في تطور مفاجئ
أصدر إبليس قرارا بسحب سفرائه من كافة الدول العربية وعدد غير قليل من الدول
الإسلامية وتخفيض البعثات الدبلوماسية إلى مكاتب تمثيل؛ في كل منها شيطان واحد فقط
قائم بالأعمال، ثم أغلق مكاتب التمثيل بشكل نهائي، وهو ما جعل أكثر من ثلثي أعضاء
مملكة الشياطين الحُمر -النصاب القانوني وفقا للائحة- يتقدمون بطلب عقد جلسة طارئة
لمناقشة الأمر ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه القرارات الخطيرة. ووافق إبليس
على الطلب وحدد مكان الانعقاد بقاعة ضخمة في إحدى الدول العربية التي يعتبر أميرها
كاتم أسراره ومحقق آماله ودعا أميرا آخر يعتبره أخاه في الرضاعة فقد أرضعته مرضعة
الأباليس وقامت على تربيته كما صرح هو، ودعا كذلك ملكا ورئيسا من أقرب المقربين
إليه، وللأربعة حق الاشتراك والتصويت في المداولات.
افتتح إبليس
الجلسة بآيات من القرآن الكريم وسط ذهول الجميع ما عدا هؤلاء الأربعة -فهم يعرفون
طبيعة الصنعة- ثم بدأ كلمته بتذكيرهم بمعلومات يرى أهميتها فقال: في ٢٩ أيار/ مايو
سنة ١٩٤١ صدر بيان وزير الخارجية البريطاني إيدن أعلن فيه تأييد حكومة بلاده آمال
الوحدة العربية وأن حكومة صاحب الجلالة ستؤيد أي خطة تلقى من العرب موافقة عامة، وفي
شباط/ فبراير ١٩٤٣م أصدر بيانا ثانيا يؤكد فيه مساعدة بريطانيا لقيام الجامعة
العربية، وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٤٤م وفي مصر بمقر جامعة فاروق الأول
(الإسكندرية حاليا) كان التوقيع على بروتوكول الإسكندرية مِن قِبَل رؤساء حكومات
مصر ولبنان وشرق الأردن وسوريا والعراق ثم وقعت لاحقا السعودية فاليمن سنة ١٩٤٥م،
وكان التأسيس العملي للجامعة والتوقيع على ميثاقها في ٢٢ آذار/ مارس ١٩٤٥م. وانضمت
البحرين والإمارات وقطر سنة ١٩٧١م وباقي الدول ليصبح عددها ٢٢ دولة عربية.
ثم انتقل إبليس
للكلام عن منظمة التعاون الإسلامي باعتبارها أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم
المتحدة، وهي تضم سبعا وخمسين دولة إسلامية وقد أُنشئت في ٢٥ أيلول/ سبتمبر سنة
١٩٦٩م على إثر حريق المسجد الأقصى في ٢١ آب/ أغسطس سنة ١٩٦٩م.
وبعد أن انتهى
إبليس من هذا السرد تقدم مارد من الجن بطلب إحاطة له قائلا: هل جئت بنا لتلقي
علينا محاضرة؟ ما صلة ما تقول بسحب السفراء وغلق مكاتب التمثيل في العواصم العربية
والإسلامية؟ نظر إبليس لرئيس الجمهورية الحاضر وقال له: كأنه لم يسمع مَن صاحب
فكرة الجامعة الذي شجعها وحض على قيامها ثم وافق فورا عليها، ثم قال له: اتل عليهم
أهم بند في ميثاق
الجامعة العربية، فقال: "اتخاذ التدابير اللازمة لدفع
العدوان الفعلي أو المحتمل الذي قد يقع على إحدى الدول الأعضاء".
فعقّب إبليس: هل
فهمت؟
قال نعم طالما لا
يتخذون أي تدابير أو أفعال فلا بأس، ولكنهم من الممكن أن يفعلوا. واستطرد قائلا: ألم
تتخذ الجامعة قبل ذلك قرارا بالحرب على العراق ونفذته؟ ألم تتخذ قرارا بطرد بشار
الأسد من الجامعة العربية ونفذته؟ ألم تتخذ قرارا بإعادته فأعادته رغم كل ما ارتكب
من مجازر وما زال؟ ألم تتخذ أربع دول منهم قرارا بحصار قطر فحاصرتها أربع سنوات!!
فخرج لهيب نارٍ
من عيني إبليس وقال: يا هذا نحن عندما نريد قرارات للتنفيذ نفعل وعندما نريد كلاما
للتنفيس نفعل.. هل فهمت؟ فلما بدا عليه عدم الاقتناع قال له: عزيزي المارد المفضل
ألم تر إلى هذه المجازر في
غزة بالليل والنهار وقتل النساء والأطفال وقصف المساجد
والكنائس والمستشفيات والمدارس وإبادة كل شيء، فماذا فعلت الجامعة العربية؟ ألم
يقم أمينها العام في بداية الأمر بإدانة حماس؟ لِمَ لا ترد؟ قل لي فعلا واحدا
فعلته دولة عربية يردع
إسرائيل؟ قل لي من يغلق المعابر ويخنق غزة؟
والتفت إلى
الرئيس الحاضر وحيّاه كأنه عناه ثم قال له: عزيزي المارد المفضل لا بد أنكم تعلمون
أنني أحضر كل اللقاءات الخاصة للقيادات العربية مع دينيس روس ومع بلينكن وغيرهم، في
الغرف المغلقة كل همهم سرعة القضاء على حماس أو حتى غزة كلها، المهم العجلة حتى لا
تهب الشعوب التي نقمعها أو ندغدغ مشاعرها فتزيحنا فنخسر عروشنا وتخسروننا، أرجو أن
يكون الرد على إحاطتك مقنعا.
ثم قام مارد آخر
قائلا: فماذا عن منظمة التعاون الإسلامي؟ فنظر إبليس لصديقه الملك الحاضر وقال:
أخبرهم عن وصفها كما جاء في ميثاقها، فقال: هي "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"
وأنها "تهدف لحماية المصالح الحيوية للمسلمين".. قال إبليس: هل قامت
بحماية المصالح الحيوية للمسلمين؟ هل عصمت دماءهم أو صانت أعراضهم أو حافظت على
أرضهم أو أغاثت ملهوفهم أو أجارت مستجيرهم؟
هذه المنظمة نشأت
كرد فعل على حريق المسجد الأقصى سنة١٩٦٩م تحت اسم منظمة المؤتمر الإسلامي، فماذا
فعلت من يومها إلى يومنا هذا؟ وإن كنت لا تتذكر فأذكرك بقول أختي في الرضاعة وأشبه
الناس بي جولدا مائير؛ أنها ليلة حريق المسجد الأقصى لم تنم متوهمة أن الجيوش
والشعوب العربية ستزحف عليهم وتسحقهم، فلما أشرقت الشمس ولم تجد من ذلك شيئا قالت:
إذن لنفعل ما نريد.
هذه المنظمة
وأخواتها محافل للخطب وإلقاء البيانات وقد صدر عنها بالفعل بيان يدين استهداف قوات
الاحتلال الإسرائيلي المستشفى الميداني الأردني في غزة، وبيان يدين مجمع الشفاء الطبي،
وبيان يدين قصف الاحتلال الإسرائيلي مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، وغيرها،
فقال المارد صاحب السؤال: ألا تمثل هذه البيانات مشكلة؟ فرد عليه: أي مشكلة؟ فإسرائيل
تطلق القذائف والقنابل والمنظمات تطلق البيانات!!
وأردف إبليس
قائلا: أرجو أن تسمعوني جميعا لتعلموا أننا نراقب كل هذه المؤتمرات والاجتماعات في
القاهرة وفي الرياض وغيرهما، ونعلم ما يصدر عنها -إن صدر- ونغض الطرف، بل قد نصرح
لبعضهم بأن يبالغ في الإدانة أو الخطب الرنانة طالما بتروله ونفطه وغازه لا يتوقف
عن إسرائيل، وليقل ما يشاء طالما بضائعه تملأ بيوت إسرائيل فتكفيها وتزيد.
ثم قال: ماذا
تريدون من حكام العرب والمسلمين أكثر من ذلك ؟هم أشد وفاء للصهاينة منكم، ثم ابتسم
وقال: نسيت أن أخبركم أنني التقيت أبا جهل الأسبوع الماضي وتعجب من حال هؤلاء
الحكام، وقال إنه في حصاره بيت محمد اقترح أحد المتحمسين أن نتسور عليه البيت
ونقتله فرفضتُ بشدة حتى لا تعيّرنا العرب بأننا روّعنا النساء والصبيان!! وقال لمّا
لطمتُ أسماء على وجهها قلت لمن معي: أخفوا عني لئلا تكون سُبّة في جبيني ما حييت!!
كيف صار هؤلاء
الحكام بلا نخوة أو مروءة أو كرامة إلى هذا الحد!!!
قال إبليس: وشرفك
يا أبا جهل لم أفعل شيئا بل أخجل أحيانا من مواقفهم، ويرق قلبي لبعض المشاهد
فيوسوسون هم لي ويعاتبونني: ما هذا الضعف الذي أصابك!!
هنالك قال إبليس
لمّا لم أجد لكم عملا في هذه الدول وأن هؤلاء الحكام سبقوكم بمراحل وأن أخي التوأم
يسكن البيت الأبيض ومجلس الأمن الدولي ويعاونه أقرانه في أوروبا، قلت لنوفّر الجهد
والمصروفات فسحبت السفراء وأغلقت القنصليات ومكاتب التمثيل الخاصة بمملكة الشياطين
لأفتحها في أماكن أخرى بدت فيها علامات المروءة وظهرت عليها أعراض النخوة، فلم أعد
بحاجة لهم في الدول العربية وبعض الدول الإسلامية في وجود هؤلاء الحكام المخلصين،
ولن يكون هناك خطر إلا إذا هبّت الشعوب وأزاحت هؤلاء الحكام وسنظل نراقب عن كثب..
وأغلق محضر الاجتماع في ساعته وتاريخه.
ونبّه إبليس على
العفريت سكرتير الجلسة أن يرسل نسخة من المحضر لكل حكام العرب والمسلمين قبل أن
يقوم من مقامه، فقال عفريت آخر: أنا أرسله لهم قبل أن يرتد إليك طرفك.