اقتصاد عربي

مسؤول مصري يعلن ارتفاع خط الفقر 63 بالمئة.. ماذا يعني ذلك؟

أي حديث عن الفقر لن تكشفه الأرقام بل معاناة الناس في الشارع- جيتي
أي حديث عن الفقر لن تكشفه الأرقام بل معاناة الناس في الشارع- جيتي
أثار إعلان مسؤول مصري عن ارتفاع خط الفقر في البلاد انتقادات في الأوساط الاقتصادية، خاصة في ظل ما تعانيه مصر من ارتفاع تاريخي لمعدلات التضخم، وتراجع غير مسبوق لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.

وكشف نائب وزير التخطيط، أحمد كمالي، إن خط الفقر الجديد فى مصر سيكون أعلى من 1400 جنيه، بارتفاع نحو 63 بالمئة عن خط الفقر السابق (متوسط سعر الدولار بالبنوك 31 جنيها.. وأكثر من 40 جنيها بالسوق السوداء).

وقال كمالي خلال مؤتمر التنمية المستدامة الذى عقدته وزارة التخطيط المصرية، الاثنين الماضي، إن التقديرات اﻷولية لخط الفقر في بحث الدخل والإنفاق 2021/ 2022 (مسح إحصائي تجريه الحكومة كل عامين)، سيكون أعلى من 1400 جنيه، بارتفاع نحو 63 بالمئة عن خط الفقر السابق في بحث 2019/ 2020 الذي كانت قيمته 857 جنيها، بحسب جريدة البورصة.

ونقلت الجريدة عن مصادر لم تسمها، قولها إن معدل الفقر في التقديرات الأولية التي تتم كل عامين عبر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تتراوح بين 30 و35 بالمئة من السكان.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أعلنت تقارير رسمية أن معدلات الفقر تراجعت بمسح الدخل والإنفاق، عام 2019-2020 للمرة الأولى منذ 20 عاما، لتسجل 29.7 بالمئة مقارنة مع 32.5 بالمئة في مسح 2017-2018، الذي أعلن عنه في 30 تموز/ يوليو 2019.

ووفق تقديرات جهاز الإحصاء، فإن قيمة خط الفقر المدقع للفرد عام 2020 تبلغ 6604 جنيهات بنحو 550 جنيها للفرد شهريا، فيما بلغت عام 2021، حوالي 10279 جنيها ما يعني 857 جنيها للفرد شهريا.

وكان البنك الدولي، قد أصدر بيانا في أيار/ مايو 2019، قال فيه إن نحو 60 بالمئة من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

وبحسب البنك الدولي، فإن الفرد بحاجة إلى حوالي 65 دولارا شهريا، ما يعادل نحو ألفي جنيه مصري وفقا لأسعار الصرف الرسمية، حوالي 31 جنيها مقابل الدولار.

وتمثل زيادة نسب الفقر إحدى أهم معوقات التنمية، وتشكل خطرا مجتمعيا كبيرا تنتج عنه بؤر خطيرة تقوم على الجريمة والإدمان والخروج على القانون، ما يعد خطرا على الأمن والسلم الاجتماعي، وفق باحثون.

اظهار أخبار متعلقة



"توقيت يزيد الشكوك"

ومع الحديث عن زيادة معدل خط الفقر في مصر إلا أن متحدثين لـ"عربي21"، قالوا إن الرقم الجديد لم يصل حتى لمعدل خط الفقر المدقع، مؤكدين أن هناك ضغوط سياسية حتى لا يتم إعلان الحد الصحيح للفقر في مصر، لكي لا ينكشف النظام، مشيرين إلى معاناة كبيرة لملايين المصريين، وانضمام أرقام أخرى لمن هم تحت خط الفقر.

ويتزامن الإعلان عن خط الفقر الجديد في مصر مع الإعلان عن وصول معدل التضخم السنوي في مصر إلى 39.7 بالمئة في آب/ أغسطس الماضي، في مستوى قياسي لم تصل له البلاد خلال نحو 4 عقود، فيما ارتفعت معدلات تضخم المواد الغذائية بنسبة 71.9 بالمئة، وفق جهاز التعبئة والإحصاء.

كما يتزامن الأمر مع حالة الغضب الشديدة التي يعبر عنها مواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتكشف تزايد حجم الفقر بالبلاد، وتآكل الطبقة الوسطى، وهبوط الكثير من الفقراء إلى حد الفقر المدقع، وتضاعف أسعار جميع السلع عدة مرات خلال عام ونصف.

أرقام الفقر الجديدة وبحسب مراقبين، تأتي قليلة بالمقارنة بأحداث جسيمة أضرت بالاقتصاد المصري الذي يعاني من الركود والديون، حيث تأثرت البلاد بجائحة كورونا 2020، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية شباط/ فبراير 2022، وتأثيرها على السلع الاستراتيجية مثل القمح، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد في الربع الأول من 2022.

وتظل تلك الأرقام قليلة مع أزمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية وسقوط الجنيه أمام الدولار وتراجع قيمته بأكثر من 50 بالمئة، وتفاقم أزمة الاستيراد وعجز الحكومة عن توفير مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار والسلع الأساسية.

كما يأتي ذلك الرقم في ظل سطوة فوائد الديون على مدخلات المصريين حيث تأكل خدمة الديون التي تعدت نحو 165 مليار دولار، نحو 93 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤثر على الإنفاق على الخدمات والصحة والتعليم، وبالتالي زيادة نسبة الفقر.

والحديث شبه الرسمي عن هذا المعدل الجديد لخط الفقر يأتي قبل شهور من الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يعول عليها رأس النظام عبدالفتاح السيسي، في الوصول إلى ولاية ثالثة له في حكم أكبر بلد عربي من حيث السكان.

ودائما ما يلقي السيسي، بالمسؤولية في المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وحالة الفقر التي يعاني منها نحو 105 ملايين مصري بالداخل، على ثورة يناير 2011، وارتفاع معدل النمو السكاني، لكن محللين أرجوا تلك الأوضاع لوجود أخطاء سياسية لدى النظام.

اظهار أخبار متعلقة



"2700 جنيه.. النسبة الحقيقية"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري، إن "النسب الحقيقية لخط الفقر في مصر حسب معيار تعادل القوة الشرائية تبلغ 2.3 دولار".

وأوضح أنه "وعلى ذلك، وحسب القيمة الحقيقية للدولار في السوق السوداء البالغة نحو 40 دولار، فإن كل فرد يقل دخله اليومي في مصر عن 90 جنيه مصري تقريبا حسب تقديرات تكامل مصر فهو تحت خط الفقر، وهو ما يعني أن الحد الأدنى لخط الفقر يبلغ 2700 جنيه مصري في 2023".

وبشأن ما قد يترتب على زيادة مصر لخط الفقر من 857 جنيها إلى 1400 جنيه، أكد الباحث المصري، أن "الجهات المعنية والتي حددت خط الفقر لم تحدده على أساس اقتصادي حقيقي، وإنما تم تحديده كقرار سياسي".

وأوضح أنه "برغم ذلك فإن تحريك حد الفقر يترتب عليه ضرورة زيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة معاشات التضامن، وزيادة قيمة المواد التموينية التي تمنحها الدولة، وزيادة الحد الأدنى للإعفاءات الضريبية".

ويرى أنه "ولأن النظام يعي ذلك جيدا؛ فإن خط الفقر الذي تم الإعلان عنه غير حقيقي، بل إن خط الفقر الحقيقي يقترب من ضعف ما تم الإعلان عنه".

وعن الإجراءات المحتملة أو المقرر أن تتخذها الحكومة لاحقا، يعتقد خضري، أن "التصريح بتحريك خط الفقر حتى ولو كان غير حقيقيا؛ هو مقدمة لبعض الإجراءات السياسية ذات الطابع الاجتماعي، والتي سيتم الإعلان عنها تباعا قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة؛ لتدعيم موقف الجنرال السيسي؛ بعد أن أصبحت شعبيته تقترب من الصفر".

وأكد أن رفع خط الفقر لا يعد اعترافا من الحكومة المصرية بزيادة عدد الفقراء بالبلاد ومن هم تحت خط الفقر، موضحا أن "تلك التصريحات تكون محسوبة وفق ما يعلن عنه النظام، ومع نظام مثل نظام السيسي قد مرد على الكذب؛ فلن تعترف حكومته بشيء يبين فشله في الحكم".

اظهار أخبار متعلقة



"ضغوط سياسية"

وفي تعليقه قال، الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، قال لـ"عربي21"، إن نسبة الفقر المعلنة من النظام تتعرض لضغوط سياسية قوية حتى يتم تخفيضها، وذلك بما لا يقلل من حجم الإنجازات التي يتغنى بها النظام".

وأضاف: "وبالتالي لا ثقة مطلقا في النسبة التي يعلنها النظام"، معتقدا أن "النسبة تقترب من النسبة التي أعلنها البنك الدولي عام 2019، وهي 60 بالمئة من الشعب فقراء أو عرضة له، وهو ما يذهب بعيدا عن إحصاءات النظام".

ولفت إلى "تأثير نسب التضخم الناتجة عن أزمة (كورونا)، والحرب الروسية الأوكرانية، وتخفيض قيمة الجنيه لنحو 50 بالمئة بالربع الأول في 2022، وحتى الآن"، مبينا أن "هذا يعنى ارتفاع نسبة الفقراء والأكثر عرضة له".

ويرى الخبير المصري، أن "زيادة خط الفقر من 857 إلى 1400 جنيه، أمر خطير؛ لأنه لم يأخذ باعتباره نسب التضخم الحقيقية والتي تجاوزت 40 بالمئة الشهور الماضية، ولم يأخذ بالاعتبار انخفاض قيمة الجنيه 24 بالمئة بعد انتهاء بحث الدخل والإنفاق بالنصف الثاني من 2022، وحتى الآن".

وأوضح أنه "على سبيل المثال، فإن سعر علبة (كشري عادي) الآن فوق 20 جنيها، ولو اقتصر الفرد على أكل علبة بكل وجبة يوميا، لكان المبلغ المطلوب 1800 جنيه".

ولفت إلى أن "هذا الرقم يأتي بالرغم من أن تعريف خط الفقر القومي بأنه الحد الذي يكفي المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمواصلات والعلاج، أما خط الفقر المدقع حسب تعريف الجهاز المركزي للإحصاء فهو توفير الأساسيات من الطعام فقط، وهو ما يعني أن خط الفقر الجديد لم يصل حتى لخط الفقر المدقع".

ويرى أيضا أنه "في ظل التوقعات بتخفيض جديد للجنيه، واستمرار أزمة الاستيراد، ووجود سعرين للدولار؛ فإن نسبة الفقر ستزداد الأشهر القليلة القادمة".

وختم بالقول: "ولا أعتقد أنه لدى النظام أية رؤية أو حتى إرادة لتخفيف حدة الفقر الناتج عن سياسات السيسي، ونظامه العسكري، فالأولوية الآن لبناء القصور الشخصية والصوب الزراعية الفارغة من الزراعة".

"سبب الفقر"

يرجع البعض أسباب الفقر إلى السياسات الاقتصادية للحكومة المصرية بإقامة مشروعات غير ذي جدوى، مقابل إهمال المشروعات الإنتاجية، وتوجهها نحو الاستدانة الخارجية، مع سيطرة الجيش على أغلب الاقتصاد وبيع الشركات والأصول العامة.

كما يلمح خبراء إلى تصدر غير ذوي الخبرة للمشهد الاقتصادي والسياسي إلى جانب دور الفساد المتفشي في أروقة ودهاليز المؤسسات الحكومية في زيادة نسب الفقر، في بلد يحتل مركزا متدنيا في مؤشر مدركات الفساد بحسب منظمة الشفافية الدولية مسجلة المرتبة 130 من بين 180 دولة لعام 2022.

اظهار أخبار متعلقة



"الواقع مؤلم"

ويؤكد مواطنون في حديثهم لـ"عربي21"، أن "أي حديث عن الفقر لن تكشفه الأرقام بل معاناة الناس في الشارع، ومقدار ما يشترونه من لحوم ودواجن وبيض وأسماك وخضروات وفاكهة وأرز ومكرونة وسمن وزيت وسكر وحتى رغيف الخبز، والتي تضاعفت جميع أسعارها".

وأكد المواطنون أن جميع السلع الغذائية والاستهلاكية ارتفعت بنحو 200 بالمئة منذ بداية العام الماضي، مشددين على أن "مبلغ 1400 جنيه لا يكفي أسرة من 4 أفراد عدة أيام من الشهر"، خاصة أن ثمن الخبز فقط يتجاوز 600 جنيه في الشهر.

وأشار المواطنون إلى أن "الفقر دفع المصريين للتضحية بأبنائهم بإلقائهم على طرق الهجرة غير الشرعية والتي كانت سببا في وفاة المئات منهم في مياه البحر المتوسط، في حوادث أشهرها غرق مركب تحمل 750 شخصا قبالة سواحل اليونان في حزيران/ يونيو الماضي، ووفاة نحو 80 مصري في إعصار ليبيا قبل أيام".

وبحسب آخر إصدارات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن أغلب محافظات بها معدلات فقر عالية وخاصة بالصعيد، كالتالي: أسيوط 66.7 بالمئة، وسوهاج 59.6 بالمئة، والأقصر 55.3 بالمئة، والمنيا 54.7 بالمئة، والوادي الجديد 51.5 بالمئة، والبحيرة 47.7 بالمئة، وأسوان 46.2 بالمئة.


"اليوم العالمي للفقر"

وخصصت الأمم المتحدة يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر سنويا كيوم دولي للقضاء على الفقر العالمي، ووفقا لبيانات المنظمة الدولية هناك 1.3مليار شخـص بالعالــم عــام 2021 يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، غير قادرين على الوصول لخدمات أساسية مثل: التعليم والصحة والخدمات العامة، والمسكن والأصول والممتلكات.

ويعيش حوالي 10 بالمئة من سكان العالم في فقر مدقع بأقل من 2.15 دولار يوميا، فيما يعيش أكثر من 3.5 مليارات فرد على أقل من 6.82 دولارات للفرد يوميا، فيما رفع البنك الدولي قيمة خط الفقر المجتمعي، إلى 2.15 دولار لعام 2017، مقارنة بنحو 1.9 دولار للفرد في اليوم عام 2015.
التعليقات (1)
التجنيد مرفوض طول ما السيسي موجود
الخميس، 14-09-2023 02:19 م
التجنيد خدمة لمصر مش خدمة لخاين عرص