قضايا وآراء

إعلان المبادئ من الفشل إلى الهزيمة

نزار السهلي
لم تلتزم إسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية أوسلو- جيتي
لم تلتزم إسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية أوسلو- جيتي
ثلاثون عاماً بيننا وبين ذاك التوقيع المسمى "إعلان المبادئ" الذي جرى في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل برعاية أمريكية، في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، وعُرف باتفاق أوسلو، حيث تم التوافق سراً على بنوده هناك قبل الإعلان عنها، ومنذ ذاك التاريخ تتناسل هزائم فلسطينية باتساع قوس العدوان الشامل على الأرض.

توالدت في ثنايا أوسلو بُنى عربية متداعية أثبتت عاماً بعد آخر أوسلويتها المزايدة على فلسطين وشعبها، متخذةً من شقوق الإعلان الواسعة منفذاً أكبر للتطبيع والتصهين، وصولاً لتحالف لا نبالغ فيه بين بعض النظام العربي والمستعمر الصهيوني.

ما كشفته الوثائق الإسرائيلية مؤخراً، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على إبرام اتفاق أوسلو، من أن إسرائيل لم تنظر إلى هذه الاتفاقية باعتبارها نقطة انطلاق نحو التخلّي عن الاحتلال في أراضي 1967، ونحو منح الفلسطينيين الحق في الحرية وتقرير المصير والاستقلال، كان قد كشفه الفلسطينيون في يومياتهم المعاشة مع الاحتلال وبالقرب منه، ولمسوا التنصل من كل بنوده، وأدركوا الوظيفة البائسة لسلطة فلسطينية ارتبط بنيانها بمبدأ الحفاظ على تنسيق أمني مع الاحتلال.

ما كشفته الوثائق الإسرائيلية مؤخراً، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على إبرام اتفاق أوسلو، من أن إسرائيل لم تنظر إلى هذه الاتفاقية باعتبارها نقطة انطلاق نحو التخلّي عن الاحتلال في أراضي 1967، ونحو منح الفلسطينيين الحق في الحرية وتقرير المصير والاستقلال، كان قد كشفه الفلسطينيون في يومياتهم المعاشة مع الاحتلال وبالقرب منه، ولمسوا التنصل من كل بنوده، وأدركوا الوظيفة البائسة لسلطة فلسطينية ارتبط بنيانها بمبدأ الحفاظ على تنسيق أمني مع الاحتلال

ولأن لا شيء في إعلان المبادئ ولا في دهاليز أوسلو يشير إلى نية ومبدأ اعتراف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية التي تشمل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 67 بغرض إقامة دولة فلسطينية، ولأن كل حديث عن القدس والحدود والأمن والمياه واللاجئين كان مؤجلا للمرحلة النهائية كما قيل وقتها، فإن كل الخطوات والإجراءات الإسرائيلية كانت تعمل على تهويد القدس وتوسيع عمليات الاقتحام للأقصى، وفرض سياسة حصار المقدسيين، إضافة لخطط ضم الأغوار والنقب وسياسة سرقة المياه وعدم الاعتراف بحق العودة وتكثيف خطط الاستيطان، كل ذلك لعدم الوصول لهذه المرحلة، بينما الحفاظ على قوة التنسيق الأمني وتمتينه ببناء عقيدة "أمنية" فلسطينية بإشراف أمريكي تحفظ الهدوء المطلوب للاحتلال لم يطرأ عليه أي تغيير.

في الأعوام الثلاثين الماضية، تمسكت السلطة الفلسطينية بتلابيب الاتفاق، رغم تكرار الشكوى اليومية من العدوان الإسرائيلي، وعدم امتثال إسرائيل لمبادئ أوسلو بخرق كل المواثيق الدولية، والوصول للحائط المسدود بضياع الأرض استيطاناً وعدواناً وارتكاب المجازر وهدم البيوت، وتنفيذ عمليات الاعتقال وسياسة الأرض المحروقة في غزة وتشديد الحصار، وإعادة احتلال لمناطق السلطة وحصارها وبناء جدار فصلٍ عنصري.

ولم يعد أصلاً التعويل على قيام دولة فلسطينية بتلك الوقائع الصهيونية على الأرض مدخلا لأي حديث لاستئناف المفاوضات أو تقديم مبادرة عن السلام، أو التمسك بقديمها من الجانب العربي في قمة بيروت 2002، فكل الأجواء تحمل وضوحا كافيا عن سياسات الحكومات الإسرائيلية، فقصة التعنت الإسرائيلي ليست متعلقة بحكومة يمينية أو يسارية أو متطرفة، طالما القاعدة الصهيونية تحكم سياسات مشروعها على الأرض سارية، بضم بقية الأرض وتحقيق حلم الدولة اليهودية، وبعدم الاعتراف أصلاً بوجود شعب له حق وتاريخ وجذور في أرضه.

قضية العجز الذاتي والخلل الاستراتيجي، الذي مُنيت به حركة التحرر الوطني الفلسطيني مع سلطتها القائمة، لم تسمح بمراجعة عميقة وذات جدوى لاتفاق أوسلو، ومراجعة وطنية لمسيرة ثلاثين عاما من الإخفاق المستمر لقيادة نضال شعبٍ تحت الاحتلال بقيت مطالب مرفوعة للشارع الفلسطيني، والأهم تحديد الرؤية للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين من قبل ضحاياه الفلسطينيين.

تلك الوقائع خبرها بعمق كل عربي وأي مراقب لسياسات الاحتلال على الأرض، ومعظم رجال السلطة الفلسطينية ونخبها من كوادر الفصائل والتنظيمات وباعتراف من وقع إعلان المبادئ من الرئيس محمود عباس إلى ابن الشارع في كل المدن والقرى الفلسطينية المحتلة، أن أوسلو فشل بكل بنوده، باستثناء بند التنسيق الأمني الذي غدا سيفاً مسلطاً على الشارع الفلسطيني ومقاومته.

لكن قضية العجز الذاتي والخلل الاستراتيجي، الذي مُنيت به حركة التحرر الوطني الفلسطيني مع سلطتها القائمة، لم تسمح بمراجعة عميقة وذات جدوى لاتفاق أوسلو، ومراجعة وطنية لمسيرة ثلاثين عاما من الإخفاق المستمر لقيادة نضال شعبٍ تحت الاحتلال بقيت مطالب مرفوعة للشارع الفلسطيني، والأهم تحديد الرؤية للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين من قبل ضحاياه الفلسطينيين، سلطة ومنظمة وفصائل وقوى وأحزاب مشاركة في مقاومته، لأن المشروع الصهيوني ببساطة لم يتوقف في أوسلو وبعدها، هو مستمر بفظاعة وقوة أشد، وميل نحو فصلٍ عنصري على الأرض بسياسات واضحة.

ولأن إعلان المبادئ في أوسلو، وفّر الفرصة النادرة لتحقيق بقية المشروع الصهيوني على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، فإن العقود الثلاثة الماضية من ضغط العدوان والاستيطان والتهويد، تكفي للخروج من أسر أوسلو إن امتلك الطرف الرسمي الفلسطيني الإرادة والقوة لفعل ذلك، لكن بقيت المسافة بين الآمال والواقع شاسعة بتجربة وخبرة الشارع الفلسطيني مع سلطته وقيادته.

إما أن يكون الشارع الفلسطيني جزءاً من شعوب عربية حرة وثائرة، لما تشكله فلسطين وقضيتها من مكانة تشير للعدالة والحرية في عمقها العربي المقهور والمقموع، وهو ما لم تسمح به السلطة والاحتلال، أو أن تبقى السلطة الفلسطينية تدور في فلك التنسيق الأمني بلا معنى وطني وسياسي وبلا "مبادئ" في اتفاقٍ كل بياناته وأرقامه وسجلاته تقول إن اتفاق أوسلو هو أعظم فشل فلسطيني وعربي

استثمار نتائج فشل أوسلو، وهزيمة المبادئ التي وقّع عليها الطرف الفلسطيني مع إسرائيل برعاية أمريكية، لا يعنيان الارتماء الفلسطيني مجدداً في حضن الأوهام ضمن تكتيك فاشل ومستمر، أو بالسعي لإضفاء شرعية على تطبيع عربي وتصهين، مقابل العودة مجدداً لفتات الألاعيب الصهيونية والأمريكية، فإما أن يكون الشارع الفلسطيني جزءاً من شعوب عربية حرة وثائرة، لما تشكله فلسطين وقضيتها من مكانة تشير للعدالة والحرية في عمقها العربي المقهور والمقموع، وهو ما لم تسمح به السلطة والاحتلال، أو أن تبقى السلطة الفلسطينية تدور في فلك التنسيق الأمني بلا معنى وطني وسياسي وبلا "مبادئ" في اتفاقٍ كل بياناته وأرقامه وسجلاته تقول إن اتفاق أوسلو هو أعظم فشل فلسطيني وعربي بعدم فهم المبادئ العامة لحركة تحرر في الثلاثين عاماً الماضية، وبعدم النظر للمشروع الصهيوني الاستعماري على أنه مشروع معادٍ ومواجهته لا تتم بمناشدة العدو والطلب من حلفائه الضغط عليه لوقف عدوانه.

أخيراً، تجاوز كل إخفاق أوسلو ومشكلاته ومبادئه غير العادلة، يتطلب مراجعة انتقادية شاملة بعيداً عن الشعارات الشاملة، وعن تحميل الاحتلال ومشروعه الاستعماري وحده المسؤولية. والخروج من روح التخندق الذاتي بأوسلو وعجزه وعجز المبشرين به نحو إحداث تقارب مع الشارع الفلسطيني والعربي، وإعلاء شأنهما في عملية التغيير المنشودة؛ هو ما يحسم شكل وطرق مواجهة كل هذا الفشل منذ ثلاثة عقود لمحاولة إلحاق هزيمةٍ يتصدى لها الشعب الفلسطيني.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)