية المنبثقة عن أيديولوجية الإخوان المسلمين المسندة من تركيا، والحركات السياسية والمقاومة الشيعية المنبثقة عن أيديولوجية ولاية الفقيه المسندة من إيران.
متطلبات إعادة بناء الشرق الأوسط الذي اهتزت أركانه عقب ثورات الربيع العربي المناهض للإمبريالية والصهيونية والدكتاتورية، يقوم حسب الرؤية الأمريكية/ الإسرائيلية على تصفية القضية الفلسطينية، وطبعنة مركزية إسرائيل وترسيخ دورها القيادي الأمني الحراسي في المنطقة لرعاية وحماية الأنظمة الاستبدادية، وذلك بإدماج المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك اختزل بـ"الإرهاب"، الذي بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته المقاومة بنسختيه السنية والشيعية

لم تتمكن الاستراتيجية الأمريكية المتناقضة والهشة من الحد من نفوذ إيران، وقد أطاحت عملية "طوفان الأقصى" بالسردية الأمريكية والإسرائيلية، وأظهرت ضعف تلك التصورات والمقاربات، وباتت إيران القوة الإقليمية الأهم في المنطقة، وتوشك سردية نهاية الإسلام السياسي على الأفول. إذ تكشف مسارات السياسة الأمريكية المتناقضة تجاه إيران عن طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، فقد أضعفت سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل حلفاءهما في العالم العربي، وعززت من نفوذ إيران في الشرق الأوسط على خلاف ادعاءاتها الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

فاللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاث تقوم على أسس أيديولوجية تستند إلى خطاب استهلاكي وشعبوي، بينما تستمر المحادثات والاتفاقات السريّة على أسس جيواستراتيجية، لكن المحرّك الأساسي للأحداث يكمن في العامل "الجيواستراتيجي" وليس المجال "الأيديولوجي" الذي يعتبر مجرّد أداة، فالعلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني- الأمريكي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيواستراتيجي، وليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية.

في سياق زعمها احتواء وردع إيران، قادت الولايات المتحدة الأمريكية جملة من الحروب والحملات العسكرية في المنطقة باسم "حرب الإرهاب" عززت من مكانة إيران كدولة إقليمية فاعلة، فالسياسة البراغماتية الأمريكية عملت على التعاون مع إيران عقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان 2001 ونظام صدام حسين في العراق 2003، وانتهت إلى تخليص إيران من عدوين لدودين، ثم تمدد النفوذ الإيراني بصورة حاسمة، حيث تكشّف الشرق الأوسط عن نفوذ إيران وهيمنتها، بأقل الأثمان، عن طريق تأسيس شبكة محكمة من المليشيات الخارجية التي تعمل بنمط هجين من المركزية واللا مركزية، حيث مركزية قرار الولي الفقيه، ولا مركزية تنفيذ المليشيات الشيعية المسلحة.

وتتابعت سلسلة من الهجمات المتنوعة في مناطق مختلفة جغرافيا وبطرائق متعددة عسكريا، إذ تفرض إيران اليوم هيمنتها ونفوذها على القوس الممتد من طهران وحتى البحر الأبيض المتوسط، ومن حدود حلف شمال الأطلسي إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، أيضا على امتداد الطرف الجنوبي من شبه جزيرة العرب، فلدى إيران اليوم مجموعة من المليشيات المتحالفة معها، والجيوش التي تقاتل بالوكالة عنها في الخطوط الأمامية في سوريا والعراق واليمن، والتي تملك عربات مدرعة ودبابات وأسلحة ثقيلة، فضلا عن آلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الذين يشاركون في تلك المعارك.

تتمتع إيران اليوم بميزة عسكرية مؤثرة على الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط؛ بسبب قدرتها على شن حرب باستخدام أطراف ثالثة مثل المليشيات الشيعية والمتمردين سواء في اليمن أو سوريا أو العراق وكذلك لبنان، فشبكات النفوذ الإيرانية أكثر أهمية لقوة الدولة الإيرانية من برنامج الصواريخ الباليستية أو الخطط النووية المفترضة أو قواتها العسكرية التقليدية، فهذه الشبكة التي تعمل بطرق مختلفة في معظم البلدان، شكّلتها طهران ومولتها ونشرتها لتكون وسيلةَ أساسيةَ لمواجهة الخصوم الإقليميين والضغط الدولي. فهذه السياسة دأبت على تقديم ميزة لإيران دون تكلفة كبيرة أو خطر المواجهة المباشرة مع الخصوم.

فإيران تقاتل وتربح الحروب المندلعة داخل الدول، وليس الحروب بين الدول، وتتجنب الدخول في الصراعات المتكافئة المباشرة مع الدول، مع العلم أنها قادرة على التغلب على خصومها في حالة اندلاع تلك الحروب. لكن بدلا من ذلك، تتبع إيران الحرب غير المتكافئة من خلال شركائها من المليشيات والمنظمات، فقد طورت إيران قدرتها من خلال قوات فيلق القدس الموجودة خارج حدودها وتجنيد مليشيات مختلفة -تصل إلى 200 ألف مقاتل- والانخراط في "منطقة رمادية" من الصراعات لا تصل إلى حد الصراعات بين الدول.

في خضم الادعاءات الأمريكية بالتصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، تمكنت إيران خلال العقود الأربعة الماضية من التمدد والانتشار وتمكين سيطرتها وزيادة نفوذها، وخلق فضاء جيوسياسي من طهران إلى بغداد مرورا بدمشق وصولا إلى بيروت، فضلا عن نفوذها في اليمن، وفي كل مرة ادعت فيها أمريكا التصدي للنفوذ الإيراني كانت إيران تخرج بنفوذ أكبر وتوسع أعظم، ولا جدال أن نفوذ إيران سوف يتنامى بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظل مفارقات وتناقضات السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط
ففي العراق، استخدمت طهران المتمردين لمهاجمة الجيش الأمريكي، وفي سوريا، دعم قائد فيلق القدس الجيشَ السوري النظامي لمحاربة الثوار متعددي الجنسيات الذين تدعمهم الولايات المتحدة، وفي لبنان، تطورت علاقة حزب الله بطهران، فمخزونات الصواريخ الإيرانية والأسلحة المضادة للدبابات، إضافة إلى 25 ألف من جنود الاحتياط الذين جرى منحهم لحزب الله، قد جعلوا من حزب الله قوة عسكرية لفيلق القدس تعمل في الخارج، فضلا عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية أمثال "حماس" و"الجهاد". ولم تكن شبكة مليشيات إيران لتبلغ تلك القوة والنفوذ دون سياسات واشنطن المتناقضة التي تعاملت مع شبكة المليشيات الإيرانية كشريك في حرب "الإرهاب" السني، الذي مثلته الجهادية العالمية كالقاعدة و"داعش" في العراق وسوريا وفي اليمن.

خلاصة القول، أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المتناقضة تجاه إيران عملت على تعزيز نفوذها وهيمنتها في الشرق الأوسط، فالخطابات الأيديولوجية الأمريكية حول إيران تحجب الصراعات الجيواستراتيجية، فعلى مدى عقود ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران تشكّل تحديا شاملا لمصالحها وتهديدا واسعا لحلفائها وشركائها العرب في الشرق الأوسط، ولم تخل أي وثيقة للأمن القومي الأمريكي منذ سقوط نظام الشاه وصعود دولة "ولاية الفقيه" من الحديث عن الخطر الإيراني.

وفي خضم الادعاءات الأمريكية بالتصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، تمكنت إيران خلال العقود الأربعة الماضية من التمدد والانتشار وتمكين سيطرتها وزيادة نفوذها، وخلق فضاء جيوسياسي من طهران إلى بغداد مرورا بدمشق وصولا إلى بيروت، فضلا عن نفوذها في اليمن، وفي كل مرة ادعت فيها أمريكا التصدي للنفوذ الإيراني كانت إيران تخرج بنفوذ أكبر وتوسع أعظم، ولا جدال أن نفوذ إيران سوف يتنامى بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظل مفارقات وتناقضات السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

twitter.com/hasanabuhanya
التعليقات (0)