قضايا وآراء

محرقة غزة والمواقف العربية المشينة

محمود النجار
"بات الحنق على الأنظمة القائمة جزءا لا يتجزأ من الوعي الذي حرك الشعوب العربية"- عربي21
"بات الحنق على الأنظمة القائمة جزءا لا يتجزأ من الوعي الذي حرك الشعوب العربية"- عربي21
ترك عام 2023 خلفه أرضا تحترق ودماء تنزف وجروحا تئن وسماء تعج بالأرواح الصاعدة.. ترك خلفه أطفالا رضعا وشيوخا ركعا وأمهات يشتكين إلى الله ظلم ذوي القربى.. فقدوا أعز أهليهم وأحب أصدقائهم وجيرانهم.. لم يبق بيت ليس فيه دم وجراح، ولا حي ليس في أزقته آلام وأتراح.. هدمت الدور على رؤوس ساكنيها، وأعتم الليل عليهم.. ومواكب الشهداء تشق العتمة لتُدفن في مقابر جماعية بعيدا عن أعين لصوص الأعضاء البشرية، وسُراق المصاغ والمال، بعد أن سرقوا كل شيء.. أرضنا.. تاريخنا.. مقدساتنا.. أمننا.. أرواحنا..

مضى العام 2023 بعد أن أسلمنا للعام 2024 ولم يزل شلال الدم الفلسطيني يهدر منذ 95 يوما، ولا تسمع صوتَ هديره عروشٌ ورقية، وحكومات هشة وجيوش كسيحة، وجنرالات منومون.. العار يصيب وطننا العربي والإسلامي كله.. لا توجد دولة واحدة بريئة من دم أطفالنا ونسائنا.. لا نلوم الكيان المحتل، ولا الولايات المتحدة، ولا دول أوروبا، فهم أعداء، لكننا نلوم المحسوبين على أمتنا، المتآمرين على شعبنا، الساعين إلى دمارنا والقضاء على قضيتنا..

الدول العربية تقوم بدور وضيع لتكريس الوجود الصهيوني في الشرق الأوسط بصفته قوة مسيطرة عسكريا وسياسيا، على عكس ما يجب أن تقوم به لو كان ثمة كرامة وحمية لديها؛ فهي تتعامل مع الكيان الصهيوني بكثير من التنازل الفج عن كرامتها الوطنية ومصالحها وسمعتها ومكانتها الدولية.. إنها تسعى مع الكيان الصهيوني لاستكمال مخططات الأخير في غزة والضفة الغربية
لم تكتف دول عربية مهترئة أخلاقيا بالوقوف ضد شعبنا وقضيتنا والتماهي مع أهداف الكيان الصهيوني في قطاع غزة، بل أشار بعضها لليابان بالوقوف إلى جانب المحتل، وهذا ما أكده الباحث د. عبد الله باعبود الذي كان متواجدا للتدريس بإحدى الجامعات في طوكيو، وكان قد استغرب من الانحياز الياباني للكيان الصهيوني، فسأل أطرافا في وزارة الخارجية اليابانية التي قالت له إن دولا عربية أشارت عليها بالوقوف إلى جانب "إسرائيل"..!!

يبدو أن المفاجأة التي حققتها المقاومة في عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أغاظت بعض الحكومات العربية التي لم يرُق لها أن تنجز حركة ثورية فلسطينية هذا الإنجاز، لسببين، الأول أن هذه الحكومات لم تقم بأي إنجاز كبير يجعلها تحس بقيمتها كدولة ذات حضور كالذي فعلته حركة تحرر فلسطينية، والثاني أن ما قامت به المقاومة هز عروشهم وكشفهم على حقيقتهم؛ لذلك فهم يرغبون بالقضاء عليها لينفذوا مشاريعهم المتفق عليها مع الكيان المحتل، خدمة للأجندة الصهيوأمريكية في المنطقة.

إن الدول العربية تقوم بدور وضيع لتكريس الوجود الصهيوني في الشرق الأوسط بصفته قوة مسيطرة عسكريا وسياسيا، على عكس ما يجب أن تقوم به لو كان ثمة كرامة وحمية لديها؛ فهي تتعامل مع الكيان الصهيوني بكثير من التنازل الفج عن كرامتها الوطنية ومصالحها وسمعتها ومكانتها الدولية.. إنها تسعى مع الكيان الصهيوني لاستكمال مخططات الأخير في غزة والضفة الغربية بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية والمسجد الأقصى وبناء مزيد من المستوطنات، وتهجير الفلسطينيين ناهيك عن ملاحقتها للشباب الفلسطيني وقتلهم أو أسرهم..

لم تحرك دماء الأطفال والنساء شعرة في رؤوس حكامنا المنبطحين المهزومين؛ فلم نجد استنكارا حقيقيا وموقفا رجوليا حقيقيا لا مزيفا من أحد منهم.. كل ما صدر عن بعض الأنظمة من عنتريات في هذه المذبحة الشيطانية، جاء بعده ما ينقضه، وما يؤكد أنه مجرد صراخ لشراء ذمم الشعوب وسكوتها، لا أكثر ولا أقل، فهؤلاء لا يحسون بأن التاريخ سيلعنهم، وبأنهم سيظلون محط توبيخ وشتم ولعن من الأجيال القادمة إلى يوم الدين.. يظنون أنهم مخلدون؛ فلا يفكرون بحساب ولا عقاب يوم يقوم الناس لرب العالمين..

والإعلام العربي، وما أدراك ما الإعلام العربي؟ هبوط، وصفاقة ووقاحة وقلة حياء وخيانة سافرة تؤشر على ميوعة أخلاقية وسفاهة وطيش وانعدام لكل القيم العربية والإسلامية.. وخصوصا إعلام السامسونغ الذي كشف عن خزي السياسة المصرية وحقدها على كل ما هو فلسطيني.. هذا الإعلام الذي لا ينطق بغير ما توجهه إليه المخابرات العامة المصرية؛ فهذا أحمد موسى الصفيق يقول: "بعتم أرضكم وقضيتكم".. ويوبخ المقاومة ويستنكر أعمالها، ويقلل من قيمة فعلها، ومثله عمرو أديب وبقية الجوقة المسعورة.. وإعلام الإمارات الذي يستضيف ضيوفا على المقاس، ليسيئوا لكل ما هو فلسطيني، ويهزؤوا بالمقاومة، ومثله الإعلام السعودي، هذا إذا لم نتحدث عن الذباب الإلكتروني الغبي الذي يردد ما يطلب منه كما تفعل الببغاوات والكلاب المدربة التي أطلقتها أنظمة باعت شرفها وأخلاقها على عتبات الصهاينة..

إن الاحتلال الصهيوني يسعى سعيا حثيثا لنفي الوجود الفلسطيني، ونزع الصفة الإنسانية عنه، ليسوّغ قتله ونفيه للعالم، لكنه فشل في ذلك رغم كل محاولاته اليائسة، بعد أن فُضح إجرامه ووحشيته أمام العالم كله، ومع ذلك ما تزال بعض الأنظمة العربية التي فقدت ماء وجهها تحاول دعمه في مساعيه؛ فتهاجم الشعب الفلسطيني برمته، ضاربة بعرض الحائط كل الروابط التي تجمعها بالفلسطينيين عبر التاريخين القديم والحديث.

الاحتلال الصهيوني يسعى سعيا حثيثا لنفي الوجود الفلسطيني، ونزع الصفة الإنسانية عنه، ليسوّغ قتله ونفيه للعالم، لكنه فشل في ذلك رغم كل محاولاته اليائسة، بعد أن فُضح إجرامه ووحشيته أمام العالم كله، ومع ذلك ما تزال بعض الأنظمة العربية التي فقدت ماء وجهها تحاول دعمه في مساعيه؛ فتهاجم الشعب الفلسطيني برمته، ضاربة بعرض الحائط كل الروابط التي تجمعها بالفلسطينيين عبر التاريخين القديم والحديث
إن ما سيصيب نتنياهو ودولة الاحتلال من الهزيمة العسكرية والمعنوية سيصيب هذه الدول المنبطحة وحكامها المرتجفين، فهم في الحرب على قطاع غزة سواء، ومن لم يشعر بعد بدور بعض الدول العربية في المجزرة ضد قطاع غزة، فهو مغيب ويحتاج إلى من يوقظه ليحس بحجم العار الذي تعيشه أمتنا جراء خيانة الأنظمة وارتمائها في أحضان الكيان وحاميته أمريكا، وسيبدأ الحساب بعد انتهاء المعركة، وربما تسقط عروش جراء مواقفها الخيانية المخزية.

لقد شكل طوفان الأقصى وما بعده زلزالا من الوعي، لدى أبناء الأمة المطحونين، وبات الحنق على الأنظمة القائمة جزءا لا يجتزأ من هذا الوعي الذي حرك الشعوب العربية لأول مرة طوفانا هادرا لم تستطع آلة القمع الاقتراب منه أو إيقافه، حتى في مصر التي تمنع التظاهر بغير إذن مسبق.. هذا الوعي، وهذا الغضب، ستترجمه الشعوب إن عاجلا أو آجلا لحركات تمرد على الواقع الخياني الذي بات مكشوفا للأعمى والأصم..

لقد استطاعت جوليا بطرس بأغنيتها القديمة الجديدة "وين الملايين؟ الشعب العربي وين"؟ وبمضامينها الساخنة، أن تلعب دورا كبيرا في معركة الوجود العربي الذي بدأت الشعوب لأول مرة تحس بخطورة انهيار هذا الوجود وضياع ملامحه، وباتت لأول مرة منذ عقود تشعر بأنها أمام مسؤولية كبيرة، لم تستطع الأنظمة تحملها، وهو ما يجعلنا نتفاءل بالمستقبل، وننتظر القادم من الأيام بكثير من الترقب والأمل..
التعليقات (0)