يرى مراسل صحيفة "إن آر سي" الهولندية في تركيا، نيلفين إنغلبي، أن الحملة الشرسة التي تشنها "إسرائيل" على قطاع
غزة لن تنهي حركة
حماس.
وأضاف في مقال أن انسياق حلفاء "إسرائيل" وراء فكرة أن الحركة ينبغي أن يُقضى عليها كان عملاً غير مسؤول إلى أبعد الحدود، بل كان بمثابة قصر نظر منهم.
وقال إنغلبي إنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من القصف والتدمير، هل يتطلب القضاء على "حماس" مزيداً من الوقت ومزيداً من العنف؟ أم إن الهدف نفسه غير قابل للتحقيق؟
وفي ما يأتي نص المقال كما ترجمته "عربي21":
عندما
قتلت "إسرائيل" مؤسس "حماس" بثلاثة صواريخ في صبيحة يوم ربيعي من عام 2004 بينما كان يُدفع
خارج أحد مساجد غزة في كرسيه المتحرك، فإنه كان كثير من المحللين الإسرائيليين يعتقدون جازمين بأن موت المسن أحمد ياسين، الزعيم المحبوب والعقل المدبر لحركة حماس، سوف ينهي المنظمة.
إلا
أن "حماس"، بدلاً من ذلك، وجدت لها قادة جددا وكسبت الانتخابات الفلسطينية بعد ذلك بعامين.
لم يكن السر في شخص أحمد ياسين ولا في أيديولوجيته الإسلامية، وإنما، وفوق كل اعتبار، فإن العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ومقاومة "حماس" لهذا العنف هما ما أكسبا الحركة شعبيتها. وكلما زادت "إسرائيل" من عنفها، تمكنت "حماس" من أن تثبت تميزها وتفوقها في
واحدة من أهم القيم الثقافية الفلسطينية، ألا وهي قيمة الصمود.
لننتقل
سريعاً إلى عام 2024، حيث وقع اغتيال أحد زعماء "حماس" بهجوم شنته طائرة مسيرة في العاصمة
اللبنانية بيروت. وكانت "إسرائيل" قد ألقت على "حماس" من القنابل خلال ثلاثة أشهر أكثر بكثير مما ألقته الولايات المتحدة على "تنظيم الدولة". وحتى تلك
اللحظة، كانت "إسرائيل" قد قتلت في غزة 24 ألف فلسطيني وتسببت في دمار يفوق
بمراحل الدمار الذي تسببت فيه روسيا ونظام الأسد على مدى أربع سنين من القصف على مدينة
حلب. ولم يسبق أن استخدمت "إسرائيل" مثل هذا العنف ضد قطاع غزة. ولكن، وكما
جرت العادة، تتحلى "حماس" بالشجاعة.
لم تُهزم "حماس" بعد. ولئن تم إضعاف كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلا أنهم مستمرون
في القتال. والأهم من ذلك هو أن شعبية "حماس" في غزة لم تتعرض للانهيار، أما في الضفة
الغربية فقد زادت شعبيتها. وأما الهدف الذي وضعته "إسرائيل" لنفسها، ألا
وهو التدمير التام لحركة حماس، فما زال بعيد المنال. وهنا يفرض السؤال التالي نفسه:
هل يتطلب الأمر مزيداً من الوقت ومزيداً من العنف؟ أم إن الهدف نفسه غير قابل للتحقيق؟
اظهار أخبار متعلقة
المقاومة
تنمو
يقول
جيرون غانينغ، أستاذ سياسات الشرق الأوسط ودراسات الصراع في جامعة "كينغز كوليج"
في لندن: "يتوهم من يظن أن بإمكانه عسكرياً استئصال "حماس". فـ"حماس" ليست مجرد منظمة
عسكرية، بل هي أيضاً حزب سياسي، وحراك اجتماعي ضخم، وهي فكرة. وهذا لا يمكن التخلص
منه بالقصف. بل إنه على العكس من ذلك، يثبت التاريخ أن المقاومة ضد "إسرائيل" إنما تنمو تحت وطأة
مثل هذا العنف".
وبحسب
ما يقوله غانينغ، فإن انسياق حلفاء "إسرائيل" أيضاً وراء فكرة أن الجماعة
ينبغي أن يُقضى عليها بعد العنف الشديد الذي مارسته "حماس" يوم السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر – كما وافق على ذلك أيضاً الرئيس بايدن - كان عملاً غير مسؤول إلى أبعد
الحدود، بل كان بمثابة قصر نظر منهم.
وعن
ذلك يقول غانينغ: "لقد فتح ذلك الباب على مصراعيه أمام شكل من العنف الحربي الإسرائيلي
الذي بإمكانه، كما يرى خبراء القانون، أن يعتبر جريمة إبادة جماعية".
ويضيف:
"كان بإمكان الجميع رؤية ذلك، لأنك إذا أردت أن تقضي على حركة ذات جذور عميقة
مثل "حماس"، فلا مفر من أن تسعى إلى مسح قطاع غزة بأسره عن الخارطة".
يصعب
تحديد وضع "حماس" العسكري بالضبط. فمن بين ما يقدر بخمسة وعشرين ألف مقاتل إلى أربعين
ألف مقاتل كانت تتشكل منهم كتائب عزالدين القسام قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر،
تزعم "إسرائيل" أنها قتلت ثمانية آلاف. يصعب تكييف هذا الرقم لينسجم مع الأرقام
الصادرة عن وزارة الصحة التي تديرها "حماس" في القطاع، والتي تشير إليها الأمم المتحدة
وثبت أنها بشكل عام ذات مصداقية.
تفيد
تقارير الوزارة بأن أكثر من سبعين بالمائة من الأربعة وعشرين ألفاً الذين قضوا نحبهم
كانوا من النساء والأطفال. لو افترضنا أن بقية الأموات، وهم سبعة آلاف رجل، ليسوا جميعاً
مقاتلين، فالأغلب أنك ستخلص إلى أن عدة آلاف من المحاربين قتلتهم "إسرائيل"
– مع أنه من الممكن ألا تكون الوزارة قد أحصت البعض منهم. وتقول "إسرائيل"
نفسها إنها فقدت 187 جندياً حتى الآن، هذا بالإضافة إلى 1139 شخصاً (695 مستوطنا و
373 من عناصر القوات الأمنية و 71 أجنبياً) قتلوا في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
على
الرغم من أن زعيم كتائب القسام محمد الضيف وزعيم "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، ما
زالا بحسب ما هو معروف على قيد الحياة، فقد قالت "إسرائيل" في وقت مبكر من هذا
الشهر إنها تمكنت من تفكيك البنية القيادية لحركة حماس في شمال قطاع غزة، وإنها قتلت
عدداً كبيراً من القادة الميدانيين. إلا أن مجموعات صغيرة من المحاربين ما زالوا يقاتلون
في الشمال بحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس" العبرية. أما في الجنوب، فلدى "حماس" قدرات تنظيمية أكبر، وما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
ما زالت هذه الصواريخ موجودة، وطبقاً لما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" فإن "حماس" لم تطلق أكثر من ثلث ما لديها من ترسانة صاروخية، كانت حتى السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر تقدر بثلاثين ألف صاروخ.
أساليب
حرب العصابات
بقاء "حماس" على قيد الحياة طوال هذا الوقت مرجعه إلى استخدامها أساليب حرب العصابات. يختبئ
مقاتلو القسام بين البنايات، ويتركون من خلفهم متفجرات مخفية (عبوات مفخخة)، ويشنون
هجمات مباغتة من خلال الظهور فجأة من أنفاقهم ثم بعد ذلك ينسحبون إليها. قام الجيش
الإسرائيلي بإغراق بعض هذه الأنفاق بمياه البحر، ولكن عليه أن يتوخى الحذر، لأن من
المتوقع أن يكون مئات الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" متواجدين كذلك داخل تلك الأنفاق.
اظهار أخبار متعلقة
يقول
عزام التميمي، الأكاديمي البريطاني الفلسطيني: "إن استراتيجية "حماس" تتمثل في إجهاد
الإسرائيليين". ويقول إن من يتواصل معهم داخل "حماس" لم يتسلل إليهم اليأس بعد.
ويضيف: "لو اقتربت النهاية لأخبروني. ولكنهم يشعرون بالثقة. بالطبع يقرون بأن
القطاع ناله دمار هائل، ولكنهم يقولون إنهم ما زالوا قادرين على إحالة حياة الإسرائيليين
إلى جحيم".
أثار
اغتيال زعيم "حماس" صالح العاروري في بيروت في الثاني من كانون الثاني/ يناير المخاوف
بين أعضاء "حماس" من أن عملاء مندسين لـ"إسرائيل" ربما كانوا هم من يرشدونها
إلى مواقعهم، كما يقول التميمي، الذي يؤكد أنه لهذا السبب يتخذ قادة "حماس" في قطر وبيروت
وتركيا، وغيرها، حالياً المزيد من الاحتياطات مقارنة بما كان عليه الوضع من قبل. مع
أن التميمي يستبعد أن تعيق ملاحقة "إسرائيل" لعناصر "حماس" عمل الحركة. وعن
ذلك يقول: "كلما تمت تصفية زعيم ما، فهناك باستمرار من يحل محله مباشرة. هكذا
صممت حركة حماس وهكذا تعمل".
لا تكف
"إسرائيل" عن التذكير بأن البلدان الغربية كانت من قبل قد دمرت تماماً الرقة
والموصل في سبيل تركيع تنظيم الدولة، وكذلك التذكير بأن هذه البلدان شنت هجمات باستخدام
الطائرات المسيرة لقتل زعماء "داعش". وذلك هو الذي تفعله "إسرائيل"،
لأن نتنياهو والكثيرين من المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون دوماً أن "حماس" مثلها
مثل "داعش".
إلا
أن هذه المقارنة مغلوطة، كما يقول جواس واغميكر، المتخصص في الدراسات الإسلامية في
جامعة أوتريخت. فرغم أنه يرى أن الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
كان بدون أدنى شك عملاً إرهابياً، إلا أنه يعتقد بأن من الخطأ تشبيه "حماس" بمنظمات مثل
تنظيم الدولة أو القاعدة. ويقول: "ولدت حركة حماس من رحم جماعة الإخوان المسلمين،
والتي هي في تصادم مع تلك الجماعات الجهادية. ورغم أن الإسلام مهم بالنسبة لـ"حماس"، إلا
أن الحركة تحفزها بالدرجة الأولى القومية الفلسطينية. ولذلك ليست "حماس" كياناً إرهابياً
منفصلاً عن القضية الفلسطينية، بل هي من إفرازات القضية الفلسطينية".
ويبين
واغميكر أن هذا بالضبط هو السبب الذي يجعل من رغبة "إسرائيل" في تصفية "حماس" عسكرياً أمراً غير واقعي وبعيد المنال. ويقول: "فعلياً، ما تفعله "إسرائيل" هو أنها تلجأ إلى الوسائل العسكرية من أجل حل مشكلة سياسية. فحتى لو قتلت جميع قادة "حماس" أو تمكنت من تفكيك الحركة تماماً، فسوف يستمر النضال في سبيل دولة فلسطينية كتلك
التي أوجدتها "حماس". وطالما أن "إسرائيل" لا تتيح مجالاً معقولاً أمام ذلك، فلسوف تجد
نفسها مرغمة على التعامل مع منظمات جديدة على غرار "حماس" تبرز بعد هذه الحرب".
قليل
من التلقين
ثمة
احتمال كبير بأن تصبح المقاومة ضد "إسرائيل" في المستقبل أكثر راديكالية،
كما يقول تريستان دانينغ، الخبير في شؤون "حماس" والمحاضر في العلوم السياسية في جامعة
كوينزلاند في أستراليا.
يقول
دانينغ في مكالمة هاتفية معه: "لا تكف "إسرائيل" عن القول إن المدنيين في غزة يسمحون
لأنفسهم بأن يلقنوا من قبل "حماس". ولكن بعد المذابح التي ترتكبها "إسرائيل" الآن بحق المدنيين،
فلن يحتاجوا إلى كثير من التلقين حتى يقتنعوا بالانضمام إلى حركات المقاومة الراديكالية
في المستقبل".
اظهار أخبار متعلقة
يقول
دانينغ إنه لم يتحقق بعد لـ"إسرائيل" ما كانت ترجوه من أن ينقلب أهل غزة
بمجملهم على "حماس" كرد فعل على الحرب. ويشير الأكاديمي المختص بالعلوم السياسية إلى
استطلاع أخير أجراه المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والمسحية يثبت أن الدعم السياسي
لحركة حماس في قطاع غزة في الواقع قد زاد قليلاً، من 38 بالمائة في أيلول/ سبتمبر إلى
42 بالمائة في كانون الأول/ ديسمبر. والأكثر من ذلك أن 57 بالمائة منهم يقولون إن قرار "حماس" شن الهجوم على "إسرائيل" كان قراراً صائباً. أما في الضفة الغربية فقد
وصلت نسبة من يقولون ذلك إلى 82 بالمائة، بينما تضاعف دعم أهل الضفة الغربية لحركة حماس
ثلاث مرات (من 12 إلى 44 بالمائة).
إلا
أنه من غير المحتمل أن تقبل حكومة نتنياهو التعامل مع هذا الواقع، بل يعارض نتنياهو
حتى استلام السلطة الفلسطينية الحالية للحكم في قطاع غزة. ويرى دانينغ أن من المحتم
أن يفشل مقترح وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت بأن تعمل "إسرائيل" مع
العائلات الفلسطينية المتعاطفة معها بعد الحرب في غزة، ويقول: "لقد جربت "إسرائيل" شيئاً من هذا القبيل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم ينجح شيء من ذلك. فأنت
تصنع السلام مع أعدائك وليس مع أصدقائك".
إذا
كانت "إسرائيل" تريد الجلوس مع "حماس"، فإن "حماس" على أهبة الاستعداد التام لذلك،
كما يقول جميع الأكاديميين. وعلى الرغم من أن متحدثاً باسم "حماس" قال بعد السابع من
تشرين الأول/ أكتوبر بفترة قصيرة إن "حماس" لن تتردد في شن ذلك الهجوم مرة أخرى، ووصف
"إسرائيل" بأنها غير شرعية، إلا أن عزام التميمي يقول إن قيادة "حماس" تعترف
بوجود "إسرائيل" كحقيقة بحكم الأمر الواقع، ولديها الرغبة في التفاوض معها.
بل لقد دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في شهر تشرين الثاني/
نوفمبر إلى محادثات للتوصل إلى حل الدولتين، على أن تكون القدس عاصمة لفلسطين. ولكن،
بالمناسبة، لن توافق "إسرائيل" على ذلك.
والخيار
الأكثر واقعية، كما يقول عزام التميمي، هو ما عرضته "حماس" ودعت إليه مراراً وتكراراً
في الماضي، ألا وهو الهدنة. يشير هذا المفهوم الإسلامي إلى وقف لإطلاق النار طويل المدى،
أطول بكثير من وقف إطلاق النار المعتاد، والغاية منه هو منح الفرصة لتراجع الأعمال
العدائية، إلى أن تتهيأ الظروف من أجل التفاوض على سلام حقيقي.
إلا
أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يتعلق مستقبله السياسي في فترة ما
بعد الحرب في الميزان، يعد بحرب طويلة، ويقول إنه سوف يبقى ملتزماً بتحقيق هدفه المعلن،
ألا وهو القضاء على "حماس". من المستبعد جداً أن يكون خلفاؤه في الحكم مهتمين بالحوار.
فبعد الذي فعلته "حماس" يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ثمة إجماع في "إسرائيل"
على أنه لم يعد ثمة مجال للحديث مع "حماس".
يقول
غانينغ: "ولكن هل من الممكن أن يجري حديث مع "إسرائيل" بعد ما فعلته في غزة؟ سوف
يجد الفلسطينيون أيضاً صعوبة بالغة كذلك. ولكن لا مفر من الحديث، لأن هذا الصراع لا
يمكن أن يحل عسكرياً".