نشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا لأداما دينغ، الخبير السنغالي في حقوق الإنسان والمستشار الخاص في المحكمة الجنائية الدولية والمساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة، أشار فيه إلى أن الأحداث في
السودان هي وصمة عار على جبين الإنسانية وعلى مجلس الأمن الدولي التدخل.
واعتبر أن مشاركة الزعيم الفعلي للبلاد (
البرهان) في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فرصة لممارسة الضغوط بهدف وقف الصراع الدائر في البلد الأفريقي.
وتابع بالقول: "عندما خطب الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للسودان (قاد انقلابا ضد القادة المدنيين في 2021) في الجمعية العامة، كان على الأمين العام أنطونيو غويتريش انتهاز الفرصة والضغط عليه لكي يضع مصالح الشعب السوداني فوق كل شيء".
وتحدث رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78، معلنا استعداده لاستئناف المفاوضات مع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، في حال "التزمت الأخيرة ببنود المبادرة السعودية الأمريكية، وإخلاء المستشفيات ومساكن المواطنين والمنشآت المدنية".
كما طالب البرهان خلال كلمته بتصنيف الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها على أنها "مجموعات إرهابية".
ويشهد السودان صراعا داميا منذ منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، أسفر عن مقتل نحو 5 آلاف شخص، كما أجبر أكثر من 5 ملايين شخص على النزوح أو اللجوء إلى دول الجوار، وفقا لأرقام
الأمم المتحدة.
إلى ذلك أوضح الخبير السنغالي، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أنه "بعد الاستماع للقصص من السودان ومن اللاجئين الذي استطاعوا الفرار أو من بعض الملايين الذي هجروا قسرا في داخل بلدهم، لا يسع الواحد منا إلا الاستنتاج أن الإنسانية تخضع للمحاكمة مرة أخرى"
وأضاف: "لم نتخل بشكل ذريع عن شعب السودان بل وعن العاملين من أجل السلام. ويتضح مما يجري في السودان أن الإنسانية لم تتعلم أي شيء من كوسوفو ورواندا وأماكن أخرى".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أن اندلاع العنف في 15 نيسان/ أبريل لم يحدث من فراغ، فقد كانت العلامات ظاهرة، وكانت المسألة "متى" وليس "إذا ما"، موضحا أن الإطاحة بالرجل القوي في السودان عمر البشير في احتجاجات شعبية عام 2019 منحت السكان فترة من الراحة وقدمت أملا للمستقبل، إلا أن الأحداث التي تبعت الثورة، أشارت إلى انقسام البلد.
وبحسب الخبير السنغالي، لم تكن النخبة مستعدة للتخلي عن موقعها المتميز على رأس الطاولة، وقاوموا أي محاولة للمحاسبة على جرائم سابقة، كما قوض أفرادها مشاركة المدنيين في الحكم على حساب مستقبل البلد. وبإشارات كهذه، فإن أي تفاؤل بأي شيء إيجابي يحدث، لا يظهر إلا من الأفراد الذين ركّعوا السودان وتركوه على حاله وواصلوا في الوقت نفسه ممارسة الإهانة على الشعب السوداني.
وشدد على أن انتشار العنف إلى خارج الخرطوم هو مأساة شملت مناطق مضطربة وبخاصة دار فور التي أخذت حصتها من المعاناة. وما يجري في السودان يجب أن يكون مصدر عار على جبين الإنسانية جمعاء، فبعد الحرب العالمية الثانية اتفقت الإنسانية على ميثاق الأمم المتحدة الذي التزمت فيه بالقيم المشتركة والمساواة والكرامة لكل البشر.
وذكّر بأن الميثاق التأسيسي قام على فكرة الحاجة "لحماية الأجيال المقبلة من ويلات الحرب"، وعلى مجلس الأمن الالتزام بهذه المسؤولية في السودان.
وأكد أنه في الوقت الذي يمنح الميثاق مجلس الأمن المسؤولية للحفاظ على السلام والأمن العالميين، فإنه يدعو للتحرك بناء على أهداف ومبادئ الأمم المتحدة والتي تشمل احترام مبادئ العدالة والقانون الدولي ودعم وتشجيع احترام حقوق الإنسان والتعاون بحس نية لحل المشاكل الدولية ذات الطابع الإنساني.
لكل هذا، دعا الكاتب مجلس الأمن لزيادة التواصل لوقف النزاع في السودان والسماح للدخول بدون معوقات إلى المنطقة والتأكد من تلقي سكانها المساعدات الإنسانية الحيوية، بما فيها الطعام والدواء.
وطالب مجلس الأمن بإعادة التأكيد للأطراف السودانية المتحاربة وبشكل لا لبس فيه، أنه ستتم محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي. مشيرا إلى أن المجتمع الدولي أو الشعب السوداني سيحاسب من يقومون بعرقلة دخول الإغاثة الإنسانية أو يستخدمون الأساليب المحرمة لتحقيق أهدافهم العسكرية. وأضاف أن على مجلس الأمن أن يكون حاجز النار الموثوق به ضد الظلم.
اظهار أخبار متعلقة
كما شدد على الحاجة الماسة إلى تذكير القادة الأفارقة بأن الاتحاد الأفريقي وبناء على قانونه التأسيسي لديه أكثر الآليات التحذيرية تطورا لمنع النزاعات، وبإطار يسمح للدول بالتدخل، لو خافت من إمكانية حدوث الإبادة أو ارتكاب جرائم حرب. وحان الوقت لتفعيل هذه الآلية لمنفعة الشعوب الأفريقية.
ورأى الكاتب أن النزاع الفظيع في السودان يعتبر تحد لمصداقية الاتحاد الأفريقي، وعليه عمل المزيد وبشكل عاجل والتفكير وتحقيق رؤية مؤسسية وكذا توقعات الشعوب الأفريقية التي تنظر إليه وبشكل متزايد كضامن للسلام في القارة.
ولفت إلى أن العالم شاهد الأسوأ في السابق، حيث قال "أعتقد أننا تعلمنا شيئا من المآسي السابقة بشكل يساعدنا على اتخاذ أفضل القرارات لمصلحة الإنسانية جمعاء. ويجب على مجلس الأمن أن يظهر، قولا وفعلا التزامه المطلق بدعم الشعب السوداني وإعادة بناء بلده بناء على السلم والعدل والمساواة بين جميع المواطنين".
واختتم حديثه بالقول إن ما يحدث في السودان هو مصدر للعار وندبة على جبين الإنسانية جمعاء، داعيا "المجتمع الدولي لعمل المزيد ومعالجة هذا النزاع المأساوي والذي حكم على الملايين بالفقر واليأس".