تعيش
مصر أزمة جديدة مع ارتفاع
أسعار بعض
السلع
الاستراتيجية، وهو ما تؤكده شكاوى وأنين المواطنين، علاوة على قياسات نسب
التضخم
في البلاد التي وصل معدلها السنوي إلى 39.7 في المئة في آب/ أغسطس الماضي، في
مستوى قياسي جديد يؤكد حجم معاناة أكثر من 105 ملايين شخص مع أزمة اقتصادية خانقة.
هذه الأزمة عبر عنها مواطنون فقراء وأثرياء، في إشارة
إلى أن الأزمة طالت الجميع، فيما أشار بعضهم إلى مسؤولية رئيس النظام عبد الفتاح
السيسي عن تلك الأزمة، رافضين ترشيحه لفترة رئاسية ثالثة في كانون الأول/ ديسمبر
المقبل، حيث يتوقعون قرارات قاسية بعد الانتخابات.
وتحدثت مواطنات مصريات عن ارتفاع أسعار كرتونة البيض
إلى 160 جنيها (5.17 دولارات بالسعر الرسمي) من نحو 40 جنيها قبل عام، وزيادة سعر
البصل من 5 إلى 10 جنيهات وحتى 25 أو 30 جنيها (نحو دولار)، وكذلك سعر الطماطم
الذي تعدى 25 جنيها (نحو 80 سنتا)، ورغيف الخبز الذي يباع بجنيهين.
وحلت مصر بين أكثر 10 دول في ارتفاع معدلات التضخم،
الذي وصل بالنسبة للأطعمة لأكثر من 70 في المئة، إذ كشف الجهاز المركزي للتعبئة
والإحصاء (حكومي) في 10 أيلول/ سبتمبر الماضي عن ارتفاع سنوي بنسبة 71.9 في المئة
لأسعار المواد الغذائية، التي تستورد البلاد نحو 60 في المئة منها وخاصة القمح
والذرة وزيت الطعام.
اعتراف حكومي.. ووعود
والثلاثاء الماضي، اعترف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي،
بأن حكومته رصدت ارتفاعات شديدة في أسعار السلع الغذائية، فيما عقد اجتماعا
لمتابعة الموقف وضبط الأسعار، بحضور وزراء التموين، والمالية، والزراعة، والتجارة،
ورؤساء الغرف التجارية، واتحاد الصناعات، وجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار.
وأكد مدبولي، أن حكومته ستعمل على توفير السلع،
والتنسيق مع البنك المركزي على توفير المكون الدولاري المطلوب، والإعلان عن مبادرة
خفض الأسعار للسلع الأساسية الأسبوع المقبل.
وفي ظل تفاقم الأزمة وشكاوى المواطنين، قال الأمين
العام لاتحاد الغرف التجارية علاء عز، في تصريحات تلفزيونية الأربعاء الماضي، إن
هناك تسع سلع سوف ينخفض سعرها الأحد المقبل، منها: السكر، والزيت، والأرز، ومنتجات
الألبان، والدقيق، والمكرونة، والفول، وذلك بضخ للسلع والتنسيق مع التجار، وهو ما
اعتبره مراقبون "خطوة لتمرير الانتخابات الرئاسية".
أزمة سكر.. هل تحرم المصريين كوب الشاي؟
وتفاقمت أسعار سلعة السكر الاستراتيجية مسجلة زيادة
بنحو 160 في المئة خلال عام، حتى وصل سعر الكيلوجرام الواحد المعبأ محليا إلى 40
جنيها (1.29 دولار بالسعر الرسمي)، بحسب تصريح رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للسكر
أحمد أبو اليزيد، لموقع قناة "CNBC عربية"، الخميس.
وأكد أحد تجار التجزئة أن سعر الكيلوجرام من السكر كان
في حدود 10 جنيهات عام 2022، ولكنه ارتفع إلى نحو 20 جنيها، وقبل نحو شهرين زاد
بنحو 10 جنيهات دفعة واحدة مسجلا 30 جنيها (نحو دولار بالسعر الرسمي)، ليواصل
الارتفاع مسجلا 40 جنيها الآن، وتُتوقع زيادة السعر في أي وقت.
وبحسب، تقرير لموقع "الشرق بلومبيرغ"
الثلاثاء، فقد قفزت أسعار السكر بنحو 67 في المئة خلال شهر واحد.
المثير أن تلك الزيادة المضاعفة في أسعار السكر كان
يبررها حلول المولد النبوي الشريف (26 أيلول/ سبتمبر الماضي)، وما يسبقه من
استهلاك كبير للسكر من قبل مصانع "حلوى المولد"، ولكن برغم انتهاء
الموسم إلا أن الأسعار تواصل الارتفاع بالتزامن مع قلة المعروض.
وتأتي تلك الزيادات غير المبررة وفق مراقبين ومحللين،
برغم أن مصر لديها شبه اكتفاء من السكر، حيث إن في مصر 16 مصنعا (8 حكومية و8
للقطاع الخاص) تنتج نحو 2.8 مليون طن سكر سنويا، بينما يستهلك المصريون نحو 3.2 ملايين
طن، فمصر لا تستورد إلا نسبة قليلة من استهلاكها تصل إلى نحو 400 ألف طن سنويا،
علاوة على أن أسعار السكر عالميا في تراجع.
حيتان الاحتكار
ومن آن إلى آخر تظهر في مصر أزمة سلعية مثل، الأرز
تارة والزيوت تارة، والسكر تارة أخرى، ما يدعو للتساؤل عن أسباب تلك الأزمة ودور
الحكومة فيها ودور التاجر الوسيط.
تجار تجزئة تحدثت إليهم "عربي21"، أرجعوا
الأزمة إلى "كبار التجار الجشعين"، واصفين إياهم بـ"حيتان المحتكرين"،
ومشيرين لدورهم "في تخزين السلع وبينها السكر والأرز وتعطيش السوق وبالتالي
ارتفاع الأسعار، بجانب قرارات الحكومة والحديث المنتظر عن تخفيض الجنيه، وضعف
رقابة وزارة التموين". وهو الأمر الذي أكده تقرير "الشرق
بلومبيرغ"، الذي أشار إلى أن التجار "قاموا بشراء كميات كبيرة من السكر الفترة الماضية بأسعار منخفضة، وتم تخزينها تحوطا من خفض جديد للعملة
المحلية مقابل الدولار".
واشتكى مواطنون من رفض البدال أو موزع التموين الحكومي
على بطاقة التموين بيع السكر لهم بحجة أنها تعليمات من وزارة التموين، التي قللت
الكميات المسلّمة لهم من السكر، بحسب قول الموزعين، فيما أشار بعض الأهالي إلى
أنهم "في السابق كانوا يشترون السكر من موزع التموين بسعر أقل من
السوق".
ارتفاع غير مبرر للأرز
والأرز هو طعام الفقراء والسلعة الأهم عند المصريين
بعد رغيف الخبز، والذي يشهد منذ العام الماضي طفرة سعرية غير مسبوقة، ومع ذلك قررت
وزارة التموين استبعاده من قائمة السلع المدعمة ببطاقات التموين، ما فاقم أزمة
الفقراء مع الأرز.
وحقق التجار مكاسب هائلة، حيث سجل سعر الكيلوجرام من
الأرز خلال فترات من العام الجاري من 30 إلى 35 جنيها لينخفض لا حقا حتى معدل من
22 إلى 25 جنيها، في أزمة تاريخية أرّقت المصريين طوال العام، حيث أن نحو 60 في
المئة منهم إما فقراء أو تحت خط الفقر، وفق تقرير للبنك الدولي عام 2019.
وبرغم حلول موسم الحصاد إلا أن المؤشرات تبدو مرعبة
لفقراء المصريين، حيث أكد ثلاثة مزارعين لـ"عربي21"، أنهم لن يبيعوا طن
الأرز الشعير بأقل من 15 ألف جنيه (485 دولارا)، مؤكدين أن "التجار هم من
استفادوا من أسعار الأرز العام الماضي، وكوّنوا ثروات هائلة دون أي جهد".
وأضافوا: "نعمل طوال الموسم مع أزمات قلة مياه
الري بالصيف، وارتفاع أسعار الأسمدة، وآلات الحصاد والحرث، والأيدي العاملة"،
وهو ما يعني وفقهم أن "التجار سيجمعون الأرز ويبيعونه بضعف هذا الثمن بعد
تخزينه مدة شهرين"، متوقعين "وصول الطن إلى أرقام فلكية هذا العام ولن
يقدر عليها الفقراء".
اعتراف غرفة الحبوب
واعترف نائب رئيس شعبة الأرز في غرفة صناعة الحبوب
باتحاد الصناعات، مصطفى السلطيسي، بأزمة أخرى كانت سببا في تواصل ارتفاع أسعار
الأرز، وهي تأخر إنتاج صنف "سوبر 300"، الذي ينتج نحو 3 أطنان للفدان،
مؤكدا أن ضخ كميات الإنتاج الجديدة بالأسواق سيتأخر لمطلع كانون الأول/ ديسمبر
المقبل.
والمساحة المنزرعة بالأرز في مصر تقدر بـ1.6 مليون
فدان، تنتج نحو 6 ملايين طن من أرز الشعير، وحوالي 4 ملايين طن من الأرز الأبيض،
بحسب تصريحات صحفية لنقيب الفلاحين صدام أبو حسين، الذي أكد أن استهلاك المصريين
السنوي يبلغ 3.3 ملايين طن أرز أبيض، فيما يتبقى فائض للتصدير، وهو ما يثير
التساؤلات حول أسباب استمرار أزمة الأرز رغم فائض الإنتاج.
مكسب خرافي
محمد جاد مزراع، أكد لـ"عربي21" أن
"اللعبة بيد التجار، والحكومة تتركهم وتستفيد منهم بطريقتها"، موضحا أن
"أحد تجار الحبوب حصل من التجار العام الماضي على كيلو السمسم بنحو 40 جنيها
(1.29 دولار) بينما باعه بـ70 جنيها (2.26) بعد أقل من شهر".
وأوضح أن "مكسب نفس التاجر في قنطار القطن زاد عن
نصف مليون جنيه في الموسم الماضي، حيث حصل عليه من المزارعين بنحو 7 آلاف جنيه
(226 دولارا) للقنطار وباعه بنحو 14 ألف جنيه (453 دولارا)".
ولفت إلى أن "نفس التاجر حصل على الأرز العام
الماضي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بنحو 7 آلاف جنيه (226 دولارا) من الفلاحين
وباعه بأكثر من 25 ألفا (809 دولارات) في أيار/ مايو، أي بعد تخزينه نحو 6 أشهر، ولم
يتكلف مليما واحدا".
جنون البصل
ويعد البصل مكونا أساسيا في أغلب أكلات المصريين،
وبرغم أن حجم إنتاج البلاد منه في الموسم الماضي بلغ 3.3 ملايين طن من نحو 219 ألف
فدان، ما وضع المزارع المصري في المركز الرابع عالميا بعد الصين والهند وأمريكا،
إلا أن أسعاره شهدت ارتفاعا غير مسبوق.
مع موسم الحصاد في آذار/ مارس الماضي سجل سعر الكيلوجرام
من البصل ما بين 9 و11 جنيها (أقل من ربع دولار)، لكنه خلال الشهرين الماضيين سجل
نحو 25 جنيها (نحو دولار)، فيما جاء ارتفاع سعر البصل خلال عامين من نحو 3 جنيهات
(9.7 سنتات) إلى 25 جنيها (80 سنتا).
"شريهان" ربة منزل، قالت
لـ"عربي21": "الأيام الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعار البصل من
10 و15 إلى 25 و30 جنيها، وأسعار الطماطم من 10 إلى 15 وحتى 25 جنيها، وكذلك
البطاطس بنفس المقدار، إلى جانب الخيار، والخضروات مثل البقدونس والشبت
والجرجير". وهو الارتفاع الذي أرجعت وزارة التموين أسبابه، وخاصة أسعار البصل
والطماطم في الفترة الأخيرة، إلى أنه فرق عروات الزراعة.
"عربي21" طرحت على تجار وخبراء، سؤاليها: هل
هذه الطفرات السعرية بداية لتعويم غير رسمي للجنيه؟ وهل يمكن أن يكون ذلك باتفاق
حكومي مع التجار لتمهيد السوق للقرار الرسمي؟
مكسب مباح
سمير، تاجر حبوب وغلال، نفى في حديثه لـ"عربي21"
ما يوجه للتجار من اتهامات بـ"الاحتكار وتخزين السلع وزيادة أسعارها"،
مرجعا الأمر إلى "تقلبات السوق، وكبار التجار والمصدرين، وأزمة
الدولار".
وقال: "الموضوع أكبر من التاجر الوسيط"،
موضحا أن "ما يجري تخزينه من سلع يأتي في إطار المكسب المباح"، ولمّح
إلى أن "الجميع يترقب تعويما للجنيه، وبالطبع يحسب مكاسبه وخسائره"،
نافيا علمه بوجود "اتفاق مع الحكومة لرفع الأسعار تمهيدا للتعويم".
محير وغير منطقي
وفي قراءته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي
عبد المطلب: "ارتفاع الأسعار أمر محير جدا، ولا توجد له أية أسباب
منطقية"، مبينا في حديثه لـ"عربي21" أنه "على المستوى العالمي
تراجعت أسعار السكر والقمح والذرة والزيوت، لكن في مصر الأمر مختلف".
وأضاف: "ربما يكون هناك أسباب معقولة عند الحديث
عن ارتفاع أسعار الزيوت على اعتبار أن مصر تستورد ما يزيد عن 98 في المئة من
احتياجاتها؛ أما بالنسبة لسلعة مثل الأرز، والذي تحقق منه مصر الاكتفاء الذاتي
فالأمر غير مبرر على الإطلاق".
وكيل وزارة التجارة الخارجية المصرية للبحوث
الاقتصادية، أوضح أنه "بالنسبة للسكر الذي ارتفعت أسعاره بأكثر من 150 في
المئة، فالأمر أيضا غير مبرر، حيث يزيد الاكتفاء الذاتي من السكر عن 80 في المئة،
وارتفاع أسعاره أيضا غير مبرر".
ويعتقد أن "هناك أسبابا غير ظاهرة وراء هذه
الارتفاعات، والحديث عن جشع التجار أو تخزين السلع، أو تعطيش السوق من أجل الحصول
على أرباح مستقبلية قد يكون واحدا من الأسباب، لكن باقي الأسباب ما زالت تحتاج إلى
دراسة"، وفق قوله.